صحيفة المثقف

الانحراف الجنسي والفقر وجدلية العلاقة

بمعنى أن الدين والعلم يتفقان على هذا المبدأ وينبهان العالم إلى خطر هذه القنبلة الموقوتة وأثرها على المجتمع كله وليس على مرتكبها فقط. لأن ظاهرة الانحراف الجنسي آفة اجتماعية سلبية لها اثر مدمر وتخريبي على المجتمع كله في جوانبه الدينية والأخلاقية والصحية والأسرية.

من جهة الاستعمال ألمصطلحي يقصد بالانحراف الجنسي الحصول على إشباع الغريزة الجنسية بطريقة غير مشروعة عن طريق الدعارة أو البغاء الذي يقصد به بيع الخدمات الجنسية قسريا أو طوعيا. ويعرف أيضا: أنه الانحراف السلوكي عن الطريق الصحيح للفطرة الإنسانية بممارسة المثلية الجنسية. وبتفصيل أدق يعرف:أنه كل استعمال للجنس، دون الوفاء بمواصفاته الإنسانية. أما في الشرائع الدينية فيقصد به: الانحراف عن الطريق المحدد شرعا وممارسة الجنس الحرام في قنوات غير شرعية

 كل الأديان والشرائع وغالبية الحضارات حرمت الدعارة أو استهجنتها وغالبا ما تعتبر الدعارة عملا غير أخلاقي يحاسب مرتكبه. وفي العصر الحاضر نصت الاتفاقيات الدولية على تحريم الاتجار بالرقيق الأبيض ليس بسبب جانبه الأخلاقي طبعا وإنما لكونه عملا قسريا يمثل استغلالا للبشر كما ورد في الاتفاق الدولي الصادر في 18 /5/1904 والذي تم تعديله بموجب بروتوكول ألأمم المتحدة في 3 /12/ 1948 ولكن مع ذلك لا يخلو بلد أجنبي أو إسلامي أو عربي من الدعارة مطلقا ومن وجود دور للدعارة المعلنة أو المستترة.

 وعلى مستوى العالم العربي هناك دولا تتشرف بدور ديني متميز ولكنها في ذات الوقت تساهم في نشر الدعارة والانحلال الأخلاقي مثل المملكة السعودية التي ورد ذكرها في التقرير الذي أعدته وزارة الخارجية الأمريكية عن الدول (الصديقة) لها والتي تتاجر بالبشر ومنها أيضا البحرين والكويت وعمان وقطر إضافة إلى غير الصديقة مثل الجزائر وسوريا والسودان. لكن السعودية بالذات وردت في هذا التقرير ضمن الشريحة الثالثة وهي أعلى الدرجات وتخص الدول التي لا تتماشى ـ كما يقول التقريرـ مع أدنى معايير مكافحة الاتجار بالبشر حيث قال (مارك لاجون) وهو سفير أمريكي ومستشار بارز في قضايا الاتجار بالبشر: ( من المخيب للآمال على نحو خاص أن الكثير من البلدان الثرية في الشرق الأدنى لا تفتقر إلى الموارد التي تمكنها من إحراز تقدم ومع ذلك هي في الشريحة الثالثة مثل السعودية للعام الثالث على التوالي) هذا وقد تورط أفراد العائلة المالكة السعودية بفضائح جمة في هذا المضمار فقد أعلنت محطة (BBC) الإخبارية يوم 21/7/2009 نقلا عن صحيفة الاندبندنت أن بريطانيا منحت حق اللجوء فيها لإحدى الأميرات السعوديات بعد إنجابها طفلا غير شرعي من رجل بريطاني. و إنه سمح للأميرة المتزوجة بالإقامة في بريطانيا بعد أن قالت للقاضي الذي كان ينظر في طلبها إن علاقتها بالرجل البريطاني تعرضها لخطر إقامة الحد عليها بالموت رجما إذا ما عادت لوطنها. وذكرت الصحيفة أن زوج الأميرة ـ التي منعت المحكمة نشر اسمها ـ ينتمي هو أيضا للعائلة المالكة السعودية. وقالت الصحيفة إن الأميرة قد أقامت علاقة بالرجل البريطاني ـ وهو غير مسلم ـ خلال زيارتها لبريطانيا ثم حملت فيما بعد منه سفاحا.وبعد إنجابها سرا في بريطانيا تقدمت بطلب إلى قسم الهجرة واللجوء. وكانت أميرة سعودية أخرى هي الأميرة (مشاعل بنت فهد) التي أعدمت عام 1977 قد أثارت ضجة واسعة بعد عرض فيلم يروي قصتها باسم (موت أميرة) أما الحالات المشابهة التي لم تعلن فتفوق ذلك مئات المرات.

تحريم الأديان والقوانين الوضعية للبغاء وتجارة الرقيق الأبيض لم يحد من انتشار هذه الظاهرة ونموها وتوسعها على الأقل في مجتمعاتنا العربية والإسلامية التي من المفروض أنها مجتمعات ملتزمة دينيا وأخلاقيا، ولا يعتبر ذلك تحد للنواهي الإلهية والقانونية فقط بقدر ما يدل على أن هنالك أسبابا قاهرة تقف وراء تفشي الظاهرة.

 وإذا كان التساهل والانفلات قد سمح للظاهرة بالانتشار الواسع في المجتمعات الغربية فإن تفشي الظاهرة في مجتمعاتنا تقف وراءه أسباب قاهرة حيث أن كل البلدان العربية والإسلامية تنتشر فيها تجارة البغاء بسبب العوز المادي وسوء توزيع الموارد المالية وتفاوت الدخول والتضخم وزيادة أسعار السلع الضرورية ولجوء البلدان إلى رفع الدعم عن المواد الغذائية وارتفاع تكاليف العلاج والأدوية والعمليات الجراحية وتنامي معدلات السياحة ودخول الوافدين الأجانب وضعف الدخل وتدني المستوى المعيشي والتفكك الأسري وكبر حجم العوائل، والعزوف عن الزواج لارتفاع تكاليفه، وارتفاع نسبة العنوسة، وتدني مستوى التعليم والفساد الإداري، واليتم والتصدع الأسري والعنف الأسري والتمييز بين الأبناء

كذلك ما يتركه الآباء المدمنون على المخدرات والمسكرات من آثار تساعد على انعدام التوافق النفسي والاجتماعي بين الأولاد وذويهم، الهجرة من الريف إلى المدينة صنفت كسبب من الأسباب التي تدعم ظاهرة الدعارة، بسبب ما قد يترتب على هذه النقلة السريعة من احتياجات تفوق دخل الأسرة بل حتى فقدان المساواة داخل الأسرة بين الأولاد يدفع أحيانا إلى امتهان الدعارة، كذلك حالة السكن واكتظاظه وتزاحم الأسر داخله يعتبر من الأسباب المساعدة لتفشي الظاهرة لكن يبقى موضوع الفقر هو الأكثر فعالية ورحم الله أبا الحسن علي (ع) وهو القائل (كاد الفقر أن يكون كفرا) وفي العراق ممكن أن نضيف العمليات الإرهابية والحروب السابقة كسبب رئيس من أسباب تفشي الدعارة بسبب فقد المعيل أو مفارقة الآباء لعوائلهم مددا طويلة. كما أن ضعف الوازع الديني يعتبر من أكبر الأسباب المشجعة على ارتكاب الموبقات وأخيرا تساهل الحكومات مع مرتكبي هذه الجرائم. وبهذا الصدد نشرت جريدة الأهرام القاهرية يوم 23/6/2009 تحت عنوان (عقوبة المرور .. تخالف الدستور) الخبر التالي (الباحث د./ إمام حسنين أستاذ مساعد القانون الجنائي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أعد دراسة حول المسئولية الاجتماعية وقوانين المرور, و مباديء المواطنة واعتبار عقوبة الحبس من (24) ساعة إلي (3) سنوات وغرامة من (1000) إلي (3000) جنيه جعل عقوبة قانون المرور تفوق عقوبة التحريض علي الفسق والفجور في الطريق العام وأشد من جريمة الزنا!!

مقاربة مجمل ما تقدم مع الحالة العراقية القائمة زائدا التصدع الأخلاقي الكبير وتفشي الانفلات في مجتمعنا يؤشر أن العراق بوضعه الحالي مع انطباق كل أو أغلب الأسباب المفضية للانحراف الجنسي عليه مقدم على الوقوع بمشكلة كبرى تفوق كل المشاكل التي عانى منها مؤخرا ومهدد بالانهيار الأخلاقي الكلي والشامل إذا لم نبادر جميعا لتخفيف الضغوط والأسباب والمسببات التي تدفع الشباب من الجنسين بل حتى الكهول وكبار السن لارتكاب هذه الجرائم اللاأخلاقية

 ويأتي هذا التخفيف من خلال التعاون المثمر بين المؤسسة الدينية والحكومة وأجهزة الإعلام، والأحزاب السياسية وعلى وجه الخصوص الأحزاب السياسية الدينية، ومؤسسات المجتمع المدني، وأصحاب رؤوس الأموال، وأهل الخيرات والمخلصين لعراقيتهم ووطنيتهم والمؤمنين والشرفاء كلهم عن طريق توفير الرزق الحسن والقضاء على البطالة وتامين فرص العمل للجميع ودعم وتشجيع القطاع الزراعي والمشاريع الصغيرة بتوفير القروض الميسرة وتسريع عمل هيئة النزاهة والقضاء العراقي للتخلص من العابثين ومرتكبي جرائم الفساد المالي والإداري والاهتمام بالتعليم والوعي الإنساني والمعرفي ودعم الطلبة ماديا في مراحل الدراسة المتقدمة وتطوير كفاءات المعلمين والمدرسين، ومحاربة دخول المخدرات إلى البلاد، وتقنين صرف الأدوية ذات التأثيرات الجانبية،والتأكيد على دور الأسرة وروابطها والحفاظ عليها والسعي والتأكيد على الإصلاح الاجتماعي، وتطوير برامج التكافل الاجتماعي ورعاية الأرامل والأيتام، واستمرار الدعم الحكومي للبطاقة التموينية، وإشراك الإعلام الحكومي والأهلي في عملية تثقيف المجتمع، ومحاربة المخربين والإرهابيين والقضاء عليهم بسرعة وتقنين الهجرة من الريف إلى المدن وتطوير المؤسسات الطبية الحكومية ودور الرعاية الصحية وفتح المراكز الترفيهية للشباب والتأكيد على دور الرعاية العلمية وفتح دورات التطوير المهني وتطوير الرياضة والملاعب الرياضية والمسابح داخل أو قرب الأحياء السكنية. وثقوا أن أي تأخير في هذا الجانب ليس في صالح أحد لأن عدوى المرض سوف تتفشى وتقتحم كل البيوت المحصنة ولن يقف بوجهها شيء.

إن العالم كله مرعوب من الخطر الكامن في الانحلال الأخلاقي الكبير الذي تفشى في المجتمعات العالمية ولذا بادر المصلحون والمفكرون إلى تحذير مجتمعاتهم من خطر القنبلة الجنسية التي يقول عنها (جيمس رستون): (إن خطر الطاقة الجنسية قد يكون في نهاية الأمر أكبر من خطر الطاقة الذرية) أو كما هو رأي (جورج بالوشي) الوارد في كتابه: ( الثورة الجنسية ): (لا يفتقر العالم إلى عناصر بشرية تقلق الأهمية المتزايدة التي يكتسبها الجنس في حياتنا اليومية وتشعر بالخطر إذ تري موجة العري وغارات الجنس لا تنقطع ينشغل هؤلاء الناس انشغالاً جاداً بالقوة الهائلة التي يمكن أن تصل إليها الحاجة الجنسية إذا لم يحدها الخوف من الجحيم، أو الأمراض السارية، والحمل. وفى رأيهم أن أطناناً من القنابل الجنسية تتفجر كل يوم، وتترتب عليها آثار تدعو إلى القلق، قد لا يجعل أطفالنا وحوشاً أخلاقية فحسب بل قد تشوه مجتمعات بأسرها)

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1130  الاربعاء 05/08/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم