صحيفة المثقف

النقد الادبي: إيهام الحداثة.. قراءة في نص الكاتب حسين عبد الخضر(تمرين في التذكر)

(المعنى بقلب الشاعر).. لكن القراءة النقدية وهي تحاول  جاهدة اقتناص المعنى لن يضيرها قول قائل لقد اخطأ سهمك أو خاب..

إن أية قراءة نقدية لنص مشفر أو لوحة تشكيلية مشفرة لاتخلو من سوء فهم

ولنا في تجارب التعليقات في المواقع الالكترونية وتطير البعض منها وفهم المديح الباذخ على إنه ذم قادح مثلا وعظة..

لكن نص الكاتب القدير والسارد المتميز حسين عبد الخضر (تمرين في التذكر) ليس من السهل أن يمر دون الوقوف عند مكامن الإبداع السردي والتلذذ بمحاولات التجريب فيه وسبر أغوارها.. والبحث عن الرؤى الفكرية بين ثنايا النص ورسالته الفنية في الأسلوب ومقاصده الرؤيوية الفلسفية في المضمون..

أبرز سمات نص عبد الخضر اشتغاله على مستويين من السرد..

 المستوى الأول الكتابة وفق أسلوب يتتبع حركة الشخصية الخارجية ومقومات تمظهرها وشؤونها وهمومها وارتباطاتها وعلاقاتها بالعالم الخارجي وتحديد أحوالها المدنية العامة .. وفق المنهج الواقعي الاجتماعي التقليدي. كأننا نقرأ نصا لفلوبير آو بلزاك او محفوظ في مرحلته الواقعية.

(هذا ما يفعله شخص شاخت ذاكرته، وسخر الآخرون منه، وهو يسعى إلى الفناء، اكبر أولادي، بنت نحيفة سمراء  أنها الأطول بينهم، والأكثر هدوءا.

الثانية بنت أيضا، اقصر من الأولى، بيضاء بدينة، يصعب عليّ تذكر عمرها، هي اصغر من الأولى بعامين.

الثالث ولد، نحيف، اصفر، اسمه محمد صادق، يعاني من مشاكل في النطق.

الرابع ولد أيضا، ابيض، هو الذي تكلم قبل أخيه الأكبر، نلومه لكل مشكلة.

غفران، لا يمكن أن أنسى غفران، وكذلك سارة.

أمي، امرأة كبيرة في السن، متعبة، مريضة على الدوام،)..

المستوى الثاني..

 الانتقال فجأة ودون سابق إنذار إلى السرد السريالي التغريبي.. تماما عند منتصف النص..

فتغمرنا أجواء فانتازية ...ورغم أن الشخصية المحورية في النص هي نفسها التي انتقلت من  أزقة الناصرية (مركز  محافظة ذي قار العراقية).. وأجواء مقاهيها وشخوصها الواقعية.. لكننا في المستوى الثاني إزاء شخصية عبثية ثائرة حتى نحار هل نصدق إن الشخص هو نفسه أبو محمد صادق؟؟. النص يؤكد انه هو نفسه.. لكن طبيعة الشخصية انتقلت إلى أجواء أخرى غاضبة بعد ان كانت مستسلمة لروتين حياتها القاتم..ليزدحم النص بحزمة من الترميزات

الموغلة  في الإيهام بما يشبه لعبة الكلمات المتقاطعة..

 وبعد ان نعرف ان  الشخصية المحورية في النص  قريبة من المثقفين فصديقه قاص مصاب بجلطة . وهو أحد رواد (مقهى مسلم) التي يسمونها مقهى الأدباء. ومن بين زملائه مخرج وممثل نبدأ برحلة البحث عن مغزى هلوسته التي امتدت حتى نهاية النص.. لنجد..

أن الأسماء تتداخل وتشتبك بما يشبه الكابوس فتختلط  إيماءاتها..  فمفردة الهاشمي مثلا تحمل صورتين في ذهن السارد..  صورة لشخصية قريبة يعرفها وصورة لشخصية بعيدة عنه لمذيع في قناة لايتابعها!!

  وكا زنتزاكي الروائي العالمي الكبير.. يقابل اسمه جار  السارد في قرية فرحان ..

 وماركيز.. شخصية في نكتة..

 ونيتشة كلب..

 وهكذا.. ان فانتازيا تقابل  أسماء العلم. وتشابك إيحاءاتها في ذهن السارد.. تمنح المشهد بعدا كابوسيا   وتحيل النص الى فضاءات مفتوحة.. وتتيح تأويلات عدة قد تختلف من قارئ لاخر..

 من هنا  تأتي استثنائية النص واحتمالات إثارته لجدل نقدي مثمر عن جدوى  الفانتازيا في السرد ..أو الشعر..

  ومدى أحقية الكاتب حسين عبد الخضر في تثبيت سبقه في تعشيق الواقعي بالسريالي في نص قصصي قصير. ومدى تحمل فن القصة القصيرة لهذه المحاولة الجريئة..

 لانملك إلا عرض النص  على طاولة النقد. ونؤكد ان  القراءة النقدية لاتعني أبدا مديحا  وثناء.. او قدحا وتجريحا.. فتلك مرحلة في النقد أضحت بالية..

 في الختام أجد من المناسب أن أؤكد إني لا املك سلطة الخبير ولا حرفية الناقد الأدبي.. وكل فضيلتي  اختيار النص وتقديمه.. وعلى السادة والسيدات تناول النص وفق رؤيتهم التي ربما تتجاوز رؤيتنا وتتقاطع معها. وسنفرح والله.. .. لكننا نحزن..... حين يضيع جهدنا.. وتهمل محاولتنا استنادا لتصورات مسبقة ظالمة اننا نفضل كاتبا على آخر . او ننحاز.. ونحزن أكثر حين تفهم مقاصدنا خطأ ان النصوص الأخرى أقل مكانة من النص  المعروض على ملف النقد الشهري..

  ونحزن ايضا حين ينعى علينا البعض هشاشة خبرتنا. وضآلة تجربتنا. دون ان يحاول ان يسدد خطواتنا.. والكمال... امنية بعيدة المنال..

 

للاطلاع:

تمرين في التذكر / حسين عبد الخضر

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1581 الجمعة 19 /11 /2010)

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم