صحيفة المثقف

ثقافة التسامح في فكر الباحث ماجد الغرباوي / صباح محسن كاظم

من نافلة القول جميع الشرائع السماوية، وكل التقنينات والتشريعات الوضعية القانونيه تدعو لثقافة التعايش والتسامح بين الاديان والشعوب، ..بالطبع عالمنا المعاصر وبعد الازمات العاصفة بالارهاب في مناطق عدة من العالم يرنو إلى عالمٍ يخلو من العنفِ.. وثقافة القتل.. وتقارب الافكار بالحوار، وإذابة جليد العقد المستعصية بين الاثنيات ..والطوائف.. والاديان في العالم..فهناك مساحات مشتركة بين الانسانية بالايمان بخالق الكون وبعثة الانبياء والعمل الصالح لمنفعة البشرية بكل الاتجاهات الثقافية.. العلمية..الصناعية..الزراعية.. إلخ من الجوانب التي تستوجب التعاون الدولي..

إن ديننا الاسلامي ومن خلال دعوة القرآن الكريم والنبي العظيم محمد –صلى الله عليه وآله- وأئمتنا المعصومين وصحابة المصطفى الابرار قدموا دروساً في الحضارة الانسانية تدعونا للتمسك بتلك القيم، والمثل، والمباديء التي هي نبراس يهتدى بها، ..

فالدعوة الحقة هي السلام، الوئام، التعايش، التعاون، التآخي.. لكن ثقافة القتل هي صناعة الطغاة بأمتياز شرعها ابو سفيان ومعاوية ويزيد والحجاج والسفاح وصدام وبن لادن وجميع من إتخذ الارهاب وسيلة لقمع الحريات..

ففي كتابيه (التسامح ومنابع اللاتسامح .. فرص التعايش بين الاديان والثقافات) وكتابه الآخر( الضد النّوعي للإستبداد .. استفهامات حول جدوى المشروع السياسي الديني) وجدت إن الرؤية الثاقبة لتحليل القضايا بشقيها- الماضوية والآنية- تتسم بالعمق، الشمول، التحليل المنطقي للأحداث مع معالجات لنزع فتيل الأزمات، وإستبدالها مفاهيم الحرية الفردية العقائدية وحقوق الانسان وهذا لعمري صميم الاطروحة الالهية في العقائد السماوية..

الشللية التي أصيبت بها الامة من الافكار المنحرفة عن مباديء الرسالة والقيم المحمدية والعلوية والحسينية أحد ابرز انتكاسات العقل المتحرر وبالتالي النكوص والتراجع الحضاري، فيما الامم تخطو سريعاً نحو البناء الحضاري بالتكنلوجيا والعلم والثقافة الحقيقية، فحققت الازدهار والتقدم، أما الضمور الحضاري الذي نشهده بالعودة الى إعتناق أفكار السلف التي تنبع من عقد إقصاء وتهميش المنهج المحمدي الاصيل بإقصاء من يحاول إتباع الحق وعدم مهادنة الباطل والانصياع للطغاة وهذا ماسار عليه أئمتنا الاطهار من إمام المتقين علي بن ابي طالب وسيد الشهداء الامام الحسين –عليهما السلام- والعترة الطاهرة والصحب الابرار بمحاولاتهم إتباع المنهج القرآني بإقامة دولة العدل وإنصاف الفقراء وتحقيق العدالة الاجتماعية ونبذ العنف ..

يطرح الباحث ماجد الغرباوي في المقدمة من كتابه الاول ص11 (لم يبق أمام الشعوب الاسلامية خيار للحد من ثقافة الموت والاحتراب والعداء والاقصاء المتفشية في كل مكان، سوى تبني قيم التسامح والعفو والمغفرة والرحمة والاخوة والسلام، لنزع فتيل التوتر وتحويل نقاط الخلاف الى مساحة للحوار والتفاهم بدل الاقتتال والتناحر، وهو عمل صعب يستدعي جهودا يتضافر فيها الخطاب الاعلامي مع الخطاب الثقافي والديني والسياسي والتربوي......) إن أزمة العقل التفخيخي المدمر التي تمليء عالمنا المعاصر من خلال فتاوى التكفير، ونشر ثقافة الكراهية والاستهانة بجماليات الحياة التي وهبت للأنسان ليحيى بالفكر والعلم والادب والفن تستدعي من طبقة الانتجليستا من نخب ثقافية واكاديمية وعلمائية اشاعتها واقتلاع تلك الروح الشريرة الهدامة التي تزرع الرعب في حياتنا وتحيلها الى جحيم ومأساة وأنين وثكالى وأيتام، بدلا من البسمة على شفاه الاطفال، وخضرة الحقول، وتطور التعليم، وبناء الامة.... في ص22 يكتب الباحث الرائع الغرباوي منابع التسامح (... ان التسامح نسق قيمي وأخلاقي يراد إحلاله محل النسق القيمي والاخلاقي الذي مازال يدير حركة المجتمع ويحدد اتجاهاته، ...)

كذلك يتناول الباحث إن العنف الذي أصبح سمة العصر، وكبت الحريات، والتذلل للحكام الطغاة الذي يقمعون شعوبهم ويحكمون بالتوريث السياسي غير الشرعي، ودون الاحتكام لصناديق الاقتراع..، او من ينصبهم الاستكبار العالمي ويمدهم بمصادر القوة الامنية.. والمخابراتية الاخطبوطية.. لتمكنهم من شعوبهم، وقمع، واخراس كل صوت مناهض لسياساتهم هو ديدن حكام العالم الثالث، ومنطقتنا العربية، فنادرا مانرى ويكاد يستحيل أن يأت حاكم عن طريق الانتخاب ويسلم السلطة ديموقراطياً ودستورياً..

أن يعي المجتمع ونخبه كما أسلفت أهمية ثقافة السلام والبناء يمكن تأسيس دولة حضارية ودولة الانسان وخلاف ذلك لايتم بل تزداد الامور تعقيدا، وتشرذماً وتصبح دولة الطوائف والاحزاب والقوميات هي المرتكز والمحور كما شهدت ساحات كثيرة فعل التقاتل الطائفي كما في لبنان قبل عقود والصومال واليمن ومصر والجزائر والعراق والباكستان والهند وعلى مدار التاريخ البشري حدثت مذابح للارمن والمسلمين والكاثوليك والبروتستانت وحروب دموية خلف ملايين الضحايا في بقاع الارض.. لقد استفادت شعوب الارض من التجارب المرة وخراب الحروب لتحولها الى دفع حضاري نحو العلم والفكر والثقافة والبناء وضد ثقافة العنف والاستبداد السياسي والديني...

في هذا السفر الجميل بالافكار الناضجة والآراء المعرفية التي تساهم بتعزيز أنساق ثقافية في جسد الامة قد كافح من أجلها علماء كمحمد باقر الصدر- ومالك بن نبي- ومحمود شلتوت- ومحمد مهدي شمس الدين -ومحمد الشيرازي - وحسن الصفار - ومحمد صادق الصدر وعشرات من الراحلين الافذاذ ...ولازال المئات من علمائنا ينادون بها لإيقاض الامة من هذا الغول الكاسح بالكراهية، والعنف ضد الآخر شاهدها العالم بأسره وآخرها وليس هو العمل الاجرامي الاخير قتل المسيحيين في العراق بكنيسة النجاة وماسبقها من اضطهداء وظلم وعنف طيلة 35 عاما من الدكتاتورية والجرائم اللاحقة ضد شعبنا بجميع مدنه،

نأمل من تلك المؤلفات القيمة ترسخ مباديء التسامح وثقافة السلام ..

***

صباح محسن كاظم - باحث

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم