صحيفة المثقف

مائدة المالكي و(اكساكليبور*) علاوي .. أنداد خطرين أم شركاء؟ / علي السعدي

وأخيراً وبعد جهد في البحث، مثل أمامه أحد الحكماء القادمين من قلب الحياة، فأجاب على سؤال الملك قائلاً: أعظم الصفات في القادة العظام، هي حين ينظر القائد الى الرجال فيرى بينهم من هو نظيراً له، فيشعره ذلك بالفخر-- لابالخطر .

ويقال ان الملك وجد في ذلك القول ما يستحق التطبيق، فأسس على ضوئه المائدة المستديرة التي ضمت حولها أشجع الفرسان وأكثرهم نبلاً ومرؤة، فكانوا عوناً وسنداً للملك آرثرالذي وجد في كلّ منهم صديقاً ندّا، لاخصماً منافساً .

لايهمنا في تلك الحكاية مقدار دقتها الحكائية، بل رمزيتها الإيحائية، انها نظرية في الحكم ومثال للحاكم، فإذا كان ملك صاحب حقّ مطلق فيما يحكم، يجد في كلّ من فرسانه مكافئاً يتخذه عوناً وصديقاً، فكيف بنظام ديمقراطي يفترض ان يساوي بين فرص الرجال وقدرتهم على خدمة شعبهم ؟

ليس من ضرورة لنبش تاريخنا لنكتشف (قدسية) القادة وشعورهم بالتفوق على جميع من حولهم، ذلك ما تخلقه هالة الحكم التي تخفي وراء وهجها كلّ العيوب (لايخطىء الحاكم وليس معرضاً للحساب) تلك هي خلاصة موروثنا ديناً ودولة، لكننا في عصر يفترض انه آخر، حيث الحاكم بشر لا(قدسية) له سوى اختيارنا، ثم نجاحه فيما انتدب لأجله، ولكي يفعل ذلك، لابد من نظراء يرفدونه بالزخم ويمنحونه القدرة على النجاح.

ذلك يعني ان مؤسسة الحكم الديمقراطي، هي في المعنى العام (مائدة مستديرة) كمائدة الملك آرثر، يشغل مقاعدها فرسان يرى فيهم المنتدب للحكم: فخراً لاشرّاً، وعوناً لاخصماً، لكن كي تنتقل تلك الحكمة من إطار المتمنى الى موقع الفعل، ينبغي ان تتحول الى فكر وسلوك ومنهج عمل، فهل من مجال لذلك في العراق ؟

لاشك ان للشعوب آلياتها المعقدة التي تبدو عصية على الفهم أحياناً، لكن الديمقراطية مصفى كبير تطهر فيه الشعوب وعيها وتجربتها، لتنتقي من خلالها ماتراه الأنسب، والتجربة العراقية على قصرها، أفرزت (فلاترها) لكنها لم تفرز بالنتيجة قادتها (العظام) الذين يحملون الصفة العظيمة كما رآها ذلك الفيلسوف، فمازالت نظرية الحكم لدينا تسير على قاعدة: رأس آمر وأطراف مأمورة، أما إذا تحولت الى رؤوس متناظرة، فهي حتماً متصادمة أو مهشمة، لذا سيأتي وزراء حكومتنا القادمة، لا ليكونوا (فرسان آرثر) بل أغلبهم  سيكون بين احتمالين: أقوياء خطرين، أو ضعفاء تابعين .

 قد يبدو هذا فصلاً تعسفياً، فمابين هذه الصورة بحدّيها، هناك (بذور) تحمل ماهو مختلفاً، بمعنى ان ثقافة الحكم في العراق مازلت تستند وتنهل من القديم: الحاكم الملهم، القوي الذكي، المكتف بنفسه ، والمؤثر في غيره،  لكنها في الوقت عينه تزرع شتلات تجبر السياسيين على رعايتها  .

جاء المالكي محاصراً بالنظراء، معظمهم يرى في نفسه الكفاءة والقدرة على القيام بما يكلفّ به  من مهام رئاسة الوزراء، بل وقد يذهب بعضهم الى أكثر من مجرد النظير، ففرسان آرثر لاينازعونه ملكاً ولايرون في ذلك حقاً مغتصباً ينبغي العمل على استعادته، لكنهم نظراء في صفات الفروسية التي يتمتع بها كلّ منهم تماماً كما الملك .

يعتقد علاوي انه من قام بسحب سيف (اكساكليبور) وبالتالي فينبغي ان يكون هو صاحب الحكم لامجرد نظير على مائدة الحكم، كذلك يحمل عادل عبد المهدي الشعور ذاته وإن بدرجة أقل حدّة، فيما يرى القادة الكرد أنهم بمثابة (مرلين **) الساحرالذي يرعى المائدة ويحدد موقع النظراء من حولها، كذلك يساهم في حماية (العرش) ان لم يغضب فيهزّه، اما الصدريون، فهم بوصلة الإتجاه وشراع السفينة .

ذلك هو المشهد العام الذي تبدو عليه (مائدة) المالكي وموقع النظراء فيها، لكن من بداهة القول ان لكل منهم نظرته المختلفة .

لقد فقد علاوي الثقل الأكبرمن ائتلافه، حيث اتخذ النجيفي وقائمته مواقعهم بين النظراء ولايتوقع لهم ان يغيروا جلستهم، كذلك ينظمّ الهاشمي الى مجلس النظراء بدوره بعد ان يحصل على منصب نائب رئيس الجمهورية، فيما يبدو العيساوي على مقاعد الإنتظار للاحتفاظ بمنصبه كنائب أول لرئيس الحكومة – أومنصب سيادي آخر - اما علاوي (غير المقتنع بما يعرض عليه) فمازال يدرس خياراته، لكن ما يبدو عليه  من تردد في القبول بالمنصب الجديد المفصل على مقاسه بشكل خاص، قد يكون مناورة للحصول على المزيد من الصلاحيات كي لايكون في موقع فخري لافخر فيه، أما اذا بقيت الأمور على حالها، فالأفضل لعلاوي ان يبقى في المعارضة ليقود حركة ناشطة في البرلمان، وان كان في خيار كهذا، خطورة استغلاله من قبل المناوئين للعملية السياسية، ليتحول بالتالي من معارضة برلمانية ديمقراطية، الى تجمع لدعاة العنف وعرقلة التجربة، ما ستنعكس نتائجه سلباً على المستقبل السياسي لعلاوي وحركته .

عادل عبد المهدي الذي يشير المتداول من الأنباء، انه رفض عرضاً للاحتفاظ بمنصب نائب رئيس الجمهورية، يكون عندها قد اتخذ القرارالصائب، فهو بعد حركته المنهكة باتجاه رئاسة الوزراء، لابد ان يميل الى الهدوء والتركيز لإعادة تقييم التجربة ورسم طرق تحركه القادم كي يحدد من ثم الدور الذي يمكن ان يلعبه ومقدار المتوفر من عوامل النجاح في أداء ذلك الدور.

المجلس الأعلى الذي يطالب بأربع وزارات من بينها واحدة سيادية، يبدو انه لم يدخل حقل المراجعة بعد، لذا مازال يسيرعلى النهج ذاته في رفع سقف المطالب، ذلك لأن نقاطه (7نقاط) بما فيها المخصصة لمنظمة بدر، لاتكفي لمنحه ذلك العدد من الوزارات  طبقاً لنظام النقاط المخصصة لكل وزارة، كذلك من المتوقع ان تذهب الوزارة الأولى من حصة المجلس، الى هادي العامري أو من يرشحه، نظراً للمواقف البارزة التي اتخذها الرجل .

النظير الذي اتخذ مكاناً مريحاً حول المائدة، هو التيار الصدري، الذي ابتدأ اللعبة بمهارة البهلوان لكنه سرعان ماتحول الى رياضي بارع، وعلى ذلك عرف متى يتوقف عن المناورة ويدخل في الجدّية .

لاشك ان للتيار الصدري دور الفارس الأبرز (لانسيلوت3) في حكاية الملك آرثر، الذي قد يعشق الحكومة، لكنه لايتنكر لواجب الالتزام ، ذلك لأن (التيار) يعمل ضمن نهج جديد يختلف في الكثير من مفاصله عن نهجه السابق، فجيش المهدي مجمد ولايتوقع له ان يعود للظهور في المرحلة المقبلة (الا في حال صعدّ الارهابيون من نشاطهم درجة تهدد مسار العملية السياسية) كما ان التصاقهم بمشروع الدولة، يبدو خياراً استراتيجياً لاتكتيكاً ظرفياً، مايجعلهم دائمي الحضور كنظراء في المائدة .

أما القوى الكردية، فمواقف التحفز مازالت حاضرة، والتوجهات المقبلة يكتنفها بعض الإلتباس وان تستبعد ماهو مفاجىء، تصريحات الرئيس طالباني حول إعادة الحديث عن مبادرة الملك السعودي، تبدو غير واضحة في توقيتها، خاصة بعد ان قطعت المفاوضات بين القوى العراقية شوطاً في تفاصيل تشكيل الحكومة ومشاريع  المصالحة الوطنية، ليأتي حديث الرئيس وكأنه اشارة ضمنية الى إحتمال اصطدام المالكي بمصاعب جديدة، وهو ماذهب اليه محمود عثمان بدوره .

الواضح ان الأمور لم تستقم بعد على مايتوقع لها، بدليل الضغوط الدولية والإقليمية المتزايدة على الأطراف السياسية التي لايتوقع لها ان تنتهي قريباً – حتى بعد تشكيل الحكومة – لكن بالمقابل، لايتوقع لتلك الضغوط ان تحقق أهدافها بعد تزايد النظراء (الشركاء) في مشروع بناء الدولة على وفق (المائدة) سابقة الذكر  .

 

...........................

(*) اكساكليبور: سيف سحري غرس نصله في صخرة من الصوّان، وقيل ان من يستطيع سحبه من مكانه، يصبح ملكاً .

(**) مرلين: الساحر الذي رعى الملك آرثر ومكّنه من سحب السيف وتبوء العرش .

(3) لانسيلوت: أبرز فرسان المائدة المستديرة، وقع في حبّ زوجة الملك آرثر، لكن واجبه تغلّب في النهاية .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1588 الجمعة 26 /11 /2010)

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم