صحيفة المثقف

إنّهما يتماهيان .. قراءة نقديّة في قصيدة وفاء عبد الرزاق (تبلّلت كلّي بضواك)

 فكان أن تبعه آخرون ممن استساغوا جرأته، فرموا البركة عينَها ببعض ما كانوا يمتلكونه من أحجار ٍ منحوتة على شاكلة مرمره، محاكاة ً له، ومشاركة ً تضامنيّة ً في رفض ركود الماء، وإعلاناً عن تبرّمهم بهذا السكون المفضي إلى تقديس السائد.

  وكنتُ(آنذاك) ممن استساغ الحركة، بفعل ما أحدثته فـيّ من إثارة ٍ وإعجاب ٍ وإدهاش ٍ .

  وبحكم هذه الاستساغة كنتُ ألتقي ببعض ِ أولئكَ الرماة/  الشباب المبدعين من الذين كتبوا قصائدهم الشعبيّة وفقاً لهذه الحركة التجديديّة في الشعر الشعبي، كان منهم: المرحوم طارق ياسين (1938 – 1975) والمرحوم جودت التميمي (1927 – 2007) وحامد العبيدي (أطال الله في عمره) وآخرون، وكانوا ينتجون دون انقطاع، ويتواصلون بعرض ما يكتبونه على بعضهم بعضاً، ويتبادلون ما ينظمون بمحبّة وألفة.

 وحين أكتمل لدى طارق ياسين مخطوط ديوانه الشعريّ الأول في أواسط الستينيّات قرأه عليّ في أمسيةٍ صيفيّة لم تنته ِ إلّا وكان ليلها قد آذن بالانصراف، فاتفقنا أن نعرضه على الباحث الأديب عليّ الخاقاني في صباح اليوم التالي، فلعلّه يتولّى طبعه ونشره، لكونه من المهتمّين بفنون الشعر الشعبي وتأريخه، فزرناه في مكتبته (مكتبة الخاقاني) التي كانت تقع في شارع المتنبّي، وتولّيتُ شخصيّاً التعريف بالشاعر، وقصائده التجديديّة، فطلب الرجل إمهاله ثلاثة أيّام لدراسة الديوان والرد علينا، وكانت (قطار الألم) واحدة من قصائده التجديديّة التي يعتزّ بها طارق، وهي مونولوج درامي لفتاة بصريّة تصعد إلى بغداد من البصرة هاربةً من أبيها خوفاً من الفضيحة التي سبّبتها رغبة ٌ في تجريب جسدها مع جسد من أغراها بالتجريب، لينتهي بها المطاف في ماخور من مواخير بغداد، فلا تجد من يصبّرها على بلواها غير الارتجاع ?¹? ملاذاً، فهي تتذكّر كلّ يوم ٍ رحلتها مع الخوف الذي أفضى بها إلى هذا المكان، وللأسف لم يبقّ في الذاكرة من هذه القصيدة غير:

أمس ذبني

قطار الشال كل حزني

أمس شالت فراكَينه

تعب روحي وجرح جفني

 

يسجّة اشكثر تعبانة ْ؟

تعب رجلي!

 

وابوي الغطّة بجفوفه

دمع عينه

خناجر ثار تشتاكً لمصاريني

 

لَوَن ياديرة ياخذني

قطار البصرة ويردني

لديار النخل والشمس والأحباب

 

  وحين عدنا بعد ثلاثة أيّام إلى مكتبة الخاقاني، وجدنا الرجل مازال يتصفّح مخطوطة الديوان، ويقلّب أوراقها، وما أنْ رآنا حتّى رحب بنا، وأجلسنا في المكتبة، ثمّ قال ما معناه : " هذا شعر شعبي للمثقّفين، وليس لعامّة القرّاء من البسطاء العاديين، وقد أعدتُ قراءته أكثر من مرّة، فوجدته يترسّم خطى مظفّر النوّاب، وأجدني غير ميّال ٍ لنشره، فأرجو قبول اعتذاري " فتسلّم طارق ياسين المخطوطة منه على مضض، وخرجنا من مكتبته غاضبين مقتنعين أنّ عليّ الخاقاني سيظلّ حتى الموت في دائرة السائد، بعيداً عن المغايرة والتجديد.

 

  وتمرّ السنون...وتتّسع حلقات دائرة التجديد في الشعر الشعبي، ويزداد عدد مستسيغيها:قرّاءً وشعراء من الذين لا يتقبّلون شعراً يقول:

جنت فايت من طرفكم?²?

الساعة فدوة راحت الكم

 

القصيدة:

سقتُ هذه التوطئة لأبيّن أنّ القصيدة الشعبيّة الحديثة قد نأت بنفسها عن التقريريّة الجاهزة، فهي وإن اهتمّت بالإيقاع بوصفه الجانب السحريّ الذي يجب ألّا يغيب عن الشاعر، فإنّها لم تعد ترى فيه قيداً لا يجوز الخروج عليه، لأنّها حين تفعل ذلك فإنّها تعوّضه بالإيقاع الداخليّ الذي يتحكّم بنسبته ِ داخل النسيج المقتدر الموهوب، كما أنّ القصيدة الحديثة لم تعُد تُلزمُ نفسها بالقافية الموحّدة، لأنّ رتابتها قد تُصبحُ مملّة ً حين تعالج موقفاً فكريّاً، أو همّاً إنسانيّاً، أو تطرحُ فلسفة الذات الشاعرة، ووعيها من الحياة، ولعلّ ذلك واضحٌ على نحو ٍ جليّ في قصيدة وفاء عبد الرزاق "تبلّـلت كِلّي بضواك " الحالمة بلقاء الحبيب (الوطن) بعد غياب قسريّ دام سنيناً في المنافي:

 

شـ?د رجيتكْ

تخلق وياي الصبح

?تلك الجدران ضا?ت

ضا?ت و?تلي انتظرْ

 

  في هذه القصيدة تعمد الشاعرة إلى أنسنةِ الوطن، وجعله حبيباً من لحمٍ ودم، تترجّى لقاءه بفارغ صبر الملهوف، حالمة ً بعناق يبتكران فيه (معاً) قبلة ً يتذوّقان فيها طعم التمر البصري الذي هو ألذّ من الشهد:

?لت بلـ?ـن نبتكرْ

باحتمال المسا بوسة ْ

ونو?ـع بخدّ التـمـرْ

 

فضلاً عن رغبة بطلة القصيدة في خلق ابتكار آخر تتمخّض عنه ولادة روحين تشبهان ولادة طفلين حديثي الولادة ملفوفين معاً بضوء الفجر النديّ المنوّر،  تورية ً عن تحقيق الحلول، أو تماهي الواحد بالآخر:

و?لت بلـ?ـي

نبتكر روحين لسَّة

مـ?مـُّطات بضَي فجـرْ

واو?فت ?ـدِّام شمعة

مبلــِّلة كلـِّي بضواكْ

 

وهي حين تؤنسن الوطن ابتغاء جعله فارسها المنتظر، فإنّها تعمد أيضاً إلى تشيئةِ الحبيب، حتى ليبدو وطناً، لهذا فعمليّتي الأنسنة، والتشيّء يمهّدان إلى حصول التماهي تلقائيّاً، فيتماهى الأول بالثاني، أو يتماهى الثاني بالأوّل على نحو ٍ من تبادليّة حركة التماهي، وهذا التوّحيد الرمزي بحدّ ذاته منجزٌ جماليّ من منجزات القصيدة الحرّة (الرسميّة) التي ابتكرها الرادةُ (السيّاب وزملاؤه) فأفاد منها الشعراء الشعبيّون، وإن اختلفت مدركات هذا التوحيد أو التماهي في أساليب أولئك الرادة.وخير أمثلة عليه حين وحّد السيّاب بين رمزي السندباد البحري وعوليس في(رحل النهار)وحين وحّد البياتي بين رموز قمر شيراز، ولارا، وعائشة في (تحولات عائشة) وجعلها رمزاً موحّداً للمرأة، وحين وحّد سعدي يوسف بين رمزي الذات الشاعرة وقرينها النفسي في (الأخضر بن يوسف ومشاغله)، ولعلّ تلك المنجزات الجماليّة الفنيّة التي تبنّتها قصيدة الشعر الحرّ كانت كما نزعم وراء هذه الإفادة الجميلة.

لقد ارتبط تذوق الشعر الشعبي(على وجه عام) بالسماع وليس بالقراءة، وذلك لأنّ الكثيرين لا يجيدون قراءته بسبب تعدّد اللهجات العاميّة، واختلافها مناطقيّاً،  فالكثير من مفردات أهلنا في الجنوب لا يعرف معانيها أهلنا في البادية، أو الموصل، والعكس صحيح، فبعض مفردات أهل البادية لا يجيد قراءتها، أو فهمها أهل الجنوب إذا وردت في الشعر الشعبي، وهذه القاعدة تنطبق كذلك على لهجات أقطارنا العربيّة من غير استثناء، فحين تقول شاعرة من اليمن:

إنْ كنت تحب ْ

عربن على قعادة ْ?³?

الحب عليك

ومنّي السعادة ْ

 

لا يفهم العراقي، أو المصري، أو المغربي، أو الشامي معنى (عربن على قعادة) إذا لم يجد هامشاً تعريفيّاً يشرح مفردتي(عربن) و(قعادة)، كذلك لا يفهم العراقي، أو المغربي، أو اليمني، أو الشامي معاني (باطي، وتراته، وتراللي) في قول أحمد فؤاد نجم:

حليت رباطي من تحت باطي???

لا قدرت أطاطي ولا طلت أعلّي

وسألت قال لي شيخنا المصلّي

إركع تراته أسجد تراللي

 

إذا لم يجدوا هامشاً تعريفيّاً يشرح معانيها.

وعلى وفق هذه الحاجة ارتهن َ الشعر الشعبي بالاستماع إلى منشده، لا بقراءته، ويمكن تعميم هذه النتيجة على الأقطار العربيّة جميعها، ولعلّ بعض مفردات قصيدة وفاء قد تستعصي هي الأخرى على قرّائها ممّن لايجيدون قراءة الشعر الشعبي إيقاعيّاً، أولهجيّاً، باستثناء الذين تمرّسوا بقراءة شعر العاميّة، الذي يطلق عليه في العراق تسمية "الشعر الشعبي" وفي المغرب " الشعر الملحون" أو الزجل، وفي مصر ولبنان وسورية " الزجل" وفي الخليج والأردن "النبطي" وفي اليمن "الحميني" وهي تسميات تدلّ على اختلاف شكليّ في المصطلح ليس إلّا.

  قصيدة وفاء هذه مناجاة نفسيّة "مونولوج درامي" يتصاعد شيئاً فشيئاً حتى يصل الذروة في النهاية، لكنّ صور هذا المونولوج تقوم على ما يأتي:

 

أولاً – الرجاء:

 فبطلة القصّيدة لا تألو جهداً في تقديم تضرّعها للحبيب (توسّلاً) كي يرضى عنها، ويقبل عودتها إليه:       

صرت مطبـ? غبشة عنـَّاي لـْسَماركْ

يدوِّر بروحه نهاره

ويبحر بريـ? العـَصرْ

 

يـْـتيمة شفتي

وحيدة شفتي

ومن ذكرتك

تزوِّجـَتْ ريحة شجرها

وخلـُّفـَتْ كلّ الخـُضرْ

صرت بيت النـِّدى وبين سرّ الورد ?تلك

على كتار النـِّدى اتــَّ?ـَّه

وإعـْزم غصَين اليمُرْ

 

 ولعلّ ما في هذه المناجاة من تدفّق في الضراعة هي التي جعلت المتلقي يحسّ يقيناً بعاطفة النص الوجدانيّة في صدق الرجاء الذي ينضح محبّة ً مدافة ً بأمل القبول.

 

ثانياً – العتاب:

 ومن خلل هذا التضرّع تندفع البطلة معاتبة ً على نحو ٍ من تحفيز الآخر الذي لا يكترث لما تقدّمه من تضحيات،  فيظلّ يصيخ السمع متلذّذاً بالتضرّع:

وفصَّلت روحي على ?دّك

هيل منداف بصبرْ

واليفصَّل جسمه ?دّك

لزم عشر ?لـُوب عنده

وكل صغير بعوده يتوسَّع صَدرْ

ولك عـَشر صدور عندي

ومبتهج أفديك نعمة

وانتَ بعدكْ

مثل ليل يتاني عثرات البدرْ

 

  أليست ساديّة ًمنه حين يقنط ملتذّاً دون أن يرجع عن قراره في العودة إلى حضنها الذي لم يحتضن سواه في حلّها وترحالها الدائم في غربتها بعيدة ً عنه؟؟؟ بلى والله، إنّها ساديّة الملتذ حين لا يعفو عند اقتداره.

 

ثالثاً – توليد الصور:

في خضم هذه المناجاة النفسيّة تبدأ الصور الفنيّة تتوالد تباعاً، فحين تزهر عتمة جدائل الحبيبة، فإنّ مشطها يصبحُ حرّاً في حركته، فيصيبه مسّ من جنون الرغبة، فيتولّدُ من هذا الجنون جنون آخر يكمن في الخصر الذي قد تهيّأ لتسليم نفسه لأذرع الحبيب عند اللقاء، وهنا تتولّد صورٌ أخرى، فكلّ شيء استعدّ لهذا الاحتضان المنتظر، فما تجمّلت به يعود إليه حصراً، فيتماوج فستانها فرحاً، ويورق دولاب ملابسها بالسنابل،  ويبرق جنكَال شيلتها لمعاناً، وتقع خيوط هذه الشيلة(كناية عن التعلّق بخيوط القلب) في الأسر اختياراً، فالجسدُ كله سيكون له حين يتمّ اللقاء:

يْزَهـِّرْ غروب الجدايل

ثـ?ل شايل

مشط مهدود وتسودَن

وسَودَن بحيل الخِصرْ

 

تزوَّ?ت والله بسمارك

صِرخـَتْ ورود ابـَّدلتي

وداخل الكنتور سنبل

وا?ـع بذلــَّين شيلة

كلبـ?ـه الـ?نـ?ال لمعة

والبريسَم بالأسِرْ

 

ويستمرهذا التدفّق في توليد الصور حتّى تصل القصيدة إلى نهاية توتّرها الفنّي، لتصرخ البطلة فيه طالبة ً منه إعادة حلمها الذي أبقته عنده طوال تلك السنوات العجاف، وتحقيق نذرها، لكونه قادراً على تحقيقه لما يمتلكه من قداسة الرفعة التي يتحلّى بها الأنبياء، والأئمّة، وأصحاب الكرامات:

يا أبو النهرين يا عنق الفضايل

ذنبي انتَ

وتوبتي

وكفري وسجدتي

يا أبو النهرين

يا عنق الفضايل

ياوتد يَا ابن الربيع

يمعروف السمه ونطفة المزنات

حلمي عندك

وْهَمْ صباي او لهوي

واجمل سكتة وآنه اتحزَّمـَك ليلة قـَدِرْ

 

وهي إذ تعودُ إليه وقد غزا الشيبُ مفرقها، فإنّها تستجير به كي يعيد إليها شبابها النضر الذي رهنته عنده يوم أن ودّعته مرغمة ً:

امَّــنِتْ عندك شبابي

بشيبي جيتك

رايدة تردّ النـِّذِرْ.

إيقاع القصيدة:

إيقاع هذه القصيدة يلتزم وزن الرمل ذي التفعيلة الصافية (فاعلاتن)، وهذا الإيقاع مرنٌ في النظم ينساب على اللسان انسياباً من غير أيّة رتابة ٍ مملّة، وهي ميزة انتبه إليها شعراء حركة الحداثة، فأفاد منها شعراء العاميّة في الأقطار العربيّة كلّها، واستثمروا منجزاتها في تجاربهم على نحوٍ تطبيقي، لكنّ تداخل الحركات بالسكنات في هذا الوزن (شعبيّاً) لاسيّما في الحشو يقتضي إمعان النظر فيه عند التقطيع، فثمّة تداخل بين بعض الحروف لا يبين عند القراءة، ويبيـن عند التقطيع الفاحص على الورق تطبيقيّاً، فعند القراءة يتمّ ليّ أصوات بعض المفردات في تفعيلات الحشو، فتتحوّل تفعيلة الرمل(فاعلاتن) إلى تفعيلة الرجز(مستفعلن)، وهذا التسامح في التداخل سمة عامّة لدى الكثيرين من الشعراء الشعبيين، فحين تسمع إنشاداً :

شـ?د رجيتكْ

تخلق وياي الصبح

?تلك الجدران ضا?ت

ضا?ت و?تلي انتظرْ

 

لا تشعر بنبوّ الوزن، لكنّكَ عند تقطيع الأشطر تحسّ ُ بهذا التداخل، فاللهجة الشعبيّة تلوي حرفين أحياناً لتستخرج منه صوتاً، ولعلّك لو حذفتَ أحد ذينِكَ الحرفين، أو أسقطتَ منهما واحداً(إدغاماً) في القراءة، لعادت التفعيلة سالمةً، فحين نقطّع إيقاعيّاً " شكد رجيتك " وفقاً لعدد السواكن والمتحركات يكون هكذا:

شـ?د رجيتكْ

//0//0/0

مفاعلاتن

و(مفاعلاتن) من تفعيلات الرجز حين تصاب التفعيلة بعلّة الترفييل، لكنّك حين تدمج حرفي الشين والكاف بليّ أحدهما لصالح الآخر صوتيّاً تعود التفعيلة إلى الرمل (فاعلاتن ) :

كَد رجيتك ْ

/0//0/0

فاعلاتن

ووفقاً لما ألمحنا إليه من تداخل صوتي، فإنّ النقّادَ من ذوي الثقافة العروضيّة المحدودة أو البسيطة الذين لم ينتبهوا إلى هذا الدمج الصوتي، أو اللّي المتسامح به شعبيّاً يظنّون أنّ ثمة خللاً دائميّاً في إيقاعات الشعر الشعبي، ولتوضيح ملاحظتنا مرّة أخرى نقطّع قول وفاء :

واو?فت ?ـدِّام شمعة   مبلــِّلة كلـِّي بضواكْ

/0//0/0  /0//0/0   /0/0//0  /0/0//0 .

فاعلاتن فاعلاتن  مستفعِلن مستفعلاتن

 

لكنّنا حين ندمج حرفي الميم والباء في (مبلّلة) صوتيّاً حتّى يتم توليد صوتٍ واحد تعود التفاعيل إلى رمليّتها هكذا:

واوكَفت كَدّام شمعة

فاعلاتن فاعلاتن

بلّلة كلّي بضواك

أو: مللة كلّي بضواك

فاعلاتن فاعلان

لقد أردتُ بهذه الملاحظة أن أنبّه المتلقّي الكريم الذي يستسيغ قراءة الشعر الشعبي ونقده إلى أنّ هذا التسامح يرد في هذه القصيدة كثيراً، علماً أنّ الشاعرة قد انتقلت فيها من الضرب الصحيح إلى ما سواه، وهذه الحرية في الانتقال ساعدت على زيادة التنغيم في هذا الوزن، فقد استخدمت الضرب الصحيح(فاعلاتن) والمحذوف(فاعلن) والمقصور(فاعلان) فضلاً عن استخدامها للتفعيلة المخبونة (فعِلاتن) بكسر العين في بعض حشو القصيدة، إلى جانب ميلها للتدوير في بعض أشطرها، وإليك أمثلةً منها على غير توال:

واو?فت ?ـدِّام شمعة

فاعلاتن فاعلاتن

نظـَّفت لك سمه زر?ـة من المطـَرْ

فاعلاتن فعِلاتن فاعلن

ذنبي انتَ وتوبتي وكفري وسجدتي

فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن

ياوتد يَا ابن الربيع

فاعلاتن فاعلان

 

  ومع هذا فقد خرجت عن الوزن في أكثر من شطر،  لاسيّما في قولها:

(صرت بيت الندى وبين سرّ الورد كتلك)

وقولها: (صومي لو قصّر الماعون موسم واشتري)

وقولها: ( وآنه اندب بعزِّكْ)

 بفعل ميلها الدائم إلى كتابة قصيدة النثر المنفلتة من عقال التقنين التي أسميها بـ(النص المفتوح) لأنّ هذا اللون من النصوص يهتمّ بالإيقاع الداخلي على حساب الإيقاع العام، ولستُ أفتعلُ لها التبرير، ولكنّ انغماس وفاء الدائم في كتابة قصيدة النثر هو الذي يسمح لها بهذا الانفتاح الإيقاعي أحياناً، وليس هذا الخروج وقفاً عليها، إنّما هو سمة عامّة يشترك فيها من يكتب هذا اللون من الشعر.

 

أ.د. عبد الرضا عليّ

 

.............................

الهوامش

 (1) الارتجاع : كنّا نستخدم في الدراسات السرديّة مصطلح "الاسترجاع" معنى حرفيّاً لمصطلح (فلاش باك)، لكنّنا حين وقفنا على الاستخدام الديني لمصطلح " الاسترجاع " نحتاً وتركيباً لمعنى (إنّا لله وإنّا إليه راجعون) ارتأينا استخدام "الارتجاع" بدلا ً من الاسترجاع، ما دامَ الجذر اللغوي واحداً.

(2) طرفكم = أي محلّتكم.(ويبدو أنّ البطل قد أضاع ساعته في محلّة الحبيبة.)

(3) عربن على قعادة = سلّم مقدّماً لشراء سرير.

(4) باطي = أبطي،  أطاطي = أطأطئ رأسي،  تراته وتراللي = نغمات موسيقيّة تفيد التكرار والرتابة.

 

...........................

خاص بالمثقف

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (عدد خاص: ملف: تكريم الأديبة وفاء عبد الرزاق، من: 05 / 11 / 2010)

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم