صحيفة المثقف

ادعية .. للبيع

الذي يحمل به أعوادا للبخور، وعلب كبريت، وقدحات سجائر مع أدعية للحماية من شر الناس،  سكنت بداخله براغيث سنين عجاف، هزت شجرة وريقات عمره، فتساقطت نوائب وهموم على جسده جلدا بسياط قاذورات الأيام، لم تركن وحدها في بناء بقاياها على عينيه، التي شارفت على تطابق جفون، وشفاه تلاصقت حتى ضاعت معالم الأسنان خلفها، لم يعرف الابتسامة منذ وقت طويل، وما هو مذاقها الحقيقي، ولمَ تضحك الناس؟ ولمَ تبتسم؟! خرج ذلك النهار ممسكا صندوقه، مُعرجا على كل طريق مزدحم، شأنه ومن سكن معه في أشباه قبور، تحت مسمى سقوف تستر عورة ترهات تلوكها الألسن وغيرهم، أما الدولة فترتعد زنادقة الفقر أن تطرق أبوابهم خوفاً، أكمل سيره عّلَ هناك أحداً يقطف عود بخور من صندوقه، أو علبة كبريت، أو دعاءً، يحب تلك الأدعية وفي قرارة نفسه، لولاها لقتل نفسه حرقا بأعواد الكبريت، في ختله ليل وأحد الأزقة، التي سكن جسده بها مرتميا كبقايا نفايات، يُسَلم على من اعتاد رؤيتهم يوميا عشرات المرات، فقد تبرمجت أصابع أقدامه على شم الطريق، ككلاب بوليسية، لم يكن يرتدي نعلاً، بل بقايا نعل، إن ما يجود عليه الناس بشرائهم سلعة منه، يقضمها الجوع علفا، لمصارين أمست كأنفاق مسكونة بأشباح جياع، تنهش وافدها أول بأول، كثيرا ما تلمس بطنه، فيجدها مطبقة على عموده الفقري، اعتاد السير يوميا بجانب الجامع ساعة الآذان، ليستمع له، وليعرض ادعيته على المصلين، الذين يدخلون مسرعين وتلك عناقيد المسابح، تتصافق بالله اكبر أو الحمد لله، والقليل من يتصدق على فقيرة شبه عمياء، هزيلة أخذت رقعتها بجانب حائط الجامع، وما ان يدخلوا حتى تسمع همهمات دعاء لرفع ضُرٍ، أو أذى عن طريق، او تفريج كربة فقير، وما أكثر الفقراء عند أبواب الجوامع، بعض المصلين يذرف الدموع خشية عذاب قبر وممات سرمدي، وما ان يخرج، حتى جفت انهار دمع من عينيه، واخذ يتنسم طعم الحياة، وبقايا أكاذيب يعيش عليها، إنه يعرف من هو صاحب الإيمان الحقيقي، ومن هو المرائي،  ان التلاعب بكلمات دينيه صَنْعَتهُ والزمن الجديد واللعب السياسية، فقد كان هو احد الصنفين، الثاني.. في زمن تكسرت أسنانه، على دهس ساعاته وتحطيم قوته وما يملك،  في ديمومة بحبوحة على قمة رأس أحد السنون، كان يهتف ان الطوفان لن يجرفني، وقد تبختر كقارون في غيه، بعد أن  أعطاه الله وأسبغ عليه، ونسي هو من كان حوله، طغى.. تجبر.. حطم.. وأزاح واغتصب، فكان بعدها في ذلة بعد عز، هرب من مكان عيشه الى ولاية أخرى، خوف شماتة أهل قبل عشير، وخلان مع ترنح كؤوس في ليالي عهر تحت أضواء حمراء، هَمَّ مستقبلا الخارجين من الجامع، حاملا أعواد بخور وعلبة كبريت، وأدعية صغيرة، واقفا ترمقه أعين تحزن على بؤسه، فتهتز الرؤوس، ولكن لا أحد يشتري، وهناك من تنادي حسنة لله .. ولكن صم، بكم، عمي لا يبصرون، طفقت كريات دم حمراء تفور داخل شرايين نفقت الحياة، مفجرة ممرات حَنَقهِ، صعدت حتى بدأ جسده بتراعش غير طبيعي، مرت كريات الدم وكأنها تحمل انفجارا مدويا، ألهبت أسلاك وخلايا أعصابه الكهربية، حاملة معها غضبا على دعاة إسلام، كما كان هو، تفتقت أوداج وجهه، أحمرت عيون مطبقة الأجفان، عزفت رؤيا خداع العالم الجديد، وتوشحه الدين على أكتاف وجباه مرصعة من اثر سجود،  حمل الدم عتلات لفتح فكيه المطبقتين دهرا، وكسر أغلال مفردات دفنت في براعم لسان متحجر، صرخت  متطايرة بقايا حروف شتما ولعنا على سلاطين العهد الجديد، ونكران الإنسان للإنسان، وأخذ يسرد سيرةً، جعلت سامعها يتفرس بوجهه، ولسان لبق، يحمل معان كلمات تراشقت الثقافة منها حُسن الحديث، لن يرحم الله أصحاب دين ورياء، لن يُسكن الله جنةً متشدقي الدين، لن يكتب الله حياة عز لدعاة إسلام منافقين، وأخذت اللن تتراصف كأحجار أساس، في بناء مبادئ للتائبين، وقص عليهم ما كان في زمن سابق، تزاحم المكان، فأصحاب الجامع هموا لضربه وحديثه عن الدين، أما غيرهم طأطأ رأسا، متصورا نفسه مكانه، والبعض تمتم.. إنه مجنون، الكثير قال: كلب ضال وعوى، بعد ان قصم ظهره الله فأصبح هكذا، هُم ومن على شاكلته المفسدين في الأرض، سمع كل ذلك، فقال: نعم أنني كل ما تقولون، ولكن ألا تتعظون، فليس هناك أنبياء، ولا أوصياء بعد الآن، فلمَ الازدواجية في مسميات الحياة، وخلط الأوراق على الناس باسم الدين؟ لمَ التشرذم وبيع الدين من على أعتاب منابر الجوامع؟ لِمَ يدفع الفقراء أخطاء الأغنياء دوما؟ لمَ لا يغفر الإنسان لأخيه الإنسان؟ والله يغفر للخلق جميعا، لمَ الفقر بيننا متفشي كبائعات الهوى؟ أرجوكم اسمعوا مني، لقد كنت وأصحاب النفوذ صنوان، عبثنا، سحقنا، دمرنا وسرقنا، وأفسدنا باسم جديد، تعرفونه لا شك وبعدها تلقفتني كلاب الشوارع، التي ربطت في حديقة منزلي بعد صحوة نفس، دمرت كل آلات الحياة المرفهة، وأصبحت مطاردا، هربت ونفسي جباناً، خوف موتٍ بعد ان فُجر أطفالي لأنني احمل أسرار رجالات، زعموا ما زعموا، ولبسوا السواد والعباءات دينا، سأخبركم من اكون؟؟؟ لقد مللت ان أكون متخفيا، ومختفيا، خوفا من الموت، تذكروا ان الموت، هو الحياة لمثلي، وأخذ يسرد قصصا عن أسماء وأحداث سمعوا بها، ولكن..لا دليل ..، تدافع بين جمهرة، وتلك المرأة الفقيرة تطلب حسنة غيرعابئة بحديث، هشمت ضيق مسافة زحام، بمفردة حسنة لله، سكت الصوت فجأة!! لم يكن هناك أحد سوى صندوق، وبخور، وقداحات ودعاء، متناثرة هنا وهناك، وجسدا يدفع كريات الدم، من خلال فتحة بسكين، حمم سنين ومفردات ميتة.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1599 الثلاثاء 07/12 /2010)

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم