صحيفة المثقف

النقد الادبي: فائز الحداد وقصيدة النثر.. محاولة لولوج عوالم غير مطروقة...(حين نغزل ضوء القصيدة)

من بين عشرات النصوص لشعراء وكتاب كبار ومجيدين وجيدين ..  ومدى التعسف الذي يوقع نفسه فيه حين يختار نصا لشاعر أو شاعرة  ويقدمه الى الملف ..

 لقد أخبرت صديقي الشاعر الكبير فائز الحداد إني حين  أقدم نصا للملف تحكمني عدة اعتبارات خارج إطار التقويم.. ومن ضمن هذه الاعتبارات  محاولة التوفيق بين معايير الجودة..  ومعايير الانتماء القطري.. فصحيفة المثقف باعتبارها صحيفة عربية لابد إن تكون متوازنة في ترشيحاتها بين الأدباء العرب.. وهي ملزمة أيضا بالتوازن بين الأدباء والأديبات .. وهي ملزمة أيضا بإنصاف النصوص المثيرة للاهتمام ولم تأخذ نصيبها من النقد..

 ومن المعايير أيضا عدم الالتفات لنجومية الكاتب وشيوع اسمه في عالم النشر.. بل الالتفات الى مدى قدرة النص على إثارة الأسئلة سلبا أو إيجابا.. فالنقد ليس مجرد كيل المديح أو كيل التسفيه.. وفي لقاء حميم جمعني والشاعر فائز قلت له إني حين أريد أن أشاكس شاعرا أو شاعرة وأركز على تصويب الهنات أو التنبيه إليها إنما اختار من يمتلك علو همة في التحمل.. وضربت له مثلا بشاعر كبير  شاكسته بمداخلة صغيرة ..انحصرت في رؤية فكرية لم تقلل من شأنه شاعرا.. فغضب مني ومن الموقع فكيف يكون الأمر إن تناولت النص بالقدح والذم؟؟. مثلا  ؟؟. أكررها للمرة ....(بقدر عدد النصوص المرشحة!!).. إنني لا املك صلاحية الناقد.. بل صلاحية  المقدم..

 وظيفتي تنحصر في تقديم نص ما بين يدي النقاد لانقد النص.. مع كل مافي هذه الوظيفة من مخاطر سوء الفهم.. وإن تقديم النص لايلغي حقيقة ناصعة إن  نصوصا أخرى قد تتفوق عليه وان تقديمنا لا يلغي حق النقاد في اختيار نص آخر.. وتقديمه .. شرط أن يكون منشورا على صفحات المثقف..

 وأخبرت الشاعر الأستاذ فائز إنني ربما أفكر بتقديم نص من نصوصه  على بياض ..بين يدي النقاد متحملا مخاطر تقاعس النقاد لاعتبارات عدة من بينها عدم توفر الوقت أو غيرها من الاعتبارات ..

 وعليه فأنا اليوم أقدم نص الشاعر الأستاذ فائز الحداد الموسوم ب (حين تغزلين الضوء) مقرونا برجاء تقديم الدراسات النقدية الرصينة خارج إطار المجاملة أو التعريض.. .. وقد أخبرته أن نصوصه اكبر من طاقتي النقدية لأن المفردة الواحدة تحتاج الى وقفة أو وقفات . وإذا كنت أمتلك القدرة.. في فهم النص فأنا لا امتلك  الأداة في تقييم كل مفردة شعرية. أو جملة شعرية.. فمثله شاعر كبير تحتاج نصوصه الى نقاد كبار أكاديميين.. سيما نصه هذا...

 ووفق مقولة أضعف الإيمان أجد نفسي ملزما بتقديم رؤيتي لمفهوم قصيدة النثر استنادا إلى سوزان برنار وما تمتلكه ذاكرتي المتواضعة وإنطباعاتي عن هذا الفن الصعب البديع  وإثارة الأسئلة حول قرب أو بعد نص  الشاعر الأستاذ الحداد من  ذلك المفهوم ومدى حرية الشاعر في الثورة على ثورتها الشهيرة في هدم بنى  القصيدة الكلاسيكية.. من وزن وقافية..

......................

 إليكم ما تملكه معارفي المتواضعة

عن قصيدة النثر...........

 قصيدة النثر فتحت أبواب التجريب كلها.. وكل النوافذ!!..

 هنالك ما يسمى بالكتابة النثرية ذات النفس الشعري

 الاستسلام للشعور دون قاعدة فنية مسبقة.. ومن خلال هذا الاستسلام قد تبزغ قواعد محدثة..

 قصيدة النثر شعر يستخدم النثر لغايات شعرية خالصة..

   

 قصيدة النثر ترتبط عضويا بالحداثة..

 الوحدة العضوية (بناء يصدر عن إرادة واعية)

 الكثافة .. والاقتصاد في   المفردة.. وتجنب الإسهاب والإطناب..

  قصيدة النثر قوة فوضوية هدامة بناءة.. (هدامة بمعنى هدم  السائد في الشعر.. وبناءة بمعنى الإشراق بتفجيرات لغوية مذهلة لم تخطر ببال..).

 قد تقطع قصيدة النثر اية علاقة بين الشاعر وجمهرة المتلقين فتصبح آلة جهنمية ضد السائد كونيا وثقافيا وكل آليات الشعر المعروفة) وقد لاطفت الشاعر الحداد في حديث خاص دار بيني وبينه.. إن بعض قصائد النثر تملك   جمهورا لايتجاوز عدد أصابع اليد فوافقني ما زحا وربما أقل من ذلك !!. في مجتمع مثل مجتمعنا..

 الاعتماد بقدر على اللاوعي والتداعي الحر..

 قصيدة النثر تتعلق ب جوانية الشاعر أو السارد وترتبط بتعزيز سلطة الأنا وتغليبها على سلطة النحن..

قصيدة النثر تعبر ضفة الزمن الواقعي الى ضفة الزمن المحتمل.. وهدم الترتيب والتسلسل لتمنح الأولوية للكلمة الشعرية أو الجملة الشعرية..

 ويوجد رأي لافت وغريب أقول به ولا أتبناه ولكنه لطيف ..

(إن جملة واحدة في قصيدة النثر قد تكون هي بيت القصيد.. أو حتى كلمة.. وما عداها  تحايل أو احتيال على السلطة ( السياسية أو الدينية أو المجتمعية أو النقدية وتمرد لتمرير تلك الجملة أو المفردة لاغير !!!)

 التمرد على ثوابت اللغة !!(شرط أن يكون الشاعر متمكنا من لغته وخروجه على الثوابت لاينم عن عجز)

 قصيدة النثر تصاب بالموت والتحلل إن تضمنت مديحا لسلطة أو فرد أو مجاملة..

 قصيدة النثر تتحمل الرثاء والهجاء.. !!

 قصيدة النثر عدوة الاجترار والدخول الى النهر مرتين. وعدوة الاستعادة والدوران على منوال رغائي يتكرر في اكثر من قصيدة للشاعر ذاته.. عندها يموت الشاعر مبكرا وتنتهي تجربته .. وتسجل في متحف تأريخ الأدب...

 قصيدة النثر ساحة رحبة في اصطناع المفردة الشعرية ومصنع للمهارة في توليد المفردة غير المسبوقة .. والاستعمال الجميل البديع غير المسبوق والمتمرد على  السائد (مذهل خارج السياق)..

 شاعر قصيدة النثر رغم كل ثوريته يتحلى بالتواضع ليحترم التجارب السابقة في شعر العرب والعالم.. لكنه ليس ملزما بالرضوخ لثوابتها..

 المجمل فيما أرى أن قصيدة النثر فن صعب.. بل هي أصعب من قصيدة  العمود وقصيدة التفعيلة عكس الاعتقاد السائد ورغم كل فضائاتها المفتوحة فإن الدخول الى عوالمها بلا إقتدار ومعرفة بأوليات فقه اللغة العربية يحمل مخاطر الإسفاف وموت الشاعرية .. إن الخروج إليها يشبه تماما خروج رائد الفضاء من مركبته  الى عالم شاسع مجهول مهول. عالم جديد غريب مشحون بآلاف الشحنات الكهرومغناطيسية..

 في الختام لابد من القول إن الشاعر فائز الحداد أحد رموز الرعيل الثالث من شعراء العراق الذين أسسوا لما  استقرت عليه  التسمية بقصيدة النثر .  يقف مع نخبة  طيبة من الشعراء الكبار .. كعدنان الصائغ وسلمان داود ومنذر عبد الحر واحمد عبد الحسين.. إذا اعتبرنا أن الرعيل الأول الرائد يتمثل بحسين مردان ومحاولاته التي أطلق عليها تسمية النثر المركز والتي سبق فيها ادونيس والماغوط لكنه لم يكمل المشوار لرحيله المبكر.. وإذا اعتبرنا أن الرعيل الثاني يتمثل بشعراء  مجلة الكلمة النجفية وجماعة كركوك الأدبية..  سركون بولص وحميد المطبعي (قبل أن ينصرف إلى البحث والأرشفة والتراث)..  ومابين جيل سركون وجيل فائز  ورفاقه .. كان هنالك جيل الثمانينات ممثلا بزاهر الجيزاني  وسلام الوسطي وكزار حنتوش.

 وعشرات غيرهم.  وخارج مقولة الأجيال الشعرية نستطيع أن نعتبر تجربة الشاعر الحداد امتدادا طبيعيا لتجربة الثمانيين الأفذاذ..

 في الختام ليس لي إلا أن أقدم نص الشاعر الأستاذ فائز الحداد الى القراء والنقاد دون رأي  محدد مني .. لنر مدى اقتراب أو ابتعاد نصه هذا من ثوابت قصيدة النثر المتمردة على كل الثوابت!!

 والشاعر فائز الحداد أحد ممثلي قصيدة النثر البارزين على مدى عقدين من الزمن وهو أيضا شاعر  يكتب القصيدة الكلاسيكية بجزالة أساتذتها الكبار وهو أيضا مثقف كبير وناقد مقتدر وإنسان رائع..

 

للاطلاع والمساهمة في النقد:

حين .. تغزلين الضوء / فائز الحداد

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1606 الثلاثاء 14 /12 /2010)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم