صحيفة المثقف

العار .. للقتل غسلا للعار!

بداعي غسل العار خلال النصف الاول من عام 2007 . وذكرت مسؤولة المركز الثقافي والاعلام النسوي في السليمانية: "في كل يوم تقتل المزيد من النساء في كردستان بينما تقف السلطات متفرجة ولا تفعل شيئا" ". وفي البصرة ذكرت اللجنة الامنية ان "47 " فتاة وامرأة قتلنّ في سنة واحدة تحت بند جرائم الشرف، الأمر الذي يجعلنا نستنتج ان معدل ما يقتل من النساء في كل محافظة بحدود "40" امرأة في السنة، وبما مجموعه "700" امراة من نساء العراق .واذا اضفنا له اللواتي يقتلنّ ويدفنّ سرّا" أو يرمينّ في الأنهر، وبعض حالات الانتحار التي هي في حقيقتها قتلا" غسلا" للعار، فان العدد قد يصل الى مليون او لنقل نصف مليون امرأة في السنة .

 

وهنالك قصص مأساوية عن هذه الجريمة البشعة . فلم يغب بعد عن ذاكرة اهل بعشيقة مشهد الفتاة " دعاء " الطالبة بالمرحلة الثانية بمعهد الفنون الجميلة التي رجمت بالحجارة حتى الموت وسط تصفيق هستيري لمتخلفين رعاع، لأنها أحبت شابا" مسلما" وهي ايزيديه . وما يزال اهل السليمانية يتذكرون المرأة ذات الــ 26 عاما" التي لجأت الى احد ملاجيء النساء هربا" من مطارة اخيها، بعد ان رفضت العريس الذي اختاره لها، فكمن لها اخوها قريبا" من الملجأ واودع في جسمها سبع رصاصات . ولم ينس اهل البصرة مقتل الفتاة الجامعية التي اتهمت بعلاقة غرامية مع جندي بريطاني، ولم يبق والدها القاتل في مركز الشرطة سوى ساعتين .

 

والمفارقة انه تم قتل فتاتين عراقيتين في بريطانيا، واحدة قتلها ابوها والاخرى قتلها عمها بتعليمات من والدها، وحالتان مماثلتان لفتاتين عراقيتين حدثتا في السويد .. وكأن هذا التقليد العشائري المتخلف يظل متحكما" بالعراقي حتى لو عاش في ارقى المجتمعات تقدما". والمفجع ان كثيرا من هؤلاء الفتيات ضحايا بريئات، اذ اثبت الفحص الطبي انهن لم يفقدنّ شرفهنّ، لتتبين منها كم ان العراقي "المتخلف" تتحكم فيه العصبية وتعطّل عقله فيقتل ابنته او اخته بمجرد  تهمة كاذبة .. ومع ذلك يتساهل معه القانون ! .

 

واللافت، ان هذه الجريمة القبيحة التي كانت موجودة في المجتمع العراقي ازدادت الأن، بعكس ما يفترضه منطق التطور الاجتماعي والحضاري، وذلك بسبب الحروب التي ادت الى التفكك الاسري، وشيوع الفوضى التي تشجع على استسهال القتل حيث تقتل النساء ولا يعلن عن فقدانهن، أو ان القاتل يبلّغ عمن قتلها بأنها اختطفت او ماتت في عملية تفجير، فضلا" عن زيادة التساهل في مراكز الشرطة مع الذين يرتكبون "جرائم الشرف" وعودة الثقل العشائري للنظام السياسي وما بينهما من تودد.

 

ومع ان هذه " الظاهرة " لا ينفرد بها المجتمع العراقي بل هي موجودة في مجتمعات الخليج ومصر وايران وباكستان ... الا ان العراق ينبغي ان يبادر للقضاء عليها كونه اصبح بلدا" ديمقراطيا" وفيه منظمات للمرأة وحقوق الانسان وربع برلمانه من النساء .

 

ولمعالجة هذه الظاهرة، حيث القتيلة والقاتل كلاهما ضحية تقاليد عشائرية سخيفة تتعارض حتى مع الشريعة الاسلامية، فاننا نحتاج اولا" الى دراسات ميدانية تتولاها اقسام الاجتماع وعلم النفس بالجامعات، تقف على اسبابها وتحلل شخصيات القائمين بها، والدوافع التي تقف وراء حالات الانتحار بين النساء، مصحوبة بتوعية مكثفة في وسائل الاعلام، ونشاط اكثر للمنظمات النسائية وحقوق الانسان، تتضافر كلها في عملية تشكل ضغطا" على السلطات الرئاسية الثلاث لتضمين الدستور العراقي نصا" واضحا" بتشديد العقوبة، ومادة صريحة في القانون الجنائي تعدّ القتل بأسم الشرف جريمة قتل عمد مع سبق الاصرار .

 

ان اراقة دم المرأة لا يغسل العار من وجه قاتلها، بل يصبغه بعارين: التخلف والجريمة . وعار علينا، شعبا" وحكومة، ان نبقى نعدّ القتل غسلا" للعار، فعلا" مبررا" وردّا" للاعتبار .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1141  الثلاثاء 18/08/2009)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم