صحيفة المثقف

في رواق المعرفة كان مسرح سامي عبد الحميد حاضرا بعنوان المسرح يصنع الحياة / رافد علاء الخزاعي

وخصوصا اذا كانت الشخصية تدخل القلب بتواضعها وسلاسة منطقها المنطلق من روح ساعية لبناءمنجز حضاري وهو مستمر بعطائه المتجدد رغم تجاوزه عمر 83 سنة انه عملاق المسرح العراق  الدكتور سامي عبد الحميد من مواليد السماوة التي تركت عليه اثر واضح في  لهجته وطيبته المتناهية المنبثق من نخلها السامق  واستمر في تعليمه  وترحاله مع والده موظف المال في الديوانية وهنالك عشق المسرح والتمثيل من خلال النشاط المدرسي ومن خلال احد قادة الحزب الشيوعي انذاك في ثلاثينات القرن الماضي سلام الرضي الذي شجع الشباب على القراءة والمسرح والخطابة وكانت اول نشاط مسرحي على مدرسة الاولى في الديوانية مع عصمت كتاني الذي مثل دور فتاة وقد امتنع عن اكمال المسرحية بعد معاكسة من احد الطلاب .

ان رؤية الناس للممثل كانت نظرة دونية واحتقار انذاك وهذه منبثقة من متوالية زمانية وعقد دينية  لان المسرح هو نشاء في اثينا وقد جسد اللممثلون وقتها قوة تصارع الالهة على الارض وحرم من قبل اليهودية والمسيحية في بداية نشوئها واستمر المسرح بين جزر ومد ولم تتضح هويته الا في عهد شكسبير وروائعه. ان نظرة المجتمع الشرقي للمثل منبثقة حتى عند القضاة فمن طرائف زمان ان شاهدا حضر للمحكمة فساله القاضي ما وظيفتك اجابه ممثل ....فقال القاضي لكاتبه سجله شغار ومعنى شعار في اللهجة العراقية قليل الحياء ومصاحبه سفه لاضحاك الاخرين. 

من هذا المنطلق  كان خياره الاكاديمي الاولي على منهج والده واختياره في كلية الحقوق التي تخرج منها في سنة 1946 وفي خلال دراسته التقى مع ثلاثة من اعمدة ومؤسسي المسرح العراقي وهم  يوسف العاني وحقي عبد الرزاق وقد اسس يوسف وقتها مجوعة شبابية اسمها مجموعة الضمير ليستقطب بنات بغداد فما كان من فنانا سامي الا تشكيل مجموعة منافسة لتكون مسرحيتين ويبداء الوعي المسرحي واستعانوا بعملاق وعمود اخر ترك اثروبصمات على المسرح هو ابراهيم عبد جلال الفلسطيني الاصل عراقي الهوى وهكذا كانت باكورة بلورة المسرح العراقي.

ان ارادة هولاء الثلاثة واصرارهم على تغيير نظرة الناس حول المسرح في بغداد التي كانت سباقة في استقبال الفرق العربية وكان هنالك ممثلون في استراحة المطربين تقديم اسكشات ضاحكة ومنهم ممثل مشهوراسمه علي ولكن وعي الشباب واصرارهم واندافعهم اختاروا طريق اخر للحياة بان اثره في المستقبل على الصعيد العراقي والعربي ومن خلال انتسابهم لفرع المسرح في اكادمية الفنون الجميلة للتلبور طاقة جديد رسمت من خلال فرقة المسرح الحديث وبدات كقطاع خاص وامكانيات ذاتية فهم يتدربون على مسرحية في مدرسة الافيلية في الفضل وبدوا في تحويل كنيس يهودي قديم كان متخذا مخزنا للتبغ الى اول مسرح وهو مسرح النصر وكان يسمى مسرح بغداد بجوار سينما النصر في شارع السعدون ولتنطلق اول مسرحية  هي مسرحية التاج وقد اخذت اصداء وكان الجمهور ياتي بكراسيه لان كراسي المسرح كانت مشغولة وكان الجمهور ياتي من محافظات بعيدة ويرجع بنفس اليوم بسيارات باصات الخشب اذا استطاع سامي ويوسف ورفاقهم من استقطاب وبلورة جمهور نخبوي محب للمسرح والفن وتواصل العطاء في تقديم مسرحيات الملك لير والبخيل وروميو وجوليت وكانت رائعة المسرح النخلة والجيران تحكي بداية الوعي السياسي في اربعينات القرن وقد استطاعت هذه النخبة المسرحية من تغييرنظرة الناس للفن وبلورة جمهور واعي بان اثره عندما منعت الرقابة في خمسينات القرن احدى المسرحيات قبل عرضها بدقائق وقدت ارادت اعادة المبالغ المستحصله لجمهور ولكن اباء الجمهور رفضوا استلام المبالغ واحتفظوا بالتذاكر انها ترابط جدلي بين المسرح والجماهير في تونيره وتفاعله الفكري ونضاله من اجل الرقي والتطور.

بعد14 ثورة تموز انطلق المسرح بقوة وعالج مشاكل التغيير من خلال المسرحيات الهادفة وفي سبعينات القرن تطور المسرح العراقي كثيرا بامكانيته الفنية من خلال مسرحية الكنز وروائع روميو وجوليت والارض وغيرها من المسرحيات الهادفة وقد اخذ المسرح العراقي السبق في العواصم العربية والمهرجانات وخصوصا قرطاج وكان دائما المسرح العراقي في الطليعة وقد ساهم سامي عبد الحميد خصوصا في  انشاء مسارح الجزائر وتونس والاردن واليمن  والمغرب وان كتبه تعتبر مرجعا مهما  وتدرس في المعاهد والاكاديميات الفنية .

ان بداية انهيار المسرح العراقي هو ثمانيات القرن مع الحروب وتم عسكرة المسرح واعطت الدولة اجازة لفرق اهلية ودخول الغجر والاميين والسفهاء الى المسرح ليكون مسرح غير جاد واسفاف واسقاط للحياء وتحول مسرح فرجة لناس هاربين من وجع الحصار والحروب وضغوطات الحياة ولكن من خلال ذلك كان هنالك مسرح هادف جمع بين الكوميديا الجادة الهادفة في مسرحية الخيط والعصفور وبيت وخمس بيبان ونديمكم هذا المساء ورغم ذلك انشئت خمسن مسرحا توزع بين ارجاء العاصمة للهروب من تلفزيون العراق الممل وقتها وانهيار دور العرض السينمائي نتيجة الحصار والضائقة المالية للشعب ليبدع فنانا في مسرحية تعبر عن التصارع بين الخير والشر ونقد خفي للسلطة في مسرحية شكرا ساعي البريد التي تحكي قصة مواطن يسرق الحصة التمونية فقط نعم الحصة التمونية من  بيت طبيب مشهور وقتها ولكن من خلال الحصة وجودوا مجموعة من الحلي مدفونة  كيس الرز لتبين خوف الناس  من البنوك وتراجع الوعي حتى عند طليعة الناس ....ويكون حديث بين المعلم السارق وزوجته قال انا سرقت الحصة فقط ويجب ارجاع الذهب لكن زوجته اجابته ليكن لنا سلف نعيده لهم بعد تحسن الامور ولكن المعلم يرفض وهي تحذره انك عندما تعيد الذهب سيسلمك للشرطة وهنا تبدا فكرة ارسال رساله الى الطبيب ليخبره عن الذهب وعن طريقة اعادته ولكن كانت هنالك قوة النظام وساعي البريد هو تفتيش وقراءة جميع الرسائل ومن خلال اطلاعه يبداء ساعي البريد بمساومة الطبيب وسرقة الذهب ليبين زيف الحياة

ان فلسفة المسرح في خدمة الدولة تبلورة عندما فرضت السلطة وقتها على جعل المسرح ضمن موسسات الدولة وحتى بلغ عندما فرض الحاكم كما هو معروف عنه تدخله في كل الامور بتاليف مسرحية اسمها زبيبة والملك وهي نص يعكس مخاوف الحاكم وعقله الباطن وانقياده لامراءة ليعلن موته قبل اتخاذ الشعب قراره ان العراق كان سجن كبير في خضم السلطة وكان من يقف امامها يسحق   ويجوع  ويسجن ويقتل هو وعائلته او الهجرة في ديار ومحطات الغربة .ان المسرح لم ينهض بعد الاحتلال والتغيير واضفاء جزء من الحرية الفكرية رغم تهديد المليشيات والارهاب   والمنافسةالواضحة للفضائيات ولكن يبقى المسرح هو الرائد للفنون والاكثر التصاقا بالمتلقي من الفنون الاخرى ان للمسرح قوة على التائثير وتغير التفكير السلوكي ومنهج حياة المتلقي وكانت تجربة رائدة يتيمة اسمها تفاحة القلب للدكتور سامي عبد الحميد.

ان المسرح بقى في ركام الحرب لم ينهض من جديد رغم امكانيات الفرقة القومية للتمثيل ورغم تعرض المسارح للدمار والنهب والسلب والحرق ولكن رغم كثرة المعاهد الفنية وانتشارها لم نشاهد نهوض واعد للمسرح العراقي وهذا  معكوس من اثار الحصار والحروب على العراقيين كافة  من خلال سياسة التجويع والعوز وفقدان الامن الغذائي والشخصي لقد قل في العراق العمل التطوعي والعمل التضحوي الذي قام به سامي ويوسف وعبد الرزاق في خمسينيات القرن الماضي وهذا ليس على المسرح وانما انعكس على كل مجالات الحياة .

ان الحل هو اعادة بناء الانسان وبناء الوعي والنشاط المسرحي المدرسي لانه هو المنهل الاساسي للنهوض بالمسرح وبلورة جمهور واعي وتاسيس مسرح واعد كالمسرح الانكليزي او الفرنسي له برتوكوله وثقافته البناءة.

 

لقد رسسم لنا الدكتور سامي عبد الحميد افاق معرفية

وتعلمنا أن للحياة صورة أخرى غير تلك التي دأبت على رؤيتها •• وأن العمل والجد هما سر الاستمرار الحقيقي •• ففي حضرته لا حديث سوى عن المعرفة وجذوة الفكر والثقافة في سيرة مختلفة لرجل مختلف •• ساعات قليلة تمضيها برفقة عملاق المسرح العراقي سامي عبد الحميد، تجعلك تختبر ما قاله الكاتب الأمريكي ''هنري ميلر'' عن تجربة عمر الثمانين وجنون العطاء والبحث••  تطرزت فيها رواق المعرفة لتكون جلسته من الجلسات المحببة التي لاتنسى انها رواق بمعية السيد الزاملي والاستاذ ميمون الخالدي وبضيافة موسساتية للسيد جمال الدين انه احد رواقات بناء وبلورة الفكر الانساني المتسامي.

 

الدكتور رافد علاء الخزاعي

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1776 الخميس 02 / 06 /2011)

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم