صحيفة المثقف

المثقف في حوار مفتوح مع الفنان التشكيلي شوكت الربيعي (22)

 

س194: محسن العوني: هل يقترح علينا الفنان الأستاذ شوكت الربيعي طريقة لقراءة لوحة أو صورة أو مشهديّة أو جداريّة؟

ج194: ان ثقافة المتلقي وبصيرته ومتابعته وتقصيه، ستكون من العوامل المساعدة لنمو الذائقة الفنية مع وجود النقد التشكيلي الفني ووسائل التعبير والنشر المخصص لذلك، كلها عوامل تساعدنا على قراءة لوحة أو صورة أو مشهديّة أو جداريّة. كان معظم التشكيليين يقدمون اكثر من اسلوب، إذ نرى فنانا يقدم اسلوبا معينا في معرض، ونراه في المعرض الذي يليه يطرح اسلوبا آخر، بل ان البعض يقدم عدة اساليب متباينة في العمل الفني الواحد. وقد يبدأ الفنان تجربته باتجاه حداثي، وينتهي بأن يقدم اعمالا كلاسيكية وقد يحدث العكس أحيانا. الا ان هذا الارتباك يعود أولا إلى قصر عمر تجربة الفنان المهنية والمعرفية في الخليج العربي. وكان هناك استثناءت مبتكرة في الكويت والبحرين وعمان وقطر.. والإستثناء الوحيد الذي شهدته الحركة التشكيلية في الإمارات كان مع جماعة "أقواس" التي ظهرت واختفت سريعا في منتصف الثمانينات. تكونت من حسن شريف (تشكيل) نجوم الغانم وخالد بدر (شعر وتشكيل) ويوسف خليل (قصة) ووعدت تلك الجماعة بنظرة جديدة تشمل التشكيل والشعر والقصة. وربما ولو اتيح لها النمو والتطور، لتبلور عنها موقف ما، غير انها اتهمت بطرح افكار عبثية وعدمية. وكان قبل هذا، قد أطلق بعض الفنانين على نتاجهم عناوين محددة ومثيرة واستفزازية، ومثال على ذلك، إقامة معرض بعنوان (سالب/ موجب) الذي افتتح في الاول من اكتوبر من عام 1983 في صالة النادي الاهلي بدبي وضم أربعة فنانين تشكيليين هم: الفنان السوري عبد اللطيف الصمودي، وحسن شريف، وعبد الرحيم سالم، وحسين شريف. وتم تقديم عرض اول شكل فني غيرتقليدي.. بعد ذلك قدم الفنانان عبد الرحيم سالم وحسن شريف، تجربة بعنوان (معرض اليوم الواحد) في شهر يناير من عام 1985 بمرسم المريجة بالشارقة.. عرض عبد الرحيم سالم (منحوتة الزمن والخصوبة) وهي عبارة عن ثلاث قطع من المثلثات متداخلة في بعضها البعض، بينما قدم حسن شريف رسومات تمثل مربعات صغيرة وخطوطا وارقاما ثبتت على الارض في الممرات الطينية المؤدية إلى مرسم المريجة. وكانت تلك هي البدايات التي ساهمت في تشجيع أخرين للدخول في آفاق مغايرة للعمل الفني التقليدي. وليس في هذا الموضوع حكم "تقييمي ولا نقدي"، وانما محاولة لفتح نافذة للتعرف على تجارب متميزة وحسب. وهذا ما تساءلت عنه الشاعرة نجوم الغانم، هل ان المصطلح في الفن هو قضية اشكالية في كل مكان؟ ولم تستطع الجواب عليه لحد الان، لأنه جزء من تلك الإشكالية التي ما تزال القائمة.

متى ينظر المبدعون العرب إلى تجاربهم الشخصية في سياق عموم الحركة الثقافية والفنية في بلدانهم خارج حدود المعنى التقليدي المالوف، وبعيدا عن الرغبة في تدوين مجرد صفحات عن الفن التشكيلي، قد تكون مسكونة بخيبة الكاتب أو الفنان. وليس يكفي انبثاق صوت منهجي نقدي آت من أمكنة الإبداع ومسرات الإنجاز.. فهل سيكمن الجواب في (متى) ما وعى الفنان وأدرك واقتنع، بأن محاولته في البحث عن هويته الحضارية، تصاغ ضمن تجربة جمالية تمزج بين مفهوم: ان الفن (كيان من عمليات) وليس (كيانا من اشياء وضعية متراكمة)، كما تراها بعض مؤسسات الثقافة القائمة في الوطن العربي. ومابين تزاوج طاقة المثقف وانتاجه المرتبط غائيا بالمجتمع واقتصاد العالم، ينتج عنهما معرفة ثالثة نافذة من أشكال لها وجود المادة والروح معا، وجود قابل للتحول المتبادل، شكلا وموضوعا وكتلة. دون أن يؤلف نقضاً للمفاهيم والخصائص التي تتصف بها المادة، وتشكل (كيانا لطاقة متفاعلة باستمرار تمثل الصورة الجديدة للعالم). ويمكن التعبير عنها، باستخدام وحدات جمالية مستنبطة من المجتمع والواقع، ومستولدة من الطبيعية ورؤى الانسان الفاعل في الخصائص الاساسية: ومنها مصدر الوحدات الجمالية اللازمة لفن (العمليات) الذي تشعه كيميائيا بألوان الخطوط الطيفية، لتجد بالالوان النقية، تعبيرها الفني المتميز، وذلك (برسم صورة او تشييد نموذج) للعالم باعتباره، (كياناً من عمليات). ولئن أمكن تطبيق ذلك في مجال فن الانسان، فإن الفنان سيعيد ترتيب مفردات الطبيعة بمعمار جمالي آخر، يعبر عن فن انساني جديد. وسيعيد بواسطته، خلق نفسه ورؤيته ومواقفه، ضمن وحدات فن البشرية المستقبلي.. وبمساعدة مفهوم: (أن العالم كيان من عمليات). وهذه ليست إيقونة متخيلة من الرغبات، بقدر ماهي منهج وعلم، يمتلكان آلية تطبيق وضعية ملائمة.

 

س195: محسن العوني: كيف ينظر الفنان الأستاذ شوكت الربيعي إلى واقع هيمنة الصورة وسطوتها على المشاهد / المتلقي غير المؤهل لفك شفرتها؟

ج195: هناك أعمال فنية نشاهدها بسعادة، وننساها.. وهناك نتاجات تشكيلية نراها بنوع من التقدير، دون الموافقة عليها أو رفضها، ولوحات او تماثيل، تبقى معنا، لاننا أحببناها بعمق، فنقتنيها. وهناك أعمال لا تحتاج لتعليقنا.. إذن، فمشاهدة العمل الفني الحقيقي، هي حوار الرؤية الذي يتم بصمت. هذه العملية تعطي تجربة الذائقة الفنية بعدها الواقعي، فاللوحات المعلقة على جدران المتاحف وقاعات العروض الفنية، وفي مراسم ومحترفات التشكيليين، تتحدث الى مشاهديها. وهي عملية ممتعة للعقل والجسد، فيها لذة التوحد مع الفن. وهناك أعمال رسمت في ظروفها وبنت ساعتها، وكأنها منشورات سرية أو صرخة مظلوم، كلوحة الكورنيكا لبيكاسو ولوحات ريفيرا وسكيروس في المكسيك وتمثال السجين السياسي المجهول، أوالمفكر ونصب الحرية لجواد سليم وتمثال نهضة مصر لمحمود مختار والسجيني وآدم حنين وداوستاشي وصرخات تماثيل سامي محمد المكتومة، وتشظيات عبد الرحيم سالم اللونية، وأنطلاق الغضب المستعر في تخطيطات الراحل أحمد باقر وتوجعات عباس يوسف ومحفورات يوسف أحمد. وانفعالات لوحات عبد الحليم رضوي بالحياة والواقع وحضور المجتمع في أعمال عبد الجبار اليحيا وروح الصحراء في تجربة محمد السليم. ووالبئة والمفردات الاجتماعية وحياة المرأة والعادات والتقاليد المناطق الوسطى في (أبها) وعشرات الأعمال الفنية التي كانت مشفوعة بكتابة مذكرات يومية، شخصية. وهذا ماتسعى إلى بيانه وتفسيره، أوراق هذا الكتاب المدهشة.

إن الفن التشكيلي في الخليج العربي، جدير بالانتباه، كالكماة في الصحارى، تتكاثر كلما أمطرت السماء. ويبقى أن نفرز من أعمال الفن، الأفقي الغث، من المتجذر البارع. لكي يصبح وثيقة على معراج الفن العربي المعاصر. ويبقى أن نتحقق من أصالة تلك الوثيقة: الهوية: الذاكرة، وقيمتها الجمالية المتميزة. فلم نشعر بالملل من تدوين صفحاتها طيلة سنوات المتابعة الميدانية. إن الأعمال التي خلفها لنا الفنانون هنا، تعكس تعدد أوجهوتفاصيل الواقع وحياة الكدح الشعبية، وصور الناس بمجموعاتهم الكبيرة: طبقات اجتماعية تواجه واقعها اليومي المنهك، وتستمد منه دلالتها. كان الأوائل في محاولاتهم العفوية البسيطة، يرسمون البيوت الشعبية مكتظة بالجوع. ويرون الحياة بسعتها، كوة ضيقة ملونة بالحرمان , رسموا الناس، في زحمة العمل, وفي علاقاتهم مع الطبيعة ومفردات يومياتهم العادية.. ):كانت تلك هي اليوميات المدهشة التي رأيتها في الواقع وفوق مسطح لوحات رسمها هواة الخطوة الأولى. وكانت على عفويتها وبدائيتها، تبدو رائعة، معبرة عن حالات انسانية (على قلق) كما يرمز المتنبي، كأن كل إنسان، يود مشاهدتها (لوحده)، فرسومات (فترة الستينيات) لايمكن تكرارها في (السبعينيات) لأنها شديدة الإختلاف، ولكن استذكارها واستعادة جوهرها وتطويرها، تصبح أكثر سهولة في التحقيق والتنفيذ مع الفنانين الاستثنائيين. فهم كلما تقدموا في العمر، اكتسبوا ثقة بالنفس لا تصدق، وأصبحوا أكثر تحررا وتطورا واندفاعا نحو التجديد بالفن العربي، وفي أعمالهم الفنية، يمكن ملاحظة آثار قوة الفن الصادق المنفعل بالواقع الإجتماعي، والشعور بطاقته ووضوح رؤيته، التي تبدو أكثر صدقا مما نطلق عليها (لوحات واقعية). من الذي يقوم بتوصيل هذه الرؤى للمشاهد المتلقي سوى النقد؟ ومن يقرب هذه المفاهيم، ويلغي المسافة المبهمة بين الرائي والعمل الفني، سوى النقد الفني التشكيلي. ومن الذي يفسر ويحلل ويقدر ويحدد القيمة الجمالية في حرفيات العمل الفني وفي تصاعد المضمون مع الشكل المتقدم، سوى النقد الفني التشكيلي. نورد مثلا بسيطا، عن(عالم الفنان) وعلاقته باللون، على النحو التالي: (إيمانه باستقلالية القيم اللونية عن قيم (التشيزم) اللمسية المتجلية في خواص الزجاج والمعدن والمخمل والحرير والشعر والى غير ذلك. واعتداد الفنان بالقيم التشكيلية والفراغية والضوئية فقط بوصفها مجرد وظائف لخدمة اللون. وتوزيع الفنان للمساحات اللونية المتجاورة على فراغ اللوحة، بحيث تمثل كل مساحة منها احد العناصر المحددة حتى يكتمل التكوين الفني. )، وتدخل هذه الملاحظات في باب التقنية والمعالجة وقوانين العمل الفني المسبوق بشروط نقدية. كيف تم لنا تفسير هذه المنطقة من وعي حرفية الفنان وانشغالاته على مسطح العمل الفني، سوى النقد.

إن من وظيفة النقد الفني التشكيلي بيان وتوضيح ذلك، كما يوضح وظيفة الفن بأنها، (تحقيق تأثير جمالي من نوع خاص يخضع لقواعد الفنان الذاتية، ذلك لان له وقعا أشد وأقوى من تأثير الطبيعة)، حتى لكأننا نؤخذ بجمال الألوان ورقة الخطوط والإيقاع والحركة والتماثل والتوازن والتناسق والتنافر، منفردة أو مرتبطة ببعضها البعض مثلما تسحرنا غرائب الكون ومنظوماته وفضائه اللانهائي.. أو تقلقنا فكرة دمار سيلحق بالعالم.

 

س196: محسن العوني: رأي الفنان الأستاذ شوكت الربيعي في مدرسة مدينة تونس للرسم والفن التشكيلي في تونس مسيرة ومنجزا وأعلاما؟

ج196: أخي المكرم الدكتور العوني الموقر. سبق وأن سألتني الأخت الشاعرة (العربي) السؤال ذاته. وكذلك السؤال الذي يليه. ربما حدث توارد خواطر أو هو اهتمام مشترك ثقافيا.

ومع هذا سنوجز في حديثنا عن الفن التشكيلي المعاصر في القطر التونسي:

مقدمة تاريخية: تميز الدور التاريخى للفن الذى يستوعب حركة التاريخ ليسجل مرحلة اندلاع الثورة الوطنية من سنة 1952 الى 1954 الى معركة بنزرت عام 1962 ليضعها في اطارها التارخى. وحتى ثورة تونس الشعبية في ديسمبر ويناير عام 2011.

- رواد فن الرسم فى مرحلته الاولى، كانوا فنانين هواة، كالخياشي وابن عصمان ويحيى التركى الرسام الاكثر شهرة بين فنانى الرعيل الاول الذين استخدموا الرسم المسندى ورسموا مظاهر الحياة اليومية والعادات الاجتماعية والتقاليد القومية برؤية تسجيلية.. عرضت هذه التجارب على قاعة معهد قرطاج – الصالون التونسى عام 1925

- تاسيس مدرسة الفنون الجميلة الجميلة في تونس(عام 1922).

- ظهور جيل جديد، سعى الى اوربا لدارسة الفن كأول دفعة من الفنانين الذين شكلوا قدرهم بانفسهم في الريادة الحقيقة.. من بينهم: الزبير التركى وعلى بلاعة والقويجى وابراهيم الضحاك وعمارة دبش. والهادي التركي والنحات السليمي لاحقا.

- اتجاهان بارزان في حركة الفن المعاصرة في تونس:- (1) الاتجاه التقليدي الاتباعى الطبيعي الواقعى. (2) الاتجاه الحديث الذى انتشر في اوئل الخمسينات. كرد فعل متاخر لما هو مطروح فى اوربا من توصلات اسلوبية كانت منحصرة زمنيا بين عامى 1908- 1950 نقلها طلبة الفن، ومن ابرزهم الفنان بلخوجة والهادى التركى.

- الرعيل الثاني وتشكيل تجمعات فنية.. ظهور طروحات نظرية بين مفهومى التراث والمعاصرة ومحاولة ايجاد استمرارا لمحاولات ابن عزيز وعبد الله الغزيز القرجى في تمثيل فن المنمنمات.

- استلهام الحرف العربي في الرسم المركب والزيتي والمحفورات. وظهور اعمال متميزة متقدمة في تجارب البكرى وبلخوجة ونجا المهداوى في استلهام الحرف والجملة العربية.

- ظهور نزعات تجديدية في الشكل الفني المبسط والتجريدي، تجارب محمود السهيلى وحسن الصوفى وشقرون والنحات الهادى السلمي وعمر بن محمود ورفيق الكامل ورضا بالطيب وحياة بوطيبة في اهتماماتها البيسكولوجية.

- فن الجرافيك وأهم رموزه. تتميز اعمال ابراهيم الضحاك الحفار البارع برؤية صحراوية وبعد فلسفي. وينتمي حيث الشكل الفنان الحفار محمد بن مفتاح الى معالجات أكثر حداثة وأشد تبسيطا، فتتوضح مقدرته على الصياغة والصناعة وثراء المادة وغناها التقنى كما عكست أعماله حساسية في التخطيط وخصبا في التصور وأفقا رحيبا في الخيال معا.

ينتمى الهادى اللبان (*) الى الحفارين القلائل الساعين في تجربتهم لكشف اسرار التقنيات التى يتيحها هذا النمط الحساس من الانتاج الفنى.. وكان اللبان اغزر رموزا في طرح افكاره وتحميلها بعدا نضاليا ملتزما يوحى احيانا بالماساوية التى يخلقها خلل وقتي ونسبي في الحياة..

- أدب النقد الفني التشكيلي. وأهم رموزه.

 - فن النحت وأهم رموزه. تحيلنا منحوتات الهادي السلمى ذات البناء المبسط في معمارها الداخلى الموحية بنصبيتها ومساقطها العمودية بالسمو والثقل العمودى الرامز الى شموخ المحتوى وبالتوازن الكتلى الجزئي داخل المنحوتة ذاتها.. تحيلنا الى الرموز في رؤيتها الفكرية رمزية في اشارتها الى المحتوى.. اما الشكل لديه فهو وان يبدو متكئا على مفردات جياكوميتى شكلا الا انها تحمل خصوصيتها التقنية، المركبة في صياغة اسلوبية بنائية، من هيئات مختلفة الوحدات يساعدة في ذلك طبيعة المادة المستخدمة.

تنتمى لوحات على عيسى وناصر بن الشيخ بمحاولتهما التجريبية المتعددة وفى ابتكار صياغتهما الى تيار التجريبية الشغوفة باللون، اذ يتحرك اللون على مسطح قماشة اللوحة، كعنصر رئيس تارة، وتنفجر الخطوط بحركتها الحيوية كعنصر ثانوي، تارة اخرى. ويترد ابن الشيخ بين استلهامه الحرف العربي وبين ضغوط التجريدية الشكلي وعنصرها الأساس، هنا، اللون. كان ذلك الرأي قد تبلور في العام 1978وليس الآن.

تضاف الى ذلك اعمال الاخضر والمنصت بن عمر برمزيتهما الطاغية على الشكل العالم المشحون باشارات ادبية تعبيرية مع الاختلاف في تحقيق العمل الفنى. فالاخضر يستخدم مساحات مبسطة بالوان مختزلة يشير بها اثر الرؤية المسطحة المحتوى او مضمون العمل ذاته بينما تبدو طريقة ومعالجة الاشخاص والهيئات مضمرة معقدة مركبة. (*)

تنتمى لوحات محمد مكيمط والصادق قمش

- خلال هذه النماذج، يمكننا أن نصوغ مجموعة أفكار حول هذه التوجهات الجديدة في التّشخيص، كما يرى علي اللواتي:

أوّلا: هي تجارب منفصلة تقنيّا على الرغم من التحاور بين بن مفتاح ومقديش من جهة وبن زاكور وساسي من جهة أخرى والحبيب بوعبانة وساسي في وجه ثالث وكذلك بين الحجري وبن زاكور في مستويات أقلّ.

 

ثانيا: لا تتمسّك بتثبيت المحلّي بوصفه قيّمة جمالية.

ثالثا: التباهي بالاستقلالية وانكار المرجعية، كما في تجارب مقديش وبن مفتاح والحجري التراثية.

رابعا: تكريس المستويات التقنية الشكلية الّتي تجعل من الفنّ مهنة أساسية مكّنها من اكتساب سوق جديدة.

خامسا: تقترح هذه التجارب رؤية تشكيليّة وجمالية ذاتية حلمية وأسطورية. لانجاز أعمال غرائبية وعجائبية.

مدرسة تونس للرسم: بدأت قصة مدرسة الرسم ابان عهد الحماية الفرنسية بعيد الحرب العالمية الثانية. وكانت جادة الحبيب بورقيبة تسمى تلك الحقبة شارع جول فري وترتادها صنوف شتى من السكان تلتقي دون حواجز طبقية او وطنية او دينية فترى فيها التونسيين والايطاليين والفرنسيين مسلمين ويهود ومسيحيين مختلطين دون تنافر. واعتاد الرسامون على الالتقاء على رصيف "مقهى باريس" الذي لا يزال موجودا هذه الجادة التي تقع في قلب العاصمة التونسية. وكان يلتقي فيها في الخمسينات الفنانان (عبد العزيز القرجي ويحيى التركي) بعدد من الفنانين الفرنسيين مثل بيار بوشارل او انطوان كوربورا ورسامين آخرين. وذكرت الصحافية التونسية درة بوزيد التي الفت كتابا عن مدرسة تونس للرسم " لم يكن الحديث يدور في (مقهى باريس) الا عن الرسم وقضاياه وتطوره، ولاشيء غير الرسم ". وكان رسامو تلك الفترة يجدون صعوبة في بيع لوحاتهم ويعيشون حياة صعبة وحالما يتمكن احدهم من بيع احدى لوحاته فانه يقرض باقي زملائه او يدعوهم الى تناول فنجان قهوة. وكانت تسود روح من الالفة بين التونسيين والاوروبيين ويلتقون لتناول السمك المشوي في حانات المدينة. وفي خريف سنة 1943 اسس لوي ليمونييه نقابة الرسامين غير انه يمكن اعتبار بيار بوشارل المؤسس الفعلي لمدرسة الرسم. وبعد فترة تعلم الرسم في باريس حيث اختلط مع كبار الرسامين وسكن في غرفة واحدة مع الرسام الايطالي اميديو موديلياني (1884-1920) ثم عاد بيار بوشارل الى تونس واسس "مجموعة الاربعة" التي مثلت برعم مدرسة تونس.)

(.. وزاد عدد هذه المجموعة ليصبح عشرة سنة 1948 واسحدثت في السنة التالية على رصيف "مقهى باريس" مدرسةتونس للرسم. واصبحت هذه المدرسة التي اقيمت على الصداقة المتينة وانفتاح الفكر مؤسسة تونسية فعلية. وتنحى بوشارل (1895-1988) عن ادارتها مع استقلال تونس في 20 آذار/مارس 1956 ليترك مكانه ليحيى التركي. واضحت هذه المدرسة التي بدأت مرآة لمجتمع يعيش تحولات متسارعة، اليوم في ظل رئاسة عبد العزيز القرجي تركز على عمق الروح التونسية والتقاليد المحلية من خلال صور من الحياة اليومية وفن الزخرف واحاسيس الشخصيات والجمالية وشعرية الديكور. وتركت هذه المدرسة اثرا لا يمحى على مختلف تيارات الرسم المعاصرة في تونس. بالرغم من التطور الذي حصل لرساميها مثل الهادي التركي المولود سنة 1922 الذي حول وجهته منذ عشرات السنين الى الرسم التجريدي مقيما بذلك الدليل على تنوع رسامي مدرسة تونس للرسم. ). --

 

س197: محسن العوني: رأي الفنان الأستاذ شوكت الربيعي في المشهد التشكيلي في البلاد العربية وآفاق تطوره؟

ج197: تنطوي فكرة البحث عن المشهد التشكيلي في البلاد العربية وآفاق تطوره، وغايته، على الكثير من الأسئلة المثمرة التي تبرق في أذهان الكثير من الفنانين التشكيليين الشباب، بسبب انشغالهم بالبحث والتجريبية والتشخيصية ومناهج واتجاهات الفن الحديث التي بدأت مع محاولة الفنانين الأوائل في الخليج العربي، الذين مارسوا بحوثهم وتجاربهم الفنية، ضمن الفترة (التأسيسية). دون أن ينسوا ما جرى، عندما أعادت، حركات النهضة الاجتماعية في الخليج العربي (في العقد الخامس)، إلى الضوء أولوياتها التعليمية الابتدائية، وقد تقدمت شوطا مهما في الثلث الاخير من القرن العشرين في الكويت ومملكة البحرين والسعودية وقطر والامارات وسلطنة عمان واليمن بعد انتشار وتوسع المعارف والمدارس والجامعات. وكانت الحركة الفنية التربوية قد ابتدأت "بالصورة" الواقعية والمشهدية الطبيعية والتشخيصية ثم اتجهت، بعد سفر هواة الفن للدراسة في اوربا وامريكا وفي معاهد وجامعات الفنون التشكيلية العربية في مصر والعراق والشام.. وبعد عودة (موفدي الفن) محملين بخبرات جديدة، استطاعوا ان يبلوروا لأنفسهم طرقا في الفن والتربية خلال الثقافة والفنون، فلجأ البعض منهم إلى تطبيق الإتجاهات والنزعات والمدارس الفنية السائدة في العالم، بينما نزع البعض الآخر إلى استلهام جوهريات التاريخ المشرقة. ومالت فئة اخرى من الفنانين نحو التجريد، واستلهام الحروف والارقام العربية, فانحسرت الملمحية والشخصانية من محاولات الرسم، وحلت مكانها الإشارية والإيحائية والرمزية والتعبيرية، في حين طورت معالجات النحت المدور والناتيء و(البرليف: إظهار ثلاثة أرباع الشكل) نحو مفهوم ارحب وأشد تأثيرا من "وسائل الرسم المتنوعة" والتوسع بمناقشة. أسس " اللوحة" كما ينبغي أن تكون عليه القيمة الجمالية والابداعية.

نعم. عندما يعرف الفنان البارع الملتزم بقيم وتراث امته، دوره وواجبه، لكي يحتل مكانته اللائقة في الفن والحياة، فإنه سينتمي لتفاصيل هذا التوجه. وعندما يسعى الكاتب (في مجال تاريخ الفن والنقد الفني التشكيلي) لتفسير ذلك، وفي إطار ما يريد قوله، فانه سيأتي بالأدلة والبراهين، إذ هو يسعى إلى إدراك الفكرة وتوصيلها بسهولة ويسر وتبسيط الى المتلقي، بالايضاح والتحديد والتكثيف والتركيز والصدق، والدفاع عن استقلالية العمل الفني وتبرير تحولاته من تصوير الواقع ومفردات الطبيعة.. ومن البحث في الضوء واللون والتأثيرية، على التعبيرعن الفكر والرؤى الماورائية. وبدلا من أن تكون اللوحة بمثابة نافذة نشاهد من خلالها صورة عن العالم الخارجي، أصبحت اللوحة مجرد مساحة مسطحة نعالج عليها طرق المزج اللوني. وتلك هي الاشارة إلى فن المفاهيم. وعندما اقترح الكثير من صفوة نقدة الفنون، الابتعاد عن استخدام المنظور وعدم تجسيد الشكل من خلال الظل والنور والتأكيد على استخدام الأشكال الهندسية والابتعاد عن استخدام المزج اللوني الرقيق والإقتصار على بعدين على مسطح العمل الفني، والجمع بين الأزمنة والأمكنة في حيز واحد، واعتماد المنظور الجوي والمنظور الارضي، إنما كان قد اقترح وتم تطبيقه في رسومات الواسطي وبهزاد وابن عزيز وكانت من صفات وخصائص رسوم المصورين المسلمين. قبل هؤلاء بأكثر من ثمانية قرون خلت. بركائز وتقاليد ثابتة. أما الإدعاء بأولوية ظهور مثل تلك الإتجاهات الفنية، تعود إلى الأوربيين وحدهم، فهذا جهل بالتاريخ وبالحضارة العربية والإسلامية. كان قد شملهم وشمل البعض منا، كما هو جهل ببعض التجارب في هذا الميدان التي سبقت ما تدعى (أفكار جرينبرج)، مثل أعمال الفنان الروسي كازيمير مالافيتش العام 1913 وأسلوبه المعروف بـ التفوقية وأعمال مدرسة الباوهاوس في ألمانيا ومدرسة الأسلوب في هولندة. وبينما نتحدث عن ريادة تجارب الغربيين، نتجاهل تجاربنا الرائعة التي انتجت في تلك الفترات أيضا، إذ قدم مجموعة من الفنانين العرب في الثلاثينيات من القرن الماضي لوحات تجريدية تعبيرية وسريالية مثل أعمال رمسيس يونان واعضاء جماعة أبولو وجماعة الفن الحديث وجماعات طليعية أخرى في مصر والعراق والمغرب العربي، وفي الشام مقابل فترة الخمسينيات حيث أنتج جاكسون بولوك ومارك رثكو، لوحات مشابهة مستلة من اللبيدو الرمزي الباطني للفنان وبأسلوبومعالجة مبسطة احيانا وتجريدية مركبة احيانا كثيرة. وبتأثير كليف بيل أنتج مجموعة من الفنانين في الستينيات من هذا القرن لوحات أحادية اللون مثل أعمال إيف كلاين وبيرومانزوني وغيرهم، تسمى المونوكروم. بينما الفنانون العرب كانوا قد تجاوزوا في هذه المرحلة الكثير من تجارب الغرب، ويبقى النقد الفني متناسيا أهمية الرؤى الحداثوية المتقدمة للفنانين العرب والمسلمين، الذين أنتجوا أعمالا توصاوا بمفاهيمها الإنسانية المشتركة، إلى الاستقلالية والحرية لتمثل روح العصر، دون الحاجة إلى ضلالة رأي الناقد الإنجليزي (كليف بيل) بخصوص الوصول إلى الاستقلالية والحرية، فهو يقول: لكي نقدر العمل الفني علينا أن نجلب معنا لا شيء من الحياة• هكذا أصبح (التجريد والـ لا شيء) صوراً تمثل روح العصر• ونحن نتساءل.. هل العملية (تتطلب كفاحاً وصراعاً مستمرين بين الفنان الفرد والمجتمع؟). وهذا ما نسعى اليه أيضا في حديثنا عن التحولات الفنية التي شهدتها منطقة الخليج العربي، ابتداء من ستينيات القرن العشرين المنصرم، وحتىالآن.

إن تجارب الفنون القائمة حاليا في الأقطار العربية، ليست اسلوبا (متطابقاً مع)، أو (متماهيا في) أو مغلقاً. بل ان لكل قطر منها، خصوصية لتجارب البارعين فيه. ولا تستطيع المنظومات الإقتصادية والإجتماعية والاخلاقية، أن تحدد قيمتها الجمالية وتوصلاتها الاسلوبية، بالرغم من سطوتها، ولكن الفن الحقيقي هو الذي يؤثر في الاضافة القيمية للمرحلة بالصياغة الممكنة وبتحديد ملامح هوية الإنسان في هذا البلد أو ذاك، باعتبارها انعكاسا لمظاهر الناس وبواطنهم العربية المسلمة والشرقية. فتحجمت المرئيات وضاقت بما وسع فضاؤها، لتندرج ضمن مشاهد بصرية مقترحة. حتى يتم في اطار الاشتغال الإختيار المشتهى على مسطح اللوحة، دون التعارض أو التطابق مع الخطاب السائد، كذلك هو السعي في الفن، نحو تأسيس نظام إنساني بديل، يكفل الحرية والعيش فيه لكل البشرية المعطاء. من خلال الوعي بعملية الجدل المستمرة: وتلك هي جدلية التغيير المؤملة في المجتمع العربي التي تحمل معها نواة نظرية المنطلق المستقبلي العميقة، بين شكل المشهد التشكيلي وموضوعه، بين الفكر والمضمون والشكل المرتجى تخيليا، وبين الرؤى الآتية. ويفسر انبثاق رؤى النقد التشكيلي، عن نوع الفن الذي نتحدث عنه، على أنه ولادة طبيعية من داخل حركية النظرية النقدية الثقافية الحديثة، ومن رحم المجتمع، ولكن ضد هيمنة الرؤية والنزعة الابوية المضمرة. فالفنان هنا يرفض التهميش بصمت وهو غير نرجسي، عادي.. وما يجري بين الفنانين من قفزات ووثبات، إنما يقع في مجال دفاعي غير معلن: شكل من اشكال مقاومة المخاوف الذاتية من التحليق في فضاء طبقي، أوالسقوط في وهدة التجارب الغربية المحض، التي لا قرار لها. فهل هذا نتاج عملي لبنية سياسية واجتماعية وثقافية. أم تأويل الذاكرة لنقض تلك النظرة تحت وطأة الحنين المراوغ لتفكيك البنية التشكيلية الاساسية السائدة في الخليج العربي. بحجة الدفاع عن عالم حر حداثوي مستقبلي، سيسود في مرحلة ما بعد العولمة والهيمنة والتسلط بالتدريج على أفكار ومنطلقات الاجيال الراهنة ومرابع الاجيال اللاحقة في الثقافة والفنون العربية. وهذه النظرة للفنان وابداعه، قضية اساسية عالجها النقد الحديث، وهي ليست وعيا معطلا مهمشا من العلاقة الجدلية بين الفن والمجتمع والحياة في البنية الثقافية العامة للمجتمع العربي. وفصول هذا الكتاب، تدل القاريء على نماذج تطبيقية واقعية، لتقنيات وأساليب التحديث المقارنة بين تجارب التشكيليين العرب عامة، وفي الخليج خاصة.

نحن (إذن) بحاجة جمالية وثقافية لموازنة موقعنا من خارطة الفنون الجميلة الحديثة في العالم والنص المدون المطلوب هنا في متن الكتاب نفسه، وليس من خلال اسقاطات تأتي من خارجه ليؤكد أهميته الفكرية والثقافية النقدية، تاريخيا وجماليا في مسار الفنون العربية، وتكمن مفاصل من قيمته في وضع الاساس لبدء حوار بين التشكيليين العرب، بما يفيد الفن التشكيلي ونقدته..

متى ينظر المبدعون العرب إلى تجاربهم الشخصية في سياق عموم الحركة الثقافية والفنية في بلدانهم خارج حدود المعنى التقليدي المالوف، وبعيدا عن الرغبة في تدوين مجرد صفحات عن الفن التشكيلي، قد تكون مسكونة بخيبة الكاتب أو الفنان. وليس يكفي انبثاق صوت منهجي نقدي آت من أمكنة الإبداع ومسرات الإنجاز.. فهل سيكمن الجواب في (متى) ما وعى الفنان وأدرك واقتنع، بأن محاولته في البحث عن هويته الحضارية، تصاغ ضمن تجربة جمالية تمزج بين مفهوم: ان الفن (كيان من عمليات) وليس (كيانا من اشياء وضعية متراكمة)، كما تراها بعض مؤسسات الثقافة القائمة في الوطن العربي. ومابين تزاوج طاقة المثقف وانتاجه المرتبط غائيا بالمجتمع واقتصاد العالم، ينتج عنهما معرفة ثالثة نافذة من أشكال لها وجود المادة والروح معا، وجود قابل للتحول المتبادل، شكلا وموضوعا وكتلة. دون أن يؤلف نقضاً للمفاهيم والخصائص التي تتصف بها المادة، وتشكل (كيانا لطاقة متفاعلة باستمرار تمثل الصورة الجديدة للعالم). ويمكن التعبير عنها، باستخدام وحدات جمالية مستنبطة من المجتمع والواقع، ومستولدة من الطبيعية ورؤى الانسان الفاعل في الخصائص الاساسية: ومنها مصدر الوحدات الجمالية اللازمة لفن (العمليات) الذي تشعه كيميائيا بألوان الخطوط الطيفية، لتجد بالالوان النقية، تعبيرها الفني المتميز، وذلك (برسم صورة او تشييد نموذج) للعالم باعتباره، (كياناً من عمليات). ولئن أمكن تطبيق ذلك في مجال فن الانسان، فإن الفنان سيعيد ترتيب مفردات الطبيعة بمعمار جمالي آخر، يعبر عن فن انساني جديد. وسيعيد بواسطته، خلق نفسه ورؤيته ومواقفه، ضمن وحدات فن البشرية المستقبلي.. وبمساعدة مفهوم: (أن العالم كيان من عمليات). وهذه ليست إيقونة متخيلة من الرغبات، بقدر ماهي منهج وعلم، يمتلكان آلية تطبيق وضعية ملائمة.

من لي بإنسان إذا أغضبته وجهلت كان الحلم رد جوابه

وإذا طربت إلى المدام شربت من أخلاقه وسكرت من آدابه

واراه يصغي للحديث بقلبه وبسمعه ولعله أدرى به 

http://www. plaxo. com/directory/profile/253403311159/abc76935/Shawkat/Alrubaie

........................

  

لمتابعة حلقات الحوار المفتوح

..............................

 

ملاحظة: يمكنكم توجيه الاسئلة للمحاوَر عن طريق اميل المثقف

[email protected]

...........................

 

خاص بالمثقف

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (عدد خاص: ملف: تكريم الفنان التشكيلي شوكت الربيعي، من: 24 / 4 / 2011)

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم