صحيفة المثقف

ذلكَ هو الشعر

 

قالوا :

وضع الشاعر رأسهُ بيد الوهم

وقال لهُ:

خذهُ.

لذلكَ أصبح الفضاء ضيقاً على جسده.

 

قلتُ لهمْ:

كل ليلةٍ،

أمسكُ تفاصيل الضوء من يدها

وأدلها على الطريق.

ذلكَ هو الشعر،

 

على ركبتيَّ أُجلسُ الهواء

وأمشط شعرهُ الطويلْ.

ذلكَ هو الشعر،

 

أحفرُ في جدار الظلام امرأة

تحملُ نهراً فوق رأسها

وأتركُ الألوان تخضبُ جدائلها.

ذلكَ هو الشعر،

 

آخذُ السحابة من يدها

وأدلها على أجراس الحقول العاطلةِ،

ذلكَ هو الشعر،

 

أطلقُ الغبشَ طيراً يتمزز برمانة قلبي.

ذلكَ هو الشعر.

لمَ التعجب؟

الفضاء

لا يسعُ قبضة يدي

الممسكة بتلابيب الخرابْ.

 

قالوا:

ينحتُ الشاعر من اللغة سقفاً لطيور أصابعه،

لذلكَ تضيقُ جيوبهُ بالحقول.

قلت لهم:

الشعر لا يخدع أَحد،

غير أن الموتى لا يصدقونه.

 

ما أن يعلق الحبر شمعدانه في شرفة الخيال،

حتى تخلع القصيدة خفيّها وتركض فوق الورق.

الشاعر لا يشبه أحد،

بدليل، كلما ألتقيكَ أضع بيدك نهراً،

وكلما أودعكَ،

أرسل وراءكَ الغيمة لتحرسكَ من الشتات،

بامكانكَ أن تراني بوضوحٍ:

كيف أن الحرب لم تترك مكاناً في قميصي

إلا وبللتهُ الشظايا.

 

قالوا :

يسوي الشاعر الرياح شجراً ليسترد غزالته،

لذلك تجلسُ بين يديهِ الينابيع .

 

قلتُ لهم :

ألا ترونَ كيف يعلق جرس الإخضرار في عنق المطر؟

يولد من نخلةٍ،

ويدفنُ تحت جذع نخلةٍ .

وحتى بعد موته،

يطردُ الغبار من شرفة القصيدة .

 

هذا هو الشعر

 

يشيدُ من الهواء بيتاً لعائلةٍ

ألقتها يد الجفاف خارج السرير.

ليس هذياناً

ولا جناح طير مقصوصْ،

ولا حنجرة مثقوبة يتساقط منها الرماد،

هو:

ترابُ الله،

يحملُ دم النخلة بين يديّهِ، ويصعدُ عالياً .

 

فنانة تشكيلية وشاعرة

سيدني/ استراليا

 

خاص بالمثقف

..................................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (عدد خاص: ملف: المثقف .. خمس سنوات من العطاء والازدهار: 6 / 6 / 2011)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم