صحيفة المثقف

شيئ عن الصين وأمريكا، في رواية " أحلام الفرح " للكاتبة الأمريكية ليزا سي../ أحمد فاضل

التي تكتب لصحيفة لوس انجلس تايمز مشيدة هذه الأخيرة بالنسيج المحكم والثراء المعلوماتي والشخصيات التي لايمكن نسيانها في رواية " أحلام الفرح " التي كانت آخر أعمالها ، مع انها كانت قد أصدرت من قبل " زهرة الثلج والمروحة السرية " عام 2005 و " بنات شنغهاي " عام 2009 ، لكنها في روايتها الأخيرة استطاعت ان تنقلنا عبر ما يشبه الأوديسة - بحسب تعبير الناقدة رينولدز - الى فترة حكم ماوتسي تونغ الذي اعتبره الغرب من اكبر الأخطار التي واجهوها بعد تبنيه في خمسينيات القرن المنصرم مشروعا ارتكز على إنشاء صناعات صغيرة في الحقول والقرى ، حيث اجبر الملايين من العمال والفلاحين على العمل في هذا البرنامج الصناعي بمعدل سريع لتحقيق نتائج كبيرة.

 

ليزا سي تبدأ روايتها من داخل أمريكا حينما تكتشف " فرح " ان خالتها هي والدتها الحقيقية ووالدها الذي انتحر قبل اسبوعين لم يكن والدها وانتحاره هو الذي كشف لها كل الأسرار عندما جلست والدتها بعد الإنتهاء من مراسم دفنه لتخبرها بأن والدها الحقيقي يعيش حاليا في الصين وقد تركها منذ سنوات طويلة بسبب تعرضه لضغوط ما أسمته بالدوامة المكارثية المحمومة التي عانت منها أمريكا ، واتهامه بوجود صلات تربطه بالمنظمات الشيوعية دون اثباتات كافية تدعم هذه الإدعاءات.

 

بعد كل هذا البوح المحزن ألا يحق لها ان تبحث عن والدها الذي لاتعرف عنه شيئا منذ نشأتها في الحي الصيني بلوس انجليس عام 1957 ، هنا قررت فرح ان تستدين بعض المال من عائلة كوكي التي تقطن في نفس الحي وتربطها بهم علاقة قوية لتتوجه الى الصين بحثا عنه حاملة معها عنوانه القديم الذي تركه لدى والدتها حيث اقام في مدينة شنغهاي ليعمل رساما هناك ، لكنها ومع وصولها الصين في ذروة ثورتها الثقافية ، تخضع للإستجواب من قبل السلطات فتسلم جواز سفرها الأمريكي لهم ثم تحاول اقناعهم بأنها تريد الإنظمام الى تجربة الصين الجديدة بقيادة ماو ، هنا تعلق الناقدة رينولدز على ذلك الفصل من الرواية بأن المؤلفة ليزا سي ومن خلال تجربتها الواقعية في ذلك البلد العجيب والساحر تقدم سردا مذهلا لطريقة التعامل مع النساء هناك من خلال القيود الجنسية الصارمة بما فيها السماح للمرأة الصينية بإنجاب طفل واحد في حياتها الزوجية ، وكذلك الخدمة الإجبارية في التعاونيات وتذهب بقلمها بعيدا لرواية الجوانب الأخرى من الحياة اليومية التي يعيشها الصينيون في ظل تلك الثورة التي فقدت بريقها وسادتها فوضى كبيرة بحسب رأي الناقدة ، في هذا الوقت القصير من وصولها شنغهاي وبعد ان تخطت كل العراقيل الرسمية سافرت الى تلك القرية الصغيرة البعيدة نسبيا عن شنغهاي لتلتقي به أخيرا معلما للسكان المحليين هناك عن كيفية عمل الملصقات الفنية ، هنا تنجح الروائية سي في اضفاء جو من الحميمية واللهفة في لقائهما خاصة لدى والدها الذي تركها صغيرة منذ سنوات ، وهي تنام في حضنه لتعثر في ملامحه شبها عجيبا تقاسماه منه ذلك الإصرار بالأنفة من كل ما هو مغاير لإنسانيتها ، وبعد اقامتها معه وتعرفها على تلك الروح الجماعية التي تربط أهل القرية بعضهم ببعض تقع في حب واحد من صغار المزارعين فتتزوجه وينتقلان للعيش في كوخ صغير يتألف من غرفتين ، لكن حماسها يتراجع بسبب ذلك العمل المصني وقصص الرعب التي تعيشها الأمهات مع اطفالهن في مكابدة الحصول على الطعام الى جانب أشكال أخرى من أوامر التعسف الصادرة عن المسؤولين المحليين بحق سكان تلك القرية ، هنا تبدأ فرح بمقارنة ما جرى لأبيها في أمريكا حينما تعرض لظلم المكارثية وما يجري لها هنا في الصين من تطبيقات خاطئة لثورة ماو التي إنهار مشروعها مخلفا خسائر ضخمة تخطتها الصين بعد سنوات بعد ان دفع الشعب الثمن غاليا ، والرواية في النهاية تسلط الضوء على عدد لايحصى من القرارات الخاطئة التي مرت بها أمريكا والصين وانعكست سلبا على مواطنيها خاصة الذين أرادوا أن يغيّروا منهج حياتهم ، لكنهم يصطدمون بواقع مرير كانوا يأملون أن يعيشونه فرحا ، انها مجرد أحلام لأشخاص أرادوا تجاوز الزمان والمكان وتحدوا الموت من أجل الحرية.

 

عن / Los Angeles Times

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم