صحيفة المثقف

وانكبّت على وجهها دولة الأصنام

لكن إسألْ وستعلم أنّ كلَّ متظاهر في ميادين التحرير والحريّة هناك عشر أشخاص على الأقل يشاركونه آلامه إنّما ظروف حالت دونهم والتواجد في الميادين. إعمل حسابك: ثمانية ملايين متظاهر، وكلّ منهم يمثّل عشر مواطنين، فما هو العدد الإجمالي الحقيقي للمتشبّثين في ميادين التحرير والحريّة؟. ثمانية بعشرة يساوي ثمانين، ذا يعني أنّ ثمانين مليون إنسان عددهم، وبالتالي هم مجمل سكّان البلاد بنسبة مئة بالمئة. قد تقول لي أنّ حساباتي غائيّة وخاطئة، فإنّ الفضائيّات، وهذا معلوم، بثّت أنّ هناك جموعاً أخرى كانت خارج ميادين التحرير والحريّة تتظاهر مؤيّدةً للدكتاتور، وهذه الجموع هي من أبناء البلاد أيضاً، فكيف يستقيم الحساب ويكون عدد المتظاهرين ضدّ الديكتاتور يمثّلون أبناء البلاد جميعاً؟ (الإعلامي الأصيل لا الوكيل هو الذي يسأل أسئلة المواطن لا أسئلة المُعيَّن في المنصب العام) أقول لك أنّ أولئك المتظاهرين خارج ميدان التحرير والحريّة والعدالة والإنسانيّة كانوا يحملون عصيّاً وسكاكين وهراوات مختلطين ببعض الدواب، وبالتالي حتماً هم غرباء.

 

2- النجدة

فيما عبد الحليم خلف مكتبه في "الصحيفة" وأمامه أوراق وبيده قلم ويفكِّر اقترب المصوّر عبد السلام ملوِّحاً بالجائزة المصروفة وهي "شيك" بمئتي جنيه مصري (لم يهتم عبد الحليم) أسرعَ عبد السلام وقال: "أكتبْ، إنّه "شيك" سيثير شهيّتك على الكتابة، أنا لمّا رأيته شعرتُ أنّي أريد أن أصوِّر وأن أصوِّر إلى الأبد (رأى أنّ عبد الحليم لا يُريد أن يسمع) تضرّع وقال: "أكتبْ أرجوك، انقذ "الشيك" وانقذنا معاً".

 

رجع المصوِّر عبد السلام، لم يجدْ زميلَه عبد الحليم، سأل زميلةً عنه، قالتْ وهي ترمقه آسفة: "خرج وترك لك هذا الشيك" (اختطفه منها) وأيضاً، وهو يغادر كسيراً، سمعها تقول: "وهو يقول لك أنّه لن يكتب". قال والدمعة في عينه: "وا أسفي، إلى الإفلاس من جديد".

 

3- الهواء

سأله: "ما شأنك منحنياً على عجلة سيّارتي"؟. أجاب: "إنّي أتنشّق الهواء"!. سأله وهو غير مُصدِّق ماذا يسمع وفيما يلوح بيده عالياً: "وماذا كلّ هذا الهواء"؟. أجاب متسائلاً، فيما يلوّح بيده مثله: " أين"؟!.

 

4- نجاح فيديو كليب

وفي اليوم التالي تصادفا عند بعضِ الماء. قالَ له باكياً: "يا حمارَ الحمير، أنتَ حمار وأنا مثلك في الخَلق والخُلق، كيف طاوعَك ضميرُك أن تتسلّل وتغدر بي؟!. أعطني سكّيناً أريد أن أنتحر". وسمعَ رعاةٌ، وتسامروا بما سمعوا في العشيّات، وعنهم نقلَ ركبانٌ الى أبعدِ البلدان، وقامَ شاعرٌ نظّام، وشالَ وحطَّ وأنقص وأضاف وحملَ إلى ملحِّن عملَ مثله، ومعاً استعرضا المطربين والمطربات، والمغنّين والمغنّيات، والمؤدّين والمؤدّيات. ورسى العقْدُ أخيراً على غنّوجةٍ مِنَ الغنّوجات: فرعونية العينين، تفاحيّة الخدين، عبلية الزندين، مضمومة من فوق إلى تحت. وعملتْ فيديو كليب، وتشخلعتْ، وتأوّهتْ، وركلتْ كرةَ القدم، وقفزتْ بحركةِ كاراتيه، وعملتْ حركاتٍ سويديّة، وحقّقَ الفيديو كليب نجاحاً، وأكثر مَا انبهر به قادةٌ، ورؤساء، وزعماء، وملوك، وأكاسرة، وقياصرة، صلموا الآذان، وجدعوا الأنوف، وقطعوا الألسن، وثملوا العيون، وبتروا الأيدي والأرجل مِنْ خلاف، وأُمهِلوا، ولكنْ لم يُهمَلوا.

 

5- الفتى أبو جعدة

وذرفَ الذئبُ دموعاً جرتْ ساخنة على خدّيه مِنْ شدّة ألم ضيقِ ذاتِ اليد. وهبَّ سريعاً عقلُه وقال له: "يا حيفي. ذئبٌ وتبكي؟!. لو لم أعرفك منذُ نشأتِك لأنكرتُ أن تكون أنت هو أنت. ولو سمع العالِم الجليل داروين بحكايتِك لأمسك المفتاح "أصل الأنواع" ورماه بعيداً. أنتَ خسرتَ جولة لا الحرب. أليس لكَ أصدقاء، لطالما صدَقْتَهم وصدقوك، ونجَدْتَهم ونجدوك، وعويت لهم لا عليهم؟!. إعوِ وانظرْ ما سيكون مِنْ شأنِهم". وارتفعَ الذئبُ الأغبر على الصخرة. وعوى مِنْ فؤاد مكلوم عواء الإستنجاد. وهبّ صدى، وحملَ العواءَ وطارَ به مجتازاً سهولاً وجبالاً وغابات، حتى استقرّ في مسامع عصبة مِنَ الذئاب الصناديد، ليس فيهم خؤون أو رعديد. قالَ الفتى أبو جعدة: "حبيبُنا، وأخونا، وصديقُنا، يطلبُنا. والخبزِ والملحِ الذي بيننا لن يدري إلاّ ونحن عنده". وطاروا إليه طيرة نَسِر. وحقّاً لم يدرِ إلاّ وهم عنده. واحتضنَهم واحتضنوه، وبوّسَهم وبوّسوه، وأنبأهم بما جرى. وأخيراً قال: "ولا بدّ هو الآن يعمل ما يروق له ويليق به. يقضم بأسنانِه أزاهرَ الناحية، أو يجلد بسوط ذيلِه بعضَ الذباب الضعيف الجائع، والذي يقتات على بعضِ بعضِ بعضِه". وثارتْ ثائرةُ الذئاب ممّا سمعتْ. قالَ أبو جعدة، والشرر يتطاير مِنْ عينيه: "دكتاتور؟!. يجب أن نضعَ له حدّاً، وأن يكون عبرة لمَنْ يعتبر"!.

 

6- فايس بوك

كانت القاعة تغصّ بالحضور، وكانت العيون كلّها شاخصة إلى الصنم الذي أصبح البليونير الأوّل في العالم، ووقف شاب في الصفّ الأخير وسأله، وبيده ميكرو، عن ماذا يقول بشباب "فايس بوك" المتذمّرين، والذين يوجّهون انتقادات لاذعة؟ ابتسم الصنم غير مصدّق ما يسمع، فمن هم هؤلاء شباب "فايس بوك"؟ إنّهم حفنة من الرعاع الثرثارين. وأشار إلى الحضور الذين بدوا تائهين بين السؤال وبين الصنم الذي، ويا للعجب، يبتسم. قال وهو يُخفي ضحكة: "تجاوبوه إيه ده"؟. وكأنّما حبكت النُكتة، واهتدوا أخيراً، انفجروا ضحكاً حتى تفحّصوا الأرض بأرجلهم. وباقي القصّة معروف كيف تقدّم شباب "فايس بوك" الصفوف في الميدان، وكيف كانت الثورة، وكيف انكبّت على وجهها دولة الأصنام.

 

[email protected]

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1785 السبت: 11 / 06 /2011)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم