صحيفة المثقف

عراقيون ... ولكن بعد هذا الفاصل .. عرس الدجيل... واقعة الدم العراقي المجاني / وديع شامخ

ولكن الذي لفت إنتباهي هو تفرد أعضاء هذه العصابة بكونهم من خريجي الكليات والمتعلمين ولاسيما المتهم الرئيسي فراس حسن الدليمي الذي يحمل بكالوريوس في القانون والسياسة من جامعة بغداد وشهادة ماجستير في التاريخ من معهد التاريخ العربي وعنوان أطروحته " مدحت باشا ودوره في نهضة العراق "!!، وهو ناشط في منظمة حقوق الإنسان، ومسؤول لجنة متابعة شؤون السجناء، وله صلات طيبة مع أكابر الساسة وشيوخ الدين العراقيين!!.

 أعرف أن العراقيين لهم مع الدم والموت صحبة قديمة، منذ إسطورة خليقتهم البابلية وحتى تاريخهم المعاصر، فمن مَلك ُيقتل الى ولي عهد يُسحل و رئيس وزراء يمثل في جثته .. هكذا إبتدأ عصر الثورات في حياة العراقيين منذ العام 1958، ولاحقا أعراس الدم الثورية جدا والبعثية في الثامن من شباط 1963 الى عصر الحروب الطاحنة والحصارات الظالمة في مجيء البعث الثاني عام 1968 ولغاية الآن . والدم العراقي هو القاسم المشترك في كل هذه الحماقات السوداء. كما لا يغيب عن البال شهوة الرعية والرعاع وحميّتهما في السفك والقتل والفرهود انسياقا وراء محرضيها من الأحزاب والأيديولوجيات الدينية والطائفية في التنكيل العلني بالخصوم وحرق جثثهم وتعليقها على أعواد المشانق أو أعمدة الكهرباء، والاستحواذ على ممتلكات الناس في حفلة تطهير عامة أُطلق عليها إسم " الفرهود".

..........................

 

 القبض على الفرح

 سبعون عراقيا جَمعهم الفرح في زفة تتقدمهم سيارة العروسين "البي. أم . دبليو " البيضاء المزركشة بالالوان والبالونات، فيما يتقاسم بقية السيارات، خمسة عشر طفلا ينتسبون الى رجال ونساء تلك الزفة العراقية القادمة من منطقة الدجيل وهو في طريقهم الى إتمام مراسيم العرس.

 ُتوقِفهم سيطرة وهمية نصبها أفراد تنظيم دولة العراق الإسلامية وتذهب بهم الى طريق شاطىء التاجي شمال بغداد، وتحديدا الى " مضيف الشيخ محجوب وهو من عشيرة الفلاحات " ربما كان في ظن أصحاب العرس بانهم سيستضافون من قبل الشيخ العربي الشهم ! وكانت الضيافة عربية وإسلامية بأمتياز شديد!

 إقتادوا الضحايا السبعين الى "المضيف" ليتلقوا الإستضافة بعزلهم الى جماعات " نساء ورجال واطفال"..

 

دجلة الخير.. نهر أم مقبرة ؟؟

بدأ المجرمون بقتل الأطفال وبطريقة شنيعة جدا وذلك بربطهم بصخور كونكريتية والقائهم في نهر دجلة !

كما أن الرجال قد ُقتلوا بدم بارد بعد أن أعدموا رميا بالرصاص وتم القائهم في دجلة أيضا... يا دجلةالخير ؟؟..

وأما النساء فجاء دور الفحولة العربية والاسلامية المجيدة جدا لإغتصابهن .. نعم إغتصبوا النساء لتكملة الأجر والذهاب الى جنة عرضها السماوات والارض!

 ومن العجب ان هؤلاء الرجال وعلى سنّة القتلة لم يكتفوا بميزة الجهاد بل وميزة جهادية أخرى وهي القاء جثث النساء في نهر دجلة أيضا !

 

الرجال الصناديد لم يبق في حوزتهم غير " العروس وعروسه" .. تصوروا ايّة مأسأة يشهدها عروسان في ليلة الفرح .

 

 الجامع مكانا للإغتصاب

لم يكتف الشيخ العربي الهمام " محجوب" بقضاء فعل الضيافة بقتل الأبرياء من الأطفال والرجال والنساء بعد إغتصابهن، أراد هذا الشيخ العربي الهمام أن ينقل العروسين الى مكان أكثر قداسة وهو" الجامع"، وتم نقل العروسين فعلا الى جامع قرية الفلاحات " جامع بلال الحبشي". وفي سرداب الجامع جييء بالمفتي الجليل !!

وأصدر حكما شرعيا بإغتصاب العروسة، وهكذا وفي جامع الله !!.. نفذ ثمانية رجال أشداء من تنظيم الجيش الاسلامي فعل الاغتصاب بعروس أمام زوجها ..!!

أيّ سؤال نطرحه على الله الذي يؤمنون به.. وهو ينظر الى الضحية وهي تتمرغل بدمائها وحيامن مغتصبيها ؟

أيّ سؤال نطرحه على المفتي وعلى سنّته... وزوج الضحية يساءل الشرف العربي الرفيع ؟؟

 ومن الغريب ان المفتي الاسلامي لم يسترح لصراخ الزوجة المغتصبة وزوجها واقف ويشاهد الجريمة، بل أجاد في استنباط الحكم الشرعي وهو " قتل الزوج والزوجة والقائهما في نهر دجلة أيضا !!"

أنهر أنت أم مقبرة!!؟؟

وحتى يكتمل المشهد الدموي.. كما أشار سفاح الدجيل فراس الدليمي : إن القتلة قصّوا نهديّ المرأة ورموها في النهر!.

لماذا قصّوا نهديها، هذا من علم ربهم والراسخون في القتل وشرب دم الأبرياء!!

............

 

 

جوائز القتلة ؟؟

 إن التوصيف اللغوي للقتل تحديدا ينصرف الى " قتل النفس البشرية"أو في أجلّ اعترافات اللغة هو " زهق الأرواح"..وبما أن الروح البشرية ليست سوقا لدهاقنة الإمحاء للروح والجسد معا،فالكائن البشري لا يمكن ان يتحول هكذا فجأة الى قاتل شرس إلا ووراء ذلك التحول مرجعيات نفسية وبيئة مناسبة توفرها العقيدة الدينية أو السياسية وغيرها من العوامل ليكون الانسان مهيأً لتقمص هذا الدور الوحشي والسادي البشع .

ومن أمثال هؤلاء الذين ينتمون الى المنظمات الدينية الإرهابية فأن العلّة تكمن في النصوص المقدسة التي يؤمنون بها والتي تبيح لهم الإفتاء المجاني بقتل الأخرين دون التفريق بين بريء وغيره.. بين أطفال ونساء ورجال عزّل وبين مقاتلين في المعسكر المضاد!

إن الإرهاب الذي شهدناه وخبرنا شرّه في العراق جاء الكثير منه على يد منظمات دينية إسلامية ولاسيما تنظيم القاعدة، إذ كان قتلة أهل هذا العرس خير خلف للسلف الصالح الذي كان يقتل الناس بدم بارد وينكح زوجاتهم في نفس اللحظة كما حدث في قتل خالد بن الوليد لمالك بن نويره وإغتصاب زوجته في نفس اللحظة، كما انهم كانوا خير خلف للاقتداء بقادتهم الذين يحملون الشهادات العليا في الهندسة والطب وسواها من العلوم في تنظيم القاعدة خصوصا .

من هنا نستنتج أن الارهاب له حاضنة مخصوصة وله جنس محدود وله دين وله أتباع أشداء وعلينا أن لا ننخدع بفريّة أن الارهاب لا دين ولا جنس ولا له، كي يختلط حابل الدم بنابل الانسان العراقي .. ويهدر دمه الطاهر بالمجان .

هناك تفسير يقول ان هؤلاء الضحايا من أهل الدجيل دفعوا ثمن مقتل المقبور صدام حسين الذي حوكم واعدم على خلفية ما فعله بأهل الدجيل من واقعة مأساوية اندرجت ضمن جرائم القتل العمد ضد الانسانية . وهذا قول يُرجح وجهة نظرنا بأن القتلة ليسوا إلا كائنات مغسولة الدماغ بفعل مؤثر خارجي أخلصوا له وهو جائزتهم الضامنة سواء في حياة ماجنة هنا أو جنة هناك فيها من المسرات ما يعوض موتهم ان تعرضوا له من قبل سلطة الحق والقانون .

 

خاتمة

اخيرا أود أن أشير الى أن السيد حسن الشمري" وزير الأوقاف العراقي" الذي خرج يوم أمس بتصريح، يعلن فيه ان الوزراة سوف لن تتأخر لحظة عن تطبيق الحكم بعد اكتسابه الدرجة القطعية، وهذا شيء مهني و حسن يدل على احترام الوزارة لمسيرة القضاء العراقي في تعامله مع الجرائم والمجرمين، ولكن السيد الوزير كان سباقا الى نتيجة الحكم، كما انه كان ميالا الى رغبة خاصة في تنفيذ حكم الاعدام في موقع الجريمة .. الذي سوف يرجعنا الى شريعة الرغبة الشخصية في الانتقام وهذا ما لا يليق بنا ونحن نؤسس لبناء دولة قانون وعدالة .. دولة يحكمها القانون فقط . وليس رغبات آنية .

عندما ننصاع الى رغبة المتضررين فنحن نعيد دورة الصراع وشروط الغابة .

نحن نريد القصاص من الجناة وفقا للقانون، دون التورط في انتاج ممارسة مشابه لما فعله الجناة. لا نريد حفلة تطهير جماعية للتشفي لكي لا تستمر دورة العنف والثأر .

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1785 السبت: 11 / 06 /2011)

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم