صحيفة المثقف

موقف مجلس الرئاسة - حسابات سياسية أم نكاية بالمالكي؟

مجلس الأمن تشكيل لجنة تحقيق دولية، هو غير قانوني.

ماالمعنى من ذلك؟ بل مالذي فعلته الحكومة فيما لاينسجم مع القانون؟

هل بإمكان المجلس الرئاسي أن يبرر قتل شعبه بهذه الطريقة الي تقشعر لهولها الأبدان ؟ وخدمة لمن ؟ وهل يفهم من ذلك ان احدهم لو كان رئيساً للحكومة، فسوف يغض النظر عمن ارتكب أو ساهم بوقوع جريمة بهذه الحجم ؟ ومالذي يدعوه الى ذلك حقاً ؟

قبل عام تقريباً، إجتمع ثلاثي أعضاء المجلس الرئاسي في مصيف دوكان الشمالي وكان رابعهم رئيس آخر لاقليم يسعى للإنفصال وهو السيد مسعود البارزاني، يومها ابدى الأربعة خشيتهم من ان تقود قوة المالكي الى دكتاتورية جديدة، فالرجل قد مارس صلاحياته التي نص عليها الدستور كاملة، وترك للثلاثة هوامش هنا وهناك لا تحدد سياسية ولا تتخذ قراراً، اما الرابع، فقد وضح له انه لن يستطيع السير بمشروعه الخاص طويلاً اذا عاد المالكي الى ولاية أخرى رئيساً للوزراء .

للثلاثة مصالح اقتصادية وسياسية كبيرة في سوريا، وباستثناء حزنهم على الدم العراقي المراق يوم الاربعاء الاسود، فأنهم في اللحظات الاولى للإنفجار، ايقنوا ان المالكي انتهى لامحالة، وسيتلاشى بمجرد تلاشي الغبار الإنفجاري من مبنيي المالية والخارجية .

لقد طالب كاتب هذه السطور قبل حصول تلك الواقعة بإسبوعين، ومع تصاعد العمليات الإرهابية، وفي عنوان رئيس على الصفحة الأولى لجريدة ( خطوة – نحو الحقيقة )، طالب المالكي بالحسم أو الإستقالة، اذا لم يعد من معنى لسكوته سوى العجز او الخوف، وهومايفقده مبرر وجوده على راس الحكومة .

وكان ذلك واقع فعلاً لو صمت المالكي وتجرع الضربة على مضض، لكنه اتخذ الموقف الوحيد الممكن، الذي كان ينبغي ان يتخذه اي رئيس للحكومة بعد حادثة كهذا .

لم تكن الحكومة تستطيع اتخاذ الموقف اياه قبل الإنسحاب الأمريكي من المدن العراقية، اذ كان السوريون سيظهرون عندها ان ذلك التحرك ضدهم، قد تم بإيعاز امريكي للضغط على سوريا من أجل وقف دعمها ( للمقاومة ) التي تستهدف المحتل الامريكي، وستطبل سوريا وتزمر بإعتبارها رمز المقاومة وبطلة الصمود، أما في العملية الأخيرة، فقد وضح الاستهداف بشكل جلي ولم يعد امام احد مجال الادعاء بغير ماظهرت عليه الصورة .

لكن وعلى رغم الوضوح التي بدت عليه تلك الصورة، وجدت سوريا من يدافع عنها لحسابات محض داخلية لاعلاقة لها بالحقيقة التي اصبحت معروفة للغالبية العظمى من العراقيين، وهذا كلام ليس من الصعب اثباته، فلو قام أحد مراكز البحث المحايدة بإجراء استبيان عمن يقف وراء تلك العملية، لتبين رأي العراقيين بشكل يقطع في الجدال حول الداعمين والمحرضين، وبالتالي لايبقى عرضة لتعارض القول .

ومع ذلك، لم تطلب الحكومة ماهو خارج عن المألوف، السوريون يقولون ان لاعلم لديهم بوجود ارهابيين يتسللون من اراضيهم او موجودين هناك، وهم لايريدون الاعتراف بمئات الادلة الموثقة التي قدمت لهم، ما الحل اذاً ؟

الإحتكام الى طرف محايد يستطيع ان يؤكد أو ينفي .

ثم ان الحكومة لم تطالب بتسليم مسؤولين سوريين، ولاحتى مواطنيين عاديين، بل طالبت بتسليم عراقيين مطلوبين بمذكرات قضائية – بعضهم مطلوب حتى للإنتربول – وعليه فلاينبغي ان تعترض سوريا على لجنة التحقيق الدولية لو كانت حقاً لاتعرف بما يجري في أرضها، ذلك ما تفرضه البداهة التي لا تحتاج الى الكثير من الأخذ والرد .

لكن سوريا تعرف ماذا فعلت، وتعرف إن التحقيق الدولي اذا بدأ فعلاً، فسوف يدخلها في متاهات لا تحمد عقباها، اذ ان هناك قرارات دولية بخصوص الدول الداعمة للإرهاب قد يصل فيها الى البند السابع، ومع القناعات المتولدة في معظم دول العالم، بان سوابق سوريا وحكمها المخابراتي يؤهلها لدعم عمل كهذا ينسجم ورؤيتها الاستراتجية كدولة تبحث عن دور مركزي، وهي بعد ان فقدت عمقها الاستراتيجي في لبنان، تحاول التعويض عنه في العراق، وبالتالي استدراج عروض امريكية تؤهلها لدور طموح في المنطقة .

الثابت في الأمر، أن أطنان من المتفجرات ومئات الانتحاريين والسيارات المفخخة قد دخلت من سوريا، وقد كشفت صور الاقمار الاصطناعية وإعترافات عشرات الإرهابيين ممن القي القبض عليهم في العراق، أماكن معسكرات الإرهابيين على الأراضي السورية وأسماء ضباط المخابرات المشرفين على التدريب في تلك المعسكرات، وبالتالي فمحاولة تمييع الموضوع لاتسنده المصلحة العراقية العامة، هذا ما تظهره ابسط الحسابات السياسية واكثرها وضوحا، ولو كان الحدث في بلد آخر، لوقف جميع سياسييه حتى أشد المعارضين لحكومتهم مع مثل طلب التحقيق الدولي كحد أدنى، ولما سُمع صوت واحدا يمكن ان يبرر للآخرين حريتهم في دعم من يقتل شعبه، والا عد ذلك بمثابة خيانة وطنية عظمى .

اذاً بماذايفسر موقف بعض القوى السياسية وعلى رأسها مجلس الرئاسة ؟

لا جدال في ان موقفاً كهذا لن يخدم اصحابه انتخابياً، وهم قد ساهموا في رفع اسهم المالكي الذي ظهر بموقع (البطل ) الذي يدافع عن شعبه منفرداً ضد قوى الخارج وخصوم الداخل، وتلك الصورة ماكان لها أن تحصل لو وقفت تلك القوى، ليس وراء الحكومة، ولا حتى الى جانبها، كي لاتظهر بموقع التابع للمالكي، بل بموقع الموازي للحكومة مع استقلالية قرار واضح لايقطع مع احد، لكنه لايساوم احداً كذلك، موقف عقلاني يتمسك بالثابت الوطني من دون تفريط ومن دون تسليم أوراق للحكومة اذا كانت الحسابات الإنتخابية تقتضي ذلك، اما وقد اتخذ مجلس الرئاسة ذلك الموقف الغامض في مراميه وحيثياته، فقد ظهر كمن تلقى إشارة خارجية أملت عليه فعل مافعل، ولوخاض مجلس الرئاسة – مجتمعاً اومنفرداُ – سجالاً تلفزيونياً يتعرض فيه لإسئلة تطلب منه توضيح موقفه، فربما سيكون في موقف محرج لايحسده عليه أحد، الا اذا افصح عن وعد سوري بالاستجابة لطلب العراق تسليم المطلوبين وغلق معسكرات الارهابيين، عندها من حق مجلس الرئاسة ان يتباهى بانه حلّ المسألة بأهين الطرق من دون تعقيدات اللجوء الى مجلس الأمن، اما بغير ذلك، فموقفهم يصعب على التبرير .

وفي تحليل موقف كل من المسؤولين الثلاثة، يبدو الدكتور عادل عبد المهدي في موقع الخاسر الأكبر، اذ ان الرئيس جلال الطالباني ذاهب الى التقاعد بعد انتهاء ولايته، والهاشمي لم يتوضح هدفه بعد، وفي كل حال هو لايطمح برئاسة الوزراء القادمة حيث لا امكانية لذلك عمليا كما يظهره المشهد العراقي الراهن، أما رئاسة الجمهورية، فسوف يدخل في منافسة حامية تجعلها غير مضمونة بدورها، لكن السيد عبد المهدي وبعد اعلان الائتلاف الوطني العراقي الذي يضم قوى لها حظوظ لايستهان بها في الحصول على كتلة نيابية معتبرة قد تدفعه للمنافسة على رئاسة الوزراء، لذا فهو في وضع مختلف يتطلب منه الحرص الشديد في اتخاذ مواقفه .

أما وقد اندفع في موقف كهذا، فلابد ان تكون لديه دوافعه وحساباته وان كانت غير واضحة حتى الان ولايتوقع ان تتوضح بما يكفي أمام العراقيين اذا لم ينكشف مخبوء قد ينعكس ايجاباً على أوضاعهم، عندها ستتخذ الأمور منحى آخر.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1163 الاربعاء 09/09/2009)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم