صحيفة المثقف

العراق واليزابيت الأولى

 لقد تسلمت الملكة المذكورة الحكم بعد أحداث عاصفة اوشكت بها البلاد ان تدخل في أتون حرب أهلية طاحنة بين البروتستانت المضطهدين والكاثوليك  الحاكمين، وكان عدد كبير من قاسوسة الكاثوليك يحرضون الناس على محاربة (الهراطقة) أي أصحاب البدع كما كان يطلق على البروتستانت، حيث كانوا يحرقون أحياء بعد محاكمات شكلية سريعة يرأسها قساوسة الكثلكة .

كان جيش (اليزابيت) مفككاً وضعيفاً، ومستشاروها وأصحاب النفوذ والسطوة في بلادها، يتوزعون بين متآمر ومتخاذل وعميل، بعضهم يؤيد ملك اسبانيا- الطامع في مدّ نفوذه الى عرش بريطانيا -  باعتباره الأقوى والأقدر على حمايتها، والآخر يقف مع منافسه ملك فرنسا لأنه الأقرب والأجدرحسب زعمهم، بل حتى أمراء أسكوتلندا الساعين الى الإنفصال ،وجدوا من يؤيدهم كذلك في البلاط البريطاني، وكان كل من هؤلاء الطامعين، يرشو المحيطين بالملكة ويرسل مرتزقته لإيقاع المزيد من الفتنة بين شعبها الكاثوليكي / البروتستانتي بحجة الحماية ونصرة كل طرف على الآخر .

لم تنفع مناداة الملكة بأن الإيمان بالله واحد، فاتهمت بأنها من (الهراطقة) ومن ثم فهي تعمل على نشر مذهبهم في بريطانيا محاربة للكاثوليكية، وكان البابا يلقي بفتاويه المتواصلة لمحاربتها بلا هوادة .

كان موقفها عصيباً تنهار أمامه أقوى الارادات وأكثرها صلابة، لكنها لم تتخاذل،كما أنبرى لمساعدتها احد المستشارين الصلبين والمخلصين لبريطانيا، فألقى القبض على عدد من القساوسة المحرضين، في ليلة واجهت بها الملكة  مجمع القساوسة لتطالبهم باتخاذا قرار (التماثل) أي توحيد الكنيستين في كنيسة بريطانية مستقلة،وحينما ثارالبعض على ذلك متهمين اياها بالخروج عن سلطة البابا، اجابت بكل ثقة : من منكم يؤمن بأن يكون خاضعاً لسلطتين، ويكون مخلصاً لكليهما في الوقت والدرجة ذاتها ؟

وبعد ان نجحت في خلق كنيسة خاصة لبريطانيا سميت (الكنيسة الانكليكانية) كما تعرف حتى اليوم، رفضت كل عروض التحالف مع أي من دول الجوار، وأبت كذلك ان تتزوج من أي من ملوكها، فقصت شعرها والقت بتبرجها معلنة انها قد تزوجت بريطانيا .

بعد ان قضت على كل رؤوس التآمر ودعاة الفتنة بمساعدة رجالها المخلصين، جعلت من بلادها الدولة الأقوى والأكثر هيبة واستقلالاً بعد ان كانت عرضة لتدخل حتى سفراء الدويلات الصغيرة .

هل من داع للقول عن التشابه المثير بين مامرت به بريطانيا الأمس، وما يمر به العراق اليوم؟ مع فارق اننا انتخبنا حكومة يفترض ان نقف معها خاصة في القضايا الوطنية الكبرى، لكن (مجمع القساوسة وجموع المتآمرين والمتواطئين والمتخاذلين والمحرضين) مازالوا يبيعون ولائهم لهذا الطامع او ذاك باعتباره الأقوى والأقدر على الحماية، فمن يشّمر عن سواعده ويوحد العراق ليجعله كما يجدر ان يكون؟.

تلك هي المعضلة

 

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1165 الجمعة 11/09/2009)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم