صحيفة المثقف

بقايا حرائق الفكر والجسد في شعر رعد زامل

بعد حرق المراكب والغرق على اليابسة والانتظار على قارعة الألم والصبر على خباثة الدروب والصراخ في عنق الزجاجة من هذه المستهلات اخترق عوالم الشاعر الميساني رعد زامل بقراءة نقدية

 

من هنا اخترقت عواصف الشاعر رعد زامل شاعرا وناقدا بل التهمت قصائده التهاما غير مرسوم ومرئي ومعيني على ذلك النص اللهم اقسم باني لم ار الشاعر في حياتي بل طلبت توصيفا من طالبي الشاعر سراج فوصفه كما توقعته منحني الظهر خالط الشيب في ودقيه حيران متعب يطرح الأسئلة هنا وهناك ولكن من يجيب ونحن في غابة الجهل والأمية وأقول حرام وسدى أن يذهب الشعر الرائع أدراج الرياح وفي ميسان تنفلق القدرات وترسم القوافي محطات إبداعها فبالأمس ماجد الحسن واليوم رعد زامل

 

ثمة علائق تأخذني إلى اسماك رعد الغرقى في مدينته البائسة وهي الحداثة والتارسل والشكوى والبوح بالحقيقة لحد الكفر كما يقال وهو يكشف عن أسرار ضياع الهوية بين ارتال ممزقة وحطام دفين تائه لااجوبة بعده وقبله

 

عند إهدائه خاطبني قائلا أيها المبدع الجميل واردها شاكرا قائلا أنت المبدع الأجمل لهذه الشذرات الدافئة المرسومة على شفاه الألم والنائحة على مسلة النسيان فبدأت الصراخ طالبا النجدة(انجدوووني) هكذا مستهل ألمك وحزنك بل ثورتك الجامحةوانت تعترف بعظمة لسان صادق:

من سينجدنا

نحن الذين احرقنا

المراكب من خلفنا

وغرقنا على اليابسة

هذه قدحتك الشعرية تقول الكثير لا تحتاج إلى متفحص في عذابات وطن كتب عليه الحرمان ودفن شعراءه ورحل عن قبورهم بل تناسى متعمدا قيمة أقوالهم واطمئن يا رعد بان الشعراء لا يموتون أرواحا  وتموت الحكام مادمت لا تشهر مخالبك للأرانب المرعوبة وهي تدرك أن صحراءك بعيدة طويلة لا مهرب من السير في ظلامها المرير

 

ثم تنوه منكسرا قلبك طاويا جراحات قلب اتعبه الهم والغم والحيرة متمردا على واقع لبس ثوب الهروب وتنحى عن مدينته الفاضلة بل طوى مدائن الشعر والقاها في مهب الريح والتهى يعلك بالخطاب السياسي الذي سيتحول يوما الى رغوة صابون غير نافعة ولم تكن شاعر صنعة يسطر الخواطر ويسميها شعرا فلك معدتك الادبية ولم تكن قصائدك جلها اصداء فارغة بل اصوات حية في ضمائر الشرفاء ابداولا اسميك تسمكية ولا اعطيك لقبا غير الشعرية التي تعيد للالفاظ الحائلة رونقها الاصيل وما تنقلك من قصيدة الى قصيدة موجزة ومكثفة الا دليل الشاعرية وحركية الشعر واجدك بعيدا عت التوتر الشعري وبعيدا عن الشعاراتيه واللافتات والمناسبات فشعرك شعر يولد شعرا ينبعث من عمق المرايا فتهشم المرايا بعد انبعاث دخان كثيف فلك فصل في المرايا ولك غيوم منتظرة ودامية ووصية ثكلى واناشيد مخطط لها وحدائق ساخنة وهدهد بار انت مفكر جاد وشاعر رسام قبل النظم فقد عبرت نظم القصيدة وبدت جروحك تهذي وغليانك ينفجر ومستهلاتك قوية جدا وهذا دليل على الشعرية فتنويهك حقيقي بارز عن مخالب بشرية في وجه الأرانب المرعوبة وصحراء حزنك لانهاية لها تسير لوحدك وتصلي صلاة عذراء لا مهرب من الغفران ولكن الذئب بانتظارك حتما فات البحتري الذي لقي ذئبه جائعا في العصر العباسي وها أنت التقيت به ثانية ناسخا جلدا ونفسا شعريا لتقول الكثير في نص مهذب وفي قصيدة طفولة تبوح بذئبية الوطن والناس حين تتذكر طفولتك العرجاء المحرومة من كل الآمال والأحلام فالتجأت إلى العزلة والحق معك فالذباب البشري يلوث الذاكرة فلا تتحسر وتصدم أبدا فالضجيج لا تخلعه من راسك مادمت حيا ولكن أقف مبهورا أمام نصك الرائع إسقاطات :

ترى بما ذا

تكهن أبي

قبل أن يقذفني

في سلة المهملات

ترى لماذا غيرت مسارها الرصاصة

 

اقول ايها الشاعر دعني احكي لكم حكاية حصلت بيني وبين الشاعر العملاق حسين مردان في بداية السبعينات عندما اخذت ديوان شعري زوارق الاحلام لتقويمه وابداء رايه وكنت انذاك في بغداد وهو يعمل في الف باء فدخلت ولقيته صافنا وسيكارته في يده فقلت أستاذ حسين أنا شاعر من البصرة فاستغرب بل تكهرب عندما سمع كلمة شاعر فحدق بي ومسك الديوان وقسمه الى قسمين وألقاه في سلة المهملات وقال اكتب والق في سلة المهملات ومن هذا الشاعر تعلمت درسا كبيرا حتى الان حتى وجدت أباك الجليل يتكهن بهذا الفعل المرداني اما الرصاصة التي غيرت مسارها لم تكن غلطتك وليس قنوطا وشكوى بل انها الحقيقة الواضحة التي لا تحتاج الى جدل لماذا القنوط:

الإنسان يدفن رأسه في التراب

المآذن تدفن صوتها في التراب

النخيل لا يدفن شيئا

 

هذه مقاربات شعرية رائعة تنتج من شاعر مجرب لا يعطي سببا للحرب فقط ولا يطلق عاره على نعامة تخفي رأسها وجسدها كله بارز للعيان انه العار الميثولوجي أنها الكارثة الزمنية التي فرضت القيود على الشعراء وأعطت الجهلاء أكثر من استحقاقهم فماذا يفعل رعد والسمكة الحياة تهرب من مياهها والمدعو رعد زامل يفتح النافذة ويتسلل غلطا من نوافذ الخوف

ثلاثة قرروا الهرب

في اقرب صباح طازج

 

عندما يناديك قف تلوذ بالفرار لان قضية رفضك الواقع المرير حقيقة وجريمة تحاسب عليها وتحسب ضدك تهمة ثقيلة لذا تتسرب إلى مراياك ضاحكا:

 أحدق في المرايا

واضحك على انعكاس الدموع

 

فحين يهبط الشاعر من بطن امه يهبط الشرطي لمحاصرته ومعاقبته هذه كلها مناورات شعرك الرفض والاحتجاج فلن تستطيع ولم تمسح غبار الحروب كما لا تمسح غيوم الجهل والفكر الميت والسذاجة منقطعة النظير في بلد وضع قوانين حمورابي ولا يطبق منها واحدا بل تركها في سلة المهملات

 

ان شعرك أمطار ربيعية غرقت في أفنان خريف معتم ويبست في شتاء قارص وسافرت في صيف لا غيمة تصدق فيه مطر كذاب وغيوم جهام وبيادر جافة وانهار ظمأى وسفر محترق قولك

أرى القلب وهو يشحذ شرايينه

في خندق العاطفة

 

لقد وصل سرطان الزمن إلى قلبك فثمة معارك ضارية تدور رحاها في هذا االقلب الكبير يأكل الضعيف وأنت لا تسكت يا رعد بالرغم من قولك أقف في الحياد ولن ترفع راية الاستسلام :

أرى الليل يا صاحبي

تحت راسي ينام

وقد جف دمعي وسالت بقايا الكلام

هذا شعر خلاق وإيقاع اخلق وأروع

لماذا نخون الحقيقة

ونعوي بجوف الظلام

لماذا تخون المرايا

فلا تعكس الآن هذا الحطام

تلك الإشارات والتساؤلات لا تحتاج الى إيضاح وقولك:

لماذا الى الموت نمضي

قطيعا وراء القطيع

 

هكذا تنقل عذابات وشجنك مطعمين بالصمت والحيرة وعدم الإجابة(ولكن لا حياة لمن تنادي)

وللفقراء شجن خاص عندك يا رعد الشاعر وأظلمك أن قلت غير الشاعر

 :غيوم تمطر القبعات

فتسقط على رؤوس الفقراء

أنها تمطر قمحا

فيسقط على جياع أفريقيا

 

وفي مدار قصيدتك انتقالات ذهنية فلا تعني الفقراء في أرضك بل سافرت إلى جياع أفريقيا تحمل همك الإنساني وفي حينها تترنح أوربا بالخمرة والرصاص من حصة رؤوسنا الخاوية بكرسي السلطان وتقبيل يد الخلفاء فهل من متنبي جديد يرفض الانحناء لسيف الدولة وفي غيومك الدامية لغة شعرية كبيرة وتساؤلات بل انت حقا شاعر التساؤلات والتوقعات والصور المكثفة وأنت سيابي جديد ترصف الذاكرة شعرا :

لابد أن احدهم قد طعن القمر

 هذه صورة جديدة لك

أو أن الطيور بكل سلالاتها قد ذبحت في الأعالي

 

والا بما ذا تفسر هذي الدماء أليس على الشاعر أن يموت شهيدا من اجل شعبه وقضيته ومعركته و كل الناس يكتبون الكلام وليس كل كلام شعرا

 

والشاعر عبد الأمير جرص الذي حرمته الحياة وأضاعت حقه وشاعريته وهو أسطورة ميسا نية وعروة ابن الورد زمنه الكئيب لذا بادرت تقطع خيبتك مناصرا جرص وعبد الرزاق وقبلت بأنفاق شعرك وعطاءك لأطفال الجنوب

نعم الإهداء هذا ونعم المهدي لهم فليس اثمن من الشعر الصادق

 

وما أروع سردك القصي في أناشيدك الثكلى تقص عن الشجرة حديثا وهي شجرة خضراء بترها البرابرة وساهم الأبله الخريف في حمل جنازتها سدى وفي نشيدك الثاني غريق مثل قنينة تطفو على العدم تتقاذفها الأمواج تغرق في سواحل الخوف والجوع أليس هذا وصفا للحرمان والدليل قولك:

غرقى ولا احد

يسمع صراخنا

هذا الصراخ الذي ينبثق

 على الرغم من حناجرنا

المطلية بالصمت والطحالب

 

هذه قسمة الشعراء فأنت عراقي حسيني لا تصرخ يا رعد انه الصبر طريق النجاة

فالرب أوصى بشره بالصبر (و أوصيناكم بالصبر)

 

وكم أعجبني نصك أستاذا وشاعرا وناقدا متمرسا في تصيد الصور وأقول أجمل نصوصك الشعرية هذا وقد قرأته في القاعة مستعجلا ولعنت حبيبي سراج طالب الماجستير الذي أثقلني بهمك هذا:

من اجل أخوة

زرعوا أيامهم

ولم يحصدوا شيئا

أقول ذهب أبي

يشتري قمحا

كي يعيد للعائلة مجدها

ولما رجع

وجد أن الأرضة قد أكلت أواصر العائلة

 

ليقل الشاعر ليصور ليقتبس من يوسف قصته فكرته لا يهمنا الاقتباس أو النقل ولكن الأحلى هذا الربط الأخير للنص كيف يحسم الشاعر قدحته الشعرية ويوفق فيها لو حسبنا عد كلمات النص لاتتعدا 26 كلمة ولكن كم فيها من كلام وتأويل ورؤى

والانكى من هذا قصة الحقيبة بين ألام والأب كيف يحفظ الإباء أبناءهم أنت شاعر تشبه رشدي العامل في محاكماته الأسرية لأطفاله ولوعتهم فما تكاد تقرا نصا له إلا وركز على الهاجرة زوجه او الراحل ابنه وهكذا رعد زامل يثير الانتباه الى تكوين الأسرة فهو ميساني ولد وتربى على قيم أسرية متصلة ولعق من شجرة العائلة أخلاقه فقد غرقت العائلة بالغم من ابيه الربان وأمه الناشره عباءتها للريح ليس بسبب البحر ولكن قرصنة الجيران هي السبب

هذا شعر يفكر فيه الشاعر لامدح لهذا ولا ذم لذاك

 

أما ربة الشعر فلم تكن شيطانا بل أنثى وأنت تستغيث لتنقذك من السراب :

خذيني يا ربة الشعر

فانا خائف

الهث أمامك

 

ولكن لهاثك يحمل روحا صامدة أمام الريح والعواصف ومازال صقرك اشد ضراوة من هذا السرب فهنا تلاقحات أبي ريشه في صقره السجين

وهذه حدائق جدك المزروعة بالبطيخ تحولت إلى جماجم وامتلأت سلالك بالعظام ولكنها عظام أخيك الطفل الذي ألقاه فرعون في اليم

فلماذا أفسر هذه الرؤى وهي تتحدث قبلي عن مفهومها

 

اما الأسماك التي حاكيت بها الشاعر الكبير المجدد حسب الشيخ جعفر فهو جنوبي نام على القصب ومع الحرمان أصبح اشهر من قائد عسكري كبير يموت في عمره الخدمي ولكن حسبا شاعر لا يموت فلا تنتظر غودو يا رعد فان أسماكنا ستولد ثانية وتسبح في أحضان شطنا المسكين وللمخبرين أمس ثياب جديدة في عصرك فإنهم ثعالب فلماذا تصر على تحرير الشجرة الأرض والوطن من قبضة الجفاف

ومادمت تعلم ان مدنك قد شاخ فيها الأمل فلم تنس أشجارك والطيور تعدم وينزف النهر أمواجه كعجوز تشق طريقها بعكاز

 

اقبل أيها الرسام الشاعر بقدرك ولا تقرب من امراج الخيبة فتلقيك على ساحل المرض فقد وصفك لي سراج متعبا شيخا وأنت ولادة الستين فماذا تراني أنا الآن هل اترك مناجاة المقبرة كما وصفت هاملت الشكسبيري والعسس تحاصره كل يوم وهو يموت في مدينة مزروعة بالمخالب

وكم أعجبتني بل أدهشتني في مناغاتك الطبيعة التي هيمنت على نصك (طبيعة جامدة اشجار تجوب الشوارع- تطل على الصحراء   ان الشمس أضربت عن البزوغ–أحر الشجرة-ليس لان البحر-في هذا الوادي السحيق)وطبيعة متحركة (انظر الى الحمار-والديدان تزحف نحوي-يدسون الحشرات في أذني-تلك الفراشة التي همت بها-رائحة عصافير ميته-دعوت الذبابة- ايتها الذئاب

كل شيء يتحرك في نصك والمجازات تتراقص كالغصن في مهب الريح فبدلا من اغماضة عينك تغمض فكرتك وبدلا من قمة الأرض قمة الألم وبدلا من جناح الطير جناح النشوة وبدلا من صداع الرأس المعروف صداع الروح وبدلا من اخضرار عشبك يخضر دمك وبدلا من ركلة وضربة في ظهرك ركلة بقسوة  وبدلا من تفقيس البيض تفقس الأمل وبدلا من التمرغ بالتراب تتمرغ بالحزن

كلها محسوبة إليك في مجموعة تستحق الدراسة والتأمل حقا وكم كنت أتمنى عليك لو فكرت بالعنوان قليلا فقد أوحى لنا الكثير في مستهلاتك ولو تركته قصيدة داخل المتن أولى وأجمل واخترت عنوانا يحمل ثقل قصائدك فلن نفاجى بمبادرتك الرافضة للواقع أنقذوا أسماكنا من الغرق فالأسماك لها النهر والماء كيف تغرق فثمة اسماك مرمزة تسبح في فضاء الحرمان والعزلة

واجدك تخلق نصا شعريا كبيرا يستحق الوقوف عنده وهل تصدقني لو قلت لك اني قرأت مجموعتك بساعة وكتبت هذا البحث بساعة اخرىوالذي يعجبني فيك لغتك الصافية التي غلبت عليها المسحة البودليرية وأظن اختصاصك في اللغة الإنجليزية قد زرع في داخلك هذا الهم الغربي

 

ويبقى شعرك مشروعا نقديا في قادم الأيام وما انا إلا كحاطب ليل يرى ما يراه في هذ1ا الظلام الدامس والبحر العميق الشعر

وأبقى أقول محبا للشعر-ان شعرك للنخبة من المثقفين أما المطالع والهاوي فيحتاج بعد الىسفر طويل كي يفهمك

وقد كان المكان عندك حيزا يفرغ حدوده ولكن الحدود قد تخترق لدى ناقد متفحص وثمة درجات للمعاناة والحساسية المفرطة من الأذى لا يشعر بها إلا من قرصته الحياة وألقته الدنيا على جدار النسيان فثمة نواة خفية وثمة حدود وثنائيات غلبت الآخرين بها طفحت على مسارات قصائدك وأنت تبحث عن الإنسان الذي وصفته في شعري:

لا يخدعنك المرء تنظر ثوبه      فتراه يرقص في ثياب حداد

وتراه في ثوب الحسين ملفلفا   وبكفه الأخرى سيوف زياد

 

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم