صحيفة المثقف

غرباء ياعيني نموت وقطارنا أبداً يفوت (1) / عبد الاله الصائغ

صورتان /كتاب سلاما ياغريب لعبد الغني الخليلي ثم عبد الغني الخليلي واضعا يسراه على خده

الموسوعي المبدع جعفر الخليلي صاحب موسوعة العتبات وهؤلاء عرفتهم ورائد القصة العراقية / صورة

صور /المبدع الشامل الاستاذ محمد سعيد الصكار ثم الكاتبة مي زيادة ثم الشهيد الدكتور حسين مروة 3 ثم الشاعر المبدع خلدون جاويد .

 صورة / المناضل الاسطورة الشيخ عباس الخليلي احد القادة الميدانيين لثورة 1918 حكم عليه الانجليز بالشنق حد الموت مع رفاقه الشهداء كاظم صبي واولاد الشيخ راضي ونجم الدليمي (البقال) بعد ان ثبتت عليهم تهمة اغتيال حاكم النجف الفيلد مارشال وهرب قبل تنفيذ الاعدام بساعات ووصل الى ايران مشيا على الاقدام ينام في النهار ويمشي في الليل ودليله النجوم وفي ايران علا نجمه بحيث تبوأ مناصب دبلوماسية رفيعة وعمل سفيرا في اثيوبيا فاحبه الامبراطور هيلاسيلاسي حتى قيل انه كان يزوره دائما في دار السفارة الايرانية في عاصمة بلاده وفي الصورة يرتدي ملابس هيلاسيلاسي بناء على رغبته ! حاربته ايران وقررت طرده فارسل في طلبه جلالة الملك فيصل الاول فعاد الى العراق وافرد له الملك غرفة في قصره الابيض انظر مقالتنا في بيت الخليلي .

صورة / مدرسة الخليلي الشهيرة غرف لاقامة الطلبة والاساتذة الغرباء وقاعات للدرس وسراديب للوقاية من الغزوات والقيظ النجفي المهلك هدمها صدام حسين ومعها كل حي العمارة التاريخي كان احد اساتذتها شهيد الفكر التنويري التقدمي الشيخ الامام الدكتور اليساري حسين مروة .

اولا / رسالة من بيروت ابردها المهندس عبد الاله حسن الخليلي

الاستاذ الفاضل عبدالاله الصائغ تحية تقدير ومحبة . قراْت بمتعة ما كتبته لابن العم د عبدالهادي الخليلي , منذ امد بعيد!! وبعد 2003 كنتُ من المتتبعين لما تكتب وبالاخص لرصدك ممارسات ساستنا وبحس وطني مخلص تنتقد فيه الممارسات السلبية لمعظم هؤلاء (بعد التحرير !!!) والتي كانت ولازالت سبب الخراب والتخلف الذي نعيشه الان ! استاذي الفاضل لقد نشاتُ في بيئة جنوبية وعلى ضفاف الفرات(مدينة السماوة) ولم يتسن لي الا بعد انجاز مرحلة الثانوية ان التقي بأفراد اسرتي المبرزين في بغداد والنجف وعلى راسهم عمي ووالد زوجتي الراحل جعفر الخليلي في تلك المرحلة كان يصدر جريدة الهاتف الادبية اما في النجف فقد كان من اهم افراد عائلتنا المرحوم الشيخ محمد الخليلي صاحب موسوعة معجم ادباء الاطباء-هو جد العالم النووي د نجم الخليلي - برفسور في جامعة سري -رغم نشأتي العلمية البعيدة عن الادب والشعر الا انني اجد المتعة بمجالس ومؤلفات ومكتبة المرحوم العم ابا فريد ومنه علمت بجذورنا الادبية والعلمية والتي تنبع من بلد الغري الزاخر بالادباء والشعراء وعلماء الدين-احد اجدادنا ساهم في ثورة المشروطه بايران اواخر القرن التاسع عشر- وكان من احد المراجع المبرزين لقد شجعني ذلك على تتبع اثار الاسرة من خلال تتبع نشأت المدارس الدينية لال الخليلي التي كانت تتصدر محلة العمارة بعد نهاية عقد (زقاق) السلام باتجاه الصحن فبالاضافة لاحتوائها على طابقين لغرف الطلبة الا انها تحوي على سرداب بثلاث طبقات يكون ملجأ للطلبة من حر النجف وفي الطبقة السفلى قبور اجدادنا- لقد ازيلت المدرسة لاحقا بعد ازالة محلة العمارة بالكامل نتيجة قرار صدامي همجي واحتفظ بصور داخلية لها بعد تتبع اثار الاسرة باشرت باعداد شجرة العائلة مستعينا برؤوس الاقلام التي زودني بها المرحوم العم جعفر الخليلي وذكر لي المصادر التي ينبغي ان اراجعها لاخذ المعلومات عن اسماء الاجداد وتحصيلهم وانتاجهم الثقافي وذكر لي عشرة مراجع على راسها ماضي النجف وحاضرها لجعفر محبوبة واعيان الشيعة للسيد محسن الامين واكتشفت كنزا من المعلومات والاثار الادبية لبعض افراد الاسره في العراق وايران - وعلى ذكر ايران فان الراحل عباس الخليلي الذي كان من المجاهدين الذين تصدوا للاحتلال الانكليزي بثورة النجف عام 1918 والتي اشعلت شرارة ثورة العشرين وبعد هربه الى ايران تقلد مناصب رسميه كسفير لايران في اليمن والحبشة فقد ختم حياته بتاسيس جريدة اقدام - وقد تسنى لي لن التقيه رحمه الله وهو موسوعه لوحده فان شاعريته تظاهي شاعرية الجواهري الا انه مقل وقد تفرغ في اواخر ايامه للتاليف والترجمة - انجز ترجمة الكامل لابن الاثير الى الفارسية !. عزيزي الاستاذ عبدالاله الصائغ لقد عشقتُ النجف مبكرا رغم اني لم اولد فيها الاانني وجدت في شخصك الكريم عشقاً لهذه المدينة وقد تسنى لي في فترة السبعينات ان اساهم بمشاريع انشائية للنجف فتعرفت من خلالها على طبيعة هذه المدينة المميزة بالعلم من خلال تركيبها الجيولوجي وسراديبها وانفاقها الكثيرة تكاد تكون المدينة الوحيدة في العالم التي تمتاز بان منشئاتها تحت الارض تفوق منشآتها فوق الارض وان المعلومات التي امتلكها ربما تؤسس لعمل موسوعي جبار بدأه المرحم العم بموسوعة العتبات المقدسة وقد انجز منها 13 جزءاً وخصص للنجف جزءان ولم يتسن له اكمالها امل ان تكون على هذا الدرب لاسيما وان الكوكل يوفر كل المصادر المنشودة .اعتذر لك عن الاطالة وهي فرصة ثمينة لي لاخاطب قامة ادبية رائعة

[email protected]

 المهندس عبدالاله حسن الخليلي- بيروت

2012/1/28

ثانيا / ايميل من البروف عبد الهادي الخليلي

أخي الأكرم عبد الاله الصائغ دمت بخيرشكرا على مشاعرك النبيلة الانسانية والوطنية و دمت باسما ان شاء الله وستبقى العلم المرفوع المرفرف بشموخ وزهو وتقدير وعرفان بشخصك وبما قدمت. أخي الصائغ أنعم الله عليك بتمام الصحة ! تألمت والله ومن كل قلبي حينما تلاقينا عند مغادرة الدائرة هذا اليوم ودعوت الله أن يرفع هذه الغمة عنك وتتوفر لك سبل الاستقرار وصفاء البال كي تتحف الجميع بمخزونك الثر من العلم والمعرفة رعاك الله وسلمك من كل سوء . إن عبد الغني الخليلي من أروع وأرق الناس الذين عرفتهم وياليتك كنت قد تعرفت عليه هل قرأت كتابه سلاما ياغريب؟أقترح الاتصال بولده الاستاذ الدكتور فارس الخليلي أستاذ الطب في جامعة كارولينسكا في استوكهولم في السويد وأنا واثق أنه "سيطير" من الفرح لاتصالك به دمت بأحسن حال [email protected]

[email protected]

عبد الهادي الخليلي السابع والعشرون من جنوري 2012

[email protected]

ثالثا / بصوت الاستاذة فريدة جعفر الخليلي عمان الاردن

كان البروف عبد الهادي الخليلي زميلي في الابتدائية قد طلب هاتفيا الاستاذة فريدة جعفر الخليلي المقيمة في عمان الاردن وقال لها ان عبد الاله الصائغ الى جانبي فقالت له – والصوت على السبيكر – لطفا دعني اكلمه فكلمتها فبادرتني بالقول انها ممتنة جدا لجهود عبد الاله الصائغ وانها قرات كل ما كتبه في اعلام بيت الخليلي بل انها تقرا للصائغ جل كتاباته في اعلام العراق وبخاصة النجف وكتاباته في الشأن الوطني وكنت قد استأذنتها بتسجيل كلامها فرحبت بذلك وكنت استشعر حميميتها وقد طال الحديث بيننا وكانت معي في منتهى الظرف واللياقة اسالها فتجيب واذا تعذر عليها الجواب اعتذرت وقالت دعني استحضر وثائقي! وقد طلبت اليها معلوماتها عن الفقيدين عبد الغني الخليلي وعمه جعفر الخليلي فكانت تجيب بعد ان تختار الكلمات الواضحة غير الملتبسة ! بل تشجعني على الاسئلة !! الاستاذة الكبيرة فريدة ابنة جعفر الخليلي وابنة عم عبد الغني الخليلي صاحب الترجمة اطال الله في عمرها المديد وعافاها واغناها ورقق قلوب العراقيين حكومة وشعبا ليتساءلوا كيف لاديبة عراقية مسنة ان تحنوا عليها القلوب الاردنية الشقيقة وبخاصة عائلة الفقيد الكبير روكس بن زائدة العزيزي الذي خصص لها قطعة ارض وجعلها تبنيها على رغبتها وفاء وبرا باصدقائه الخليليين عباس وجعفر وعبد الغني ؟! ولا تلتفت اليها اللجنة المكلفة بتعصيم النجف ؟؟ اين الفيض العراقي والمروءة العراقية ولا نقول اين واردات نفطنا المهدور من مبدعينا الكبار وشظاياهم في كل بقاع الدنيا .

رابعا / عرض الموضوع

قبل عرض الموضوع ارسل تحية اكبار لمجلة الموسم في هولندة

النجف كما اراها ----------------------

لو سألتني ما النجف ؟ لأجبتك النجف بأهليها ! من يختار الاقامة تحت ارضها ومن يكابد الاقامة فوقها ! النجف بمدارسها ! والمدارس في النجف مجالس ! والمجالس بأقطابها ! واقطابها بعوائلهم !! اذن النجف عوائل وبيوتات ! والعوائل تشتهر عادة بقبائلها مثل بيت الحبوبي والجبوري والأعسم والمخزومي والوائلي او بأمكنتها التي انحدرت منها مثل بيت شعبان والشرقي والرفيعي والقزويني او بفضلها الذي امتازت به مثل بيت الجواهري والرحباوي والشريفي و الفضل او بحرفها التي شهرت بها مثل بيت المطبعي والشرع والحداد والصائغ او بانزياح القابها عن اصلها مثل بيت الخليلي والشبيبي وجريو ومرعب والزكَرت اوبتصالح الناس على تسميتها مثل بيت محي الدين وفرج الله وسميسم والبلاغي وأصيبع والحديث يطول في هذا يامولاي القاريء والذي اعرفه هو ان بيوتات النجف (كانت) تتسابق فيما بينها عند ميقات الفضل ! والفضل ليس الكرم المادي حسب بل يذهب بي الظن ان الفضل قرين الكرم المعنوي ! فمثلا بيت الشرقي نساء ورجالا وهبوا العراق افذاذا من زعماء وشعراء وفقهاء وبيت الشبيبي منحوا العراق فقهاء وشعراء ومناضلين وبيت الخليلي قدموا للبلد كما ونوعا من العلماء المبدعين اطباء ومؤرخين وشعراء ومناضلين ! وبيت الحبوبي جادوا على البلد بالعلماء الافذاذ والمناضلين الاشداء والشعراء الكبار وبيت الطريحي جادوا على النجف باعلام في التوريخ والسيرة والطب والظرف والشعر ! وليس من خصيصة هذه المقالة التوقف عند كل البيوتات وجردها فقد نهد بها غيري من خيرة الكتاب المختصين بشرفية النجف ! لكنني كتبت في بيت الخليلي ابتداء من المناضل الاسطورة بطل ثورة 1918 عباس الخليلي وثنيت بشيخي وصديقي رائد القصة والمؤرخ الموسوعي وكاتب السيرة جعفر الخليلي ولعل الطبيب الجراح العالمي عبد الهادي الشيخ صالح الخليلي كان ضنيا عليَّ بكنوزه واشعر انه قليل الحماسة وانا اورخ لعائلة الخليلي ربما بسبب من اننا من جيل واحد واننا زملاء ابتدائية مدرسةابن حيان في الكوفة ! بيد انني لم اغفل الشاعر الناثر المبدع في فني السيرة والرسائل عبد الغني الخليلي ولا الاستاذة القديرة فريدة جعفر الخليلي ! لسبب يجهله سيدي القاريء ففي هذه الايام وجدتني بحاجة الى مراجعة نفسي وجدول اعمالي بل في الحقيقة بحاجة الى انيس ابكي قبالته وانشج فلا يسخفني او يشمت بي ! الشعر ما طاوعني ولا النثر استجاب لاصابعي ولا صحبة الاصدقاء تؤنسني ففضلت اللبوث في شقتي المعلقة بالطابق 13 واذا كانت عادتي المحببة هي في ان اصفف كتب مكتبتي تناولت مجلة الموسم الغراء ! المجلة التي تستحق ارقى جوائز واجازات التكريم وما كانت الموسم لتكون لولا عصامية صديقي وابن صديقي الاستاذ محمد سعيد الطريحي نجل الصديق العلامة محمد كاظم الطريحي وحفيد العلامة المشهور بالتوريخ الشعري الشيخ كاتب هي ذي اعداد مجلة الموسم المتوفرة في مكتبتي التي رافقت غربتي من ليبيا الى صنعاء الى ولاية يوتا الى ولاية جورجيا الى ولاية مشيغن الى ولاية فرجينيا !! ماضرني لو تناولت من مجلة الموسم العدد (العددان 23-24 للعام 1995 صفحة 165- 200) نعم وجدتها فهذا عنوان باذخ (خليلي الاثير عبد الغني الخليلي من مذكرات عبد الغني الخليلي) حتى ليمكنني القول ان مرجعي الاول هو مجلة الموسم ومرجعي الثاني هو كتابات عبد الغني الخليلي وما كتبه الكتاب العراقيون الوفياء فيه ومرجعي الثالث صديق طفولتي الجراح البروف عبد الهادي الخليلي والرابع هو المؤرخ الثبت رحيم الحلي .. وعلى هذا المجري هلموا معي ليقضي الله هما كان مفعولا . إذا غاب بيت او زقاق عن العيان فذلك ممكن مع لوعة الغياب !اما ان يختفي جبل بارتفاع عبد الغني الخليلي فذلك امر عسير بقدر ما هو مفجع ! ان عمالقة الحضارة العراقية بدأوا يخلون المكان الواحد تلو الآخر ! وكنا نحصيهم فاذا تكاثروا تركنا الاحصاء للحدس ! فالى اين يذهبون ؟ وكيف بنا نحن الناعمين بمنجزهم !! كيف لنا ان نحتسب رحيلهم حدثا اعتياديا ولم يكونوا بيننا قط اعتياديين بل كانوا مثالا بليغا للاستثناء والمغايرة ! مضى عبد الغني وهو في ربيعه السابعة والسبعين ! في صقيع السويد والغربة بل والوحدة ايضا فبعد رحيل شقيقه علي لم يتبق له من يسليه في وحدته ووحشتها ! زد على ذلك مرضا عضالا سبب له شللا في الأطراف وثقلا في اللسان ! فاين منه البلد الذي وهبه زهرة شبابه ؟ اين منه العراقيون ولو المغتربين منهم ؟ افهكذا يموت قادة الرأي وذادة الحضارة ورادة التحديث ؟ كأنهم النسي المنسي ؟ لقد عشق عبد الغني الخليلي مسقط راسه وملعب طفولته ومسرح فتوته عشق النجف الاشرف بناسها بقبابها الذهبية بازقتها العباسية فلم تكن النجف لتبرح ذاكرته اطلاقا ! وكم سهر الليالي يستذكر في النجف زقاقا ثم يعدد أبوابه ثم يقسم المالكين بحسب عدد الأبواب ! وكم سالت دموعه وهو يستذكر هديل حمامة او ترنيمة بلبل او صوت المؤذن للصلاة ! ومن حسن الطالع ان ادق ما في الأدق من مشاعر الخليلي عبد الغني تحول الى مذكرات او مقالات او قصائد او نصوص نثرية ! ولد صاحب الترجمة عبد الغني الخليلي في مدينة النجف عام 1925 ، ومعلوم ان العقدين العشرين والثلاثين من القرن العشرين كانا ميقاتا لمواليد الرواد في العراق مثل بلند الحيدري ونازك الملائكة وبدر شاكر السياب و جعفر الخليلي و عباس الخليلي ومحمود الحبوبي ... الخ ! وعبد الغني ابن اسرة صغيرة الجرم لكنها اسرة ولود وهبت العراق والعرب خيرة الاطباء والادباء والعلماء والمناضلين !! وكانت مدرسة الخليلي باحة للعلم وطلاب العلم ورواده ! وحاضر فيها كبار الأئمة مثل حسين مروة ومحمود الحبوبي ومحمد جمال الهاشمي وغيرهم ! كان عبد الغني عراقيا بامتياز ونجفيا بامتياز لكنه ايضا كان امميا بامتياز ! فمدينة النجف مدينة رغم طابعها الديني المتميز مدينة الامم المتحدة فللهنود خان ولليهود شارع وللافغان مساكن مجانية وللبكتاشية تكية ! ماكان المقيم فيها ليستشعر الغربة ولن يجد مهما طالت اقامته من يسأله من اي بلد انت ؟ عبد الغني الخليلي ينشر نتاجاته في الصحف والمجلات الدينية او الادبية او العلمانية ! فهو حامل هموم وجودية مضيئة يبحث عن فنارات لتضيء منها ! ربطته صداقة متينة بالمفكرين العراقيين اليساريين مثل الاساتذة علي جواد الطاهر ومهدي المخزومي وابراهيم حرج الوائلي كما ربطته صداقات متينة مع شيوخ النجف ومصلحيها محمد رضا المظفر وسيد ابو الحسن الموسوي ومحمد حسين كاشف الغطاء ومحمد علي اليعقوبي ومصطفى جمال الدين واحمد الوائلي ! كما ربطته صداقات عميقة بمحمد مهدي الجواهري ومحمود الحبوبي والسياب وبلند الحيدري وسعدي يوسف ومحمد سعيد الصكار الذي اصطفاه صديقا فكتب فيه قصيدة من غرر الشعر كتبها بخطه الصكاري النفيس ونشرتها مجلة الموسم العريقة الصادرة في هولندة !! وقد كتب فيه الشاعر العراقي المعروف خلدون جاويد قصيدة جميلة !! وهي مودته مع الادبين العراقيين اليهوديين انور شاؤل ومير بصري وقد احتفت مجلة الثقافة الجديدة التي يصدرها الحزب الشيوعي العراقي في الثمانينات من القرن الماضي بكتابات عبد الغني الخليلي ! وكان كاتبا مقروءا تنتشر اعماله بين القراء وتتناولها اقلام النقاد والمقومين ! وكان مجودا في فن السيرة يتحدث عن ذكرياته في النجف، علاقته بالأدباء والأدب، وعلاقة أسرته بهذا الوسط الثقافي فلنصغ اليه سارداً (علاقتي بالجواهري قديمة فعائلتانا كانتا متجاورتين، أذكر محمد ألجواهري عندما كنت في الثانية عشرة من عمري، كنت أزور عمي الطبيب محمد الخليلي حيث كان يقيم في الكوفة، وكان ألجواهري يعمل أستاذا للأدب العربي في ثانوية النجف، وكان بيت عمي مرتاد الأدباء والشعراء النجيين وغيرهم) ويواصل الخليلي عبد الغني حميمية السيرة بقلم عذب فلاتدري اهو مؤرخ ام قاص ام شاعر ينثر شعره (..قضيت طفولتي بين أفياء تلك البساتين بصحبة مجموعة من أدباء المدينة، كان من بينهم خال أبي الميرزا محمود الخليلي والشيخ جواد الشبيبي وحيدر الحلي وجعفر الحلي ورضا الموسوي وباقر الهندي والشيخ هادي كاشف الغطاء وغيرهم.......أتذكر وأنا في الثانية عشرة من عمري وربما أكثر بقليل عندما خرجت من بيتي في حي العمارة إلى صحن الإمام علي، عليه السلام، فوجدت الصحن غابة من الجنائز، صفوفا ممتدة حتى باب السلام، ثم ذهبت إلى والدي فوجدت عنده علي الشرقي وإبراهيم الوائلي والزعيم عجمي أبو كلل يتحدثون عن مجزرة في الجنوب، في أطراف الرميثة، قام بها رشيد عالي الكيلاني وهذه الجنائز كانت ضحايا المجزرة، كان من بينهم مئات الأطفال، هذه الحادثة دونتها، وهي مازالت تثير الرعب في نفسي كلما تذكرتها، وأنت تعرف إن هذه وأمثالها كثير ترعب السلطة الحاكمة آنذاك) سكن عدد من بيت الخليلي في مدينة الحلة ولعل محمد حسين الخليلي و بعض أقربائه اول من اتخذ الحلة سكنا بعد النجف ! ويمكنني القول ان تعاطف عدد غير قليل من نجوم بيت الخليلي مع الفكر التقدمي كان المسوغ غير المعلن لاضطهاد النظام الملكي ونظام صدام حسين لهذه العائلة ! فقد اعدم النظام العراقي الشهيد فارس الخليلي في نقرة السلمان ! واورد المؤرخ الاستاذ رحيم الحلي تفاصيل عن استشهاد الشاب فاخر الخليلي الذي روت دماؤه جبال كوردستان مع نيسان عام 1983 ! وحين قرات للخليلي الكبير ما كتبه الاستاذ رحيم الحلي تحسر البروف عبد الهادي الخليلي وقال ثمة الكثير من شهداء بيت الخليلي لم يتطرق اليهم المؤرخ ! فماذا كتب رحيم الحلي ؟ قارن لطفا : الشهيد فاخر محمد حسين الخليلي شهيد بشت اشان التقيته أواسط السبعينات في مقهى الجندول في مدينة الحلة، حيث كنا نلجأ إليها للدراسة والتحضير للامتحانات بعيدا عن بيوتنا المكتظة بساكنيها،وجدته يساريا أكثر مني فهو سليل أسرة الخليلي المعروفة، بتعاطفها وانتماء إفراد كثيرين منها للحزب الشيوعي. تميز بحب الفقراء وتعاطف معهم وخاصة زملاءه الطلاب، إذ كان يشتري لنا سندوتشات العنبة من جيبه فيجود بمصروفه الذي يأخذه من أسرته،فينفقه على أصدقائه باندفاع وسخاء شديد.يحب قراءة الكتب الأدبية،وخاصة الشعر الذي كان يقرأهُ بشغف وبشراهة، من الشعراء أحب الشاعر العظيم مظفر النواب،وكان يستنسخ دواوينه باليد،وقرأ للماغوط وجمال ألغيطاني، وكذلك كان يحب شعر المتنبي. ولد الشهيد في الحلة عام 1958 ومن أسرة نجفية معروفة بحبها للأدب والثقافة، ومنهم الأديب القاص جعفر الخليلي والأديب عبد الغني الخليلي الذي رحل في منفاه الجليدي (السويد) قبل خمسة سنوات، وعُرفت هذه الأسرة بحبها للناس وخاصة الفقراء، ولهذا السبب ارتبط كثير من إعلام هذه العائلة بالحزب الشيوعي،لكونه كان يدافع عن حقوق الكادحين،منهم الراحل فاروق الخليلي،شهيد الاغتراب،ومنهم المناضل الرائع فيصل الخليلي سجين قصر النهاية،والمناضل الكاتب فائق الخليلي، والشهيد فارس الخليلي الذي قضى في نقرة السامان. أعود للشهيد فاخر الخليلي صديق العمر، والذي أشعر بمرارة فقدانه حتى اليوم رغم مرور اكثر من ربع قرن على رحيله المبكر، حيث استشهد في كردستان،في بشت أشان في نيسان عام 1983 وهو يدافع عن رفاقه ليغطي انسحابهم في معركة غير متكافئة، انضم لحركة الأنصار من اجل إسقاط الديكتاتورية،ورفض الانضمام للحزب الشيوعي عندما كان متحالفا مع البعث في السبعينات وكان يحذر من النتائج الوخيمة لهذا التحالف لكنه كان يدفع لنا التبرعات المالية فهو كان شيوعيا فكرا. بعث لي برسالة عن تجربة حركة الأنصار،وكان شديد الإعجاب بجيفارا، يحكي رفاقه عن اندفاعه وإيثاره في العمل اليومي وفي لحظات القتال، حيث كان يضع نفسه في الإمام في الواجبات ويحرس نيابة عن المرضى والمتعبين،وكان يحمل على ظهره عند استشهاده كتاب جيفارا وديوان مظفر وديوان السياب، الذي زرت وإياه بيته في جيكور عام 1979.كان لايحب الانتهازيين والبيروقراطيين الذي لايخلوا الحزب من وجودهم وكان متحمسا للعمل الثوري ومندفعا ولكنه كان يؤمن بإمكانية تطهير الحزب منهم خلال العمل المسلح الذي لا يمكن أَن يتقبلوه أو يتقبلهم . رحيم الحلي ولمن اراد الاستزادة فله ان يرجع الى :

http://web.comhem.se/kut/Beshatshan%20rahim%20alhali.htm

خامسا / يمكن القول ان جل صداقات عبد الغني الخليلي تعمقت وتوطدت من خلال ولع الخليلي بفن الرسالة فقد اهتم الخليلي بأدب الرسائل وهو في الرابعة عشرة فهو يراسل شفيق المعلوف وايليا ابو ماضي وجبران خليل جبران ! والعقاد وتوفيق الحكيم ولعل من الظرف ان نذكر ان الشاعرة اللبنانية الساطعة مي زيادة1886- 1941 التي كان يتنافس على قلبها كبار ادباء العربية مثل جبران خليل جبران وتوفيق الحكيم وعباس محمود العقاد ... كانت تستأنس برسائل عبد الغني الخليلي اليها وهي لاتعرف سنه الحقيقي فكتبت اليه بلهفة (إلى الأخ الشاعر الكبير عبد الغني الخليلي) لكن جعفرا الخليلي القاص والصحفي والمؤرخ المعروف وكان عم عبد الغني فكتب من جهته ممازحا (عزيزتي مي إن من ناديته الأخ الكبير عبد الغني الخليلي انما هو الرابعة عشرة من عمره.)! ولبثت رسائل ابو فارس تهز المرسل اليه هزا :حبيبي خلدون جاويد الورد ...قبّل بدلا مني اليمامتين الجميلتين الوديعتين واذكرني ...هل لديك نسخة من ذكرياتي عن النجف المنشورة في الثقافة الجديدة عام 1988 . اني بحاجة اليها ...ان وجدت لديك .لأول مرة أنعم بصباح عطر، بضوء الشمس ...بعد عتمة ظالمة دامت أياما . حتى يئسنا من عودة الصيف الى هذه الديار ... ليت شمس بغداد تمر بنا ولو ساعة وبصحبتها كل ذكريات العمر . المحب عبد الغني .حبيبي الشاعر والكاتب خلدون : صبرا جميلا . ولو من بعيد، أمزج دموعي التي فجرها حزني على رحيل أخي علي، بدموعك على فقد والديك الحبيبين،، وأنت عنهما بعيد، فحزنك هو حزني فكلانا فجعنا بأحب الناس الينا . تمنيت لو أنني قريب، لقاسمتك أوجاعك، فعسى ان تخف، ولو قليلا ...لكني بعيد ....الغربة عن الأوطان، وعتمة الطقس تزيد من كآبتنا، في هذه الديار البعيدة ...ماكدنا ننعم بشمس الخريف، وبزرقة السماء حتى جاءت رسل الشتاء تكمل الينا البرد والمطر والغيوم السود، فأطبقت علينا كآبة ظالمة ...فلا خلاص منها الا بالقراءة وكتابة الرسائل الى الأحبة، ففي هاتين المتعتين تتبدد كآبتنا .

ابو فارس عبد الغني الخليلي .

سابعا / وكان عبد الغني شاعرا مفوهاً مجدداً كتب الشعر وهو في الثامنة عشرة ويرسل شعره الى مجلة الرسالة والاديب والغري والهاتف فينشر شعره ويبدو ان صار لديه شعر لو طبع لملأ ثلاثة دواوين ! وكأي نجفي في زمانه كان يطمح للسكن في بغداد وكان معظم المهاجرين الى بغداد يجعلون الكاظمية محطة اولى ! ففي عام 1943 غادر عبد الغني الخليلي النجف باتجاه الكاظم فعمل في التدريس ولكن فصل من وظيفته بسبب نشاطه الوطني فعمل في مطبعة عمه جعفر الخليلي واستقر موظفا في مصرف البنك اللبناني المتحد ردحا من السنوات واذا جاء عام 1976 قرر ان يترجل عن الوظيفة واحال نفسه على التقاعد ! ان بيت عبد الغني الخليلي كان مزارا لكبار ادباء العراق والبلاد العربية واشتمل على مكتبة فخمة نافت كتبها المهمة على الخمسة عشر الف كتاب سوى الف ومئتي مخطوطة نادرة وسوى رسائل الادباء واعلام العصر وسوى مخطوطاته التي تجمعت عنده كثمرة لمسيرة ابداعية طويلة ! لكن النظام الصدامي ولاسباب طائفية روع هذا الصادح الغرد فدخل زوار الصباح بيته وصادروا كل شيء فيه حتى الهويات ودفاتر النفوس ورموه على الحدود وعادوا ليتناولوا الفطور والشاي مع عوائلهم ! وتنقل بين ايران والاردن وسوريا ولبنان ولم يطل به المقام حتى وجد في بلاد السويد مستقرا له بعد قلق التهجير ! ويبدو ان الخليلي آنس للسويد فنشر منها بعض كتبه بيتها سلاما ياغريب ! وعاد الى هوايته القديمة في كتابة الرسائل (كنت امضي الليل بطوله وانا اكتب رسالة لصديق وفي الصباح ابردها بالبريد واعود الى بيتي) كان ينتظر الفرج السماوي او الارضي ليزول نظام صدام حسين ويعود الى العراق ليغمض عينيه فيه ويوارى في ترابه ! وبسبب عزلته وطبيعة السويد الثلجية المظلمة وبسبب موت اخيه المفاجيء علي الخليلي الذي كان سلوة له وبهجة فقد اصيب بجلطة في الدماغ فوهن ريحه وذبلت عيناه وثقل لسانه ! كان يحلم بان يعود الى النجف ويموت فيها ويدفن في جبانتها ! لكن ملك الموت لايعرف الانتظار ولا يأبه بالمشاعر ! فاستل الروح من جسده المتعب العليل فأغمض عينيه الى الابد بعينين ترنوان الى العراق ! يقول صديقه الشاعر خلدون جاويد :ينذر الخليلي عمره ومئآت الالوف سواه من حملة صليب الكلمة قرابين على رافدي المحبة . ومهما اختلف مناخ الكلمة شعرا او قصصا او رسائل ادبية حارقة فان همنا الأقدس الذي يجمعنا على اختلاف مشاربنا واساليبنا هو العراق الحبيب . ان كل دعاة اتهام المنفى باللآوطنية هم مجرمون قتلة مع سبق الاصرار وان كل من يدنو بالاساءة لهذه القضية سيظل هو ومايكتبه ضد العراقيين من المنفيين لوثة ولطخة لن تمحوها الذاكرة العراقية خاصة وقد قدر عدد هم قرابة 4 ملايين . أكبرسبي في تاريخ الرافدين وهذا ماسوف يندرج أيضا في محاكمات الأنظمة السابقة المسببة لظاهرة المنفى في حياتنا .

ثامنا / أزِفَ الترحُّلُ غير أن ركابنا لمّا تزل برحالنا وكأن قدِ

رحلة الكوكب عبد الغني في المجرات توشك على الانتهاء التراجيدي ! مجرات التهجير ومجرات الحنين ومجرات الابداع ومجرات الشيخوخة ومجرات المرض ومجرات موت اخيه ورفيقه في غربته علي الخليلي !! و كتب صديقه طالب عبد الامير بعنوان قصاصات من ذاكرة خصبة من استكهولم عن رحيل الكاتب العراقي عبد الغني الخليلي في منفاه السويدي (كان الشاعر عبد الغني الخليلي يخاف أن يدفن في صقيع أرض لا يسمع فيها «هديل الحمام الخافت الرقيق عند الغبش»، وهو «يستقبل نجمة الصباح فتبتهج لمنظرها البهي المآذن» تلك الصورة التي كان الخليلي يحملها في ذاكرته الطرية عن «النجف» مسقط رأسه !! .. ففي يوم الجمعة، الخامس عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) حمل «شيخ الشباب»، كما سماه صديقه الشاعر الراحل مصطفى جمال الدين، على اكتاف محبيه نحو مقبرة في شمال العاصمة السويدية استوكهولم، حيث ووري ثرى ارض غريبة، حاملاً معه ذكرياته عن المخزومي وحسين مروة والجواهري وعلي جواد الطاهر وغيرهم.) إ . هـ هكذا تجمع ادباء العراق المغتربين في الدول الاسكند نافية وشيعوا فقيدهم يوم الجمعة الخامس عشر الخامس عشر من تشرين الثاني سنة 2002، ودفن في جبانة الغرباء شمالي مدينة استكهولم !!

تاسعا / ماذا كتب الحبيب المبدع العراقي الكبير محمد سعيد الصكار بخط يده في خله وحبيبه عبد الغني الخليلي وعلى ايقاعات البند الجميل الذي ابتكره الحليان ابن معتوق الموسوي ت 1087هـ ابن الخلفة ت 1247 هـ مع الاشارة ان قصيدتي الصكار وسعدي يوسف مرسومتان بخط الصكار الكبير وعبد الاله الصائغ رغم ربيعه السبعيني اول من نقلهما الى الوورد وجعلهما بين يدي الباحثين :

ايها الخل الخليلي الذي يعشب قلبي

كلما اقرا ما يكتب او اسمع ما يروي سلاما

قدر ما كان من البرحي في جنتنا البصرة يوما

قدر احزاني وافراح الندى النائم في جمبدة

الجوري في بغداد والاصداء تنداح مع

الريح الى الروح من الحضرة في فجر الغري

الاخضر الفاتن بردا وسلاما

ايها الخل ومن غير الاخلاء بهذا

 الزمن القفر يعيد الامل الغارب للروح

ويسترجع الوان الصفاء الهارب المقهور

من غير الاخلاء يرى ما لا تراه العين

ويستدني نجوم الحب من اقصى المدى يجلو

مراياها ويلقيها على وحشة قلبين

سلاما

ايها الخل الخليلي تناءى الدرب وانشق

جدار الروح نصفين

فنصف تاه في اروقة الغربة والنصف

اسير بين نهرين

وما اجمل هذا السر ما احلاه

لو كنا على ضفته نرتاح يومين

فنرتاد مقاهينا

ونمضي للاخلاء

فنحسو الشاي والقهوة والخمرة نسترجع

ما كنا قرأناه

وما كنا كتبناه

نحيِّ كلَّ من صادفنا في الدرب

لا نسأل من جاء ومن اين

وهل كنا رأيناه

وهل كان يرى فينا صديقا غاب في ذاكرة

العمر وحر الشوق ادناه

اما آن لهذا الحلم الناعم ان يدركه الصحو

اما آن لهذا الوتر المقطوع ان يلحم ’ هذا

الجرح ان يهدا ويلتام ؟!

وتدري ايها الخل الخليلي بانا لو

ذررنا فوق هذا الجرح شيئا من تراب

الأرض محروقا بوهج الصيف في بغداد لالتام

ولكن اين منا ذلك الترب وذاك

الوهج في هذا الصقيع المحتمي بالارض

والممتد سراً في حنايا الروح

والهامس في القلب

بأن الشوق إن هب

وإن ناء به الصب

فللأشواق اوهام

واحلامي وان طالت

ستبقى محض احلام

وتدري ايها الخل الخليلي بان الحب في

الغربة اوطان

وانا اذ نتاءى الحلم في المحنة صنوان

وانا نسند الراس اذا اثقله الهم الى

كتف صديق – وطن – نلمس في اردانه

اطراف بغداد

وفي ازراره انجم بغداد

وفي راحته راحة بغداد

فما اقرب بغداد

وما ارحب بغداد

وما اصعب بغداد

محمد سعيد الصكار باريس 16/2/1994

عاشرا / سعدي يوسف وقصيدة في عبد الغني الخليلي :

وكتب الشاعر القدير سعدي يوسف قصيدة في عبد الغني الخليلي وطلب الى الصكار ان يخطها بريشته فكانت : الى الباريسي غني ابي فراس

ابا فارس لا يأتكَ الحزن ساعة وهل بعد باريس لمغترب حزن

اقمت بها في الشانزلزيه روضة وانت بها البستان والورد والغصن

سلام على تلك الربوع هل انطوت صحائفها او جف املودها اللدن

ام الامر ان العيش لحن فلن ترى غضارة عيش حيثما اخرس اللحن

نقول لها صبرا وصبرا وثالثا ولكننا في الريح والصرصر العهن

يلوح اذا جاست ويهوى اذا جست وهل نحن في الحالين إلا كما نحن

سعدي يوسف باريس 4/5/ 1994 (3)

احد عشر / شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري يدغدغ عبد الغني الخليلي

 عبد الغني الخليلي كنيته ابو فارس و

أبا الفرسان انك في ضميري

 و ذاك أعز دار للحبيبِ

وبي شوق إليك يهز قلبي

 ويعصره فيخفق بالوجيبِ

وذكرك في فمي نغم مصفى

 يرتّل في الشروق وفي الغروبِ

سلام الله يعبق بالطيوب

 على ربعٍٍ تحل به خصيبِ

ثري بالمفاخر والمزايا

 تورثها نجيب عن نجيب

أبا الفرسان إن عقّت ديار

 عقدت بها شبابي بالمشيب

وذوّبت الضلوع على ثراها

 ولم أطلب بها اجر المذيب

فلا عجب فقلبي ضاق ذرعا

 بخير الناس احمد والحبيب

فذياك استبيح دما وعِرضا

 وذاك قضى بها نحب الغريب

وسيم البحتري الهون فيها

 وغص بحسرة الترب الحريب

على حين استباح الغر فيها

 بقايا السيف والسلب الجليب

أبا الفرسان لاعجب بانا

 نؤدي فدية البلد العجيب

اثنا عشر / الشاعر المهم خلدون جاويد كتبتُ الى استاذه في اربعينيته قصيدة شهيد المنافي عبد الغني الخليلي

وداعا لا

فانك ألف آتِ

من الماء المقدس للحياةِ

يعانق فيك نبض غدي بأمسي

صدى مستقبلي من ذكرياتي

كأنك في أديم الأرض بذرٌ

تناسغ بالجذور المزهرات

كأنك قائل :

المهد لحدي

ورغم الليل أبدأ من رفاتي

فليس يليق في منفى وضوئي

ولا اكتملت بلا وطن صلاتي

شربت الماء

من حوب وصوب

فما يروي به جسد فراتي

دفنت القلب عند غدير أهلي

ونخلة منزلي

ومهاد ذاتي

وماراهنت سلطانا بشعري

على ذلٍ

ولارخصت دواتي

ظللت على صيامي الدهر صبرا

وقد زعموا هلال العمر آتِ

ورغم الظلم، سوف أصون صمتا

شفاهي فهي نذر للحفاةِ

اغني في السجون وفي المنافي

لشعبي

لن اغني للطغاةِ

واصبر كاظما جرحي منيفا

فما استخذى لذي عرش شَتاتي

وهودج عرسي العدويٌ نعشٌ

ترف به

الى نجف رفاتي

وداعا ياغني ...وياسماءا

تبشر بالغيوم الممطرات

فكل غد له قزح

وشمس

تطل على السفوح المورقات

ويابدرا تنآى

وهو أجدى

بمعترك الليالي المعتمات

وياسيفا أسفت عليه لما تهاوى،

ساعة اجتمعوا قضاتي

تهاوت وردة

والريح تعوي

وطاحت نجمة والليل عاتِ

أيا عبد الغني أبا الأغاني

وياصنو الرجا والامنياتِ

تمهل فالطريق الى صباح

ولا عهد يدوم على سباتِ

وكل أخٍ

أضاع أخاه يوما

يقبل هامه رغم الجناةِ

وان سفائني لابد يوما

من المنفى

لبابل مرجعاتي

ملايينا لأحياءٍ وموتى

سيحضنهن صدر الامهات

ويزهر في غدٍ

حقلٌ (غنيٌ)

تفجر بالندى والمعجزاتِ

ويبقى الموت في وطني حياة

فهاتِ يديك

رغم الموت هاتِ .

ثلاثة عشر / قال الكاتب المندائي الصديق الاستاذ يحيى الأميري : وقد ذكر الأستاذ عبد الاله الصائغ الأديب الراحل عبد الغني الخليلي في سياق حديثه عن أصل عائلة (الخليلي) وكنت قد قرأت للراحل (عبد الغني الخليلي) قبل فترة كتاب عنوانه(سلاماً يا غريب) تضم صفحاته كتابات رائعة وتنم عن أديب عراقي بليغ مرهف الحس محبا للعراق وشعبه حد العبادة، 4

عاشرا/ عبد الاله الصائغ

عبد الغني تمهل

 إياك أن تترجل

فلأنت فارسها إذا

 خطب تنزَّل

ولأنت عاشقها إذا

 آوت اليك بحسنها الدّل

يا دوحة الابداع

 والابداع في الفتكات أعزل

تثوي غريبا ياغني وفي الغري اليوم محفل

 وكواكب الفتيان والفتيات في ابوابها

طال انتظارهمو لتقبل

إقبل وحيهل

اربعة عشر/ قال عبد الغني الخليلي (السنون التي قضيتها عاملاً في احدى مطابع النجف، وأنا في الثانية عشرة من عمري، وفي هذا المنفى البعيد هذا المنفى لا يستقبل أي كتاب جديد أو أية مجلة غنية بالفكر والأدب وهكذا أقضي أيامي في وحدة قاتلة تزيد باحساسي بالغربة .) 5

خمسة عشر / الشاعر خلدون جاويد يستنهض عبد الغني الخليلي لينهض من سرير المرض والمحنة

قم ياغني الليل زائل

 والسجن حّطم والسلاسل

ولربما المنفى الكسير

 إلى المزار الأُم راحل

قم ياغني لعلنا

 متنسمين هواء بابل

وعسى الجنائن أورقت فرحا

 وغرّدت البلابل

قم ياغني لنحتفي

 بك كالأزاهر بالجداول

قم فالبلاد على شفا الطوفان

 تجرف كل قاتل

قم ياغني لنغتني بك

 بالمنابع بالمناهل

يابن الفرات الفذ لا

 تذبل فما الجوري ذابل

يازهرة النجف المنيف

 أريجك العلوي حافل

ياغصن أجمل كربلا

 في الكون يانفح الخمائل

قم يابن أزهى كعبة للعلم

 يالغة الفطاحل (6)

ستة عشر / مقبوسات مما كتبه الصائغ

اليف – وبسايت يصنعه عشاق عبد الغني الخليلي بعد رحيله

لمحات واعلام من آل الخليلي

*وثمة عبد الغني الخليلي ومن ادراك من هذا الفطحل ؟ هو كاتب شاعر مترجم مؤرخ !!

قال عنه العلامة هادي العلوي (.. يتقطر ماء الفرات من قلمه وتفوح من كلماته

رائحة الطلع والقداح, لا يحسن الكثير من السياسة لكنه يحب العراق, ويحب لغته

العربية ويزهو بقاموسها الذي يعرف منه اضعاف ما يعرفه الجهلة الذين اخرجوه من

وطنه ..) وقد عمل عشاقه له بعد موته مآتم في كل العالم وعملوا له وبسايت فيه

اعماله واخباره وصوره فجزاهم الله خير الجزاء !! قارن قول عشاقه : **موقع

الأديب عبد الغني الخليلي الكاتب والشاعر عبد الغني الخليلي (1920-2002**) *

*هذه الموقع مخصص لذكرى الأديب العراقي الراحل عبد الغني الخليلي، هي رحلة في

حياته وأعماله وأدبه، من النجف الأشرف حيث ولد وترعرع ودرس، مروراً ببغداد التي

أحب، ,وصولاً الى سنوات المنفى البارد التي أجبر عليها بعد جريمة تهجيره وأهله

على يد من ذبحوا الشعب العراقي واغتالوا أجمل أحلامه في العيش بطمأنينة وسلام !

سيقدم الموقع أعمال الأديب الراحل، كتبه ومقالاته المنشورة وكتاباته المتخفية

في رسائله ونثره البديع المؤثر، وذكرياته الموزعة بين أصدقائه في المنافي. هذا

الموقع يشيد تقديراً منا لذكرى أبي فارس وأدبه وفضله ودوره) أنتهى *

باء -.. كنت في صباي كلما اشتقت الى زيارة اهلي في طويريج قصدت الكوفة ومن هناك حيث ترسو مراكب خشبية صغيرة على شاطيء الفرات اركب واحدا منها وكان موعد رحيله الى طويريج يبدأ عادة عند المساء بعد الفراغ من صلاة العشاء .. اذكر كنت اسهر ليل الفرات البهيج بضوء القمر وبحداء الملاحين وبمنظر شجيرات الصفصاف وهي تلقي بغدائرها الخضر في الماء ... ويقترب المركب من مدينة طويريج في غبش الصباح الباكر يعلن بصفيره الحلو عن نهاية الرحلة . إ . هـ) الخليلي . عبد الغني .7

سبعة عشر / في إحدى رسائله للأستاذ ثائر صالح صديق ابنه فارس : (أمس مررت - وأنا في طريقي الى البريد - بحي قديم مهجور، يسرح الحمام على أرضه، مطمئناً، فترامى إليَّ صوت عجلات مطبعة تدور، وكنت قد ألفت هذا الصوت منذ صغري، فوقفت أستزيد منه، ففي صداه تسكن طفولتي، وذكريات مجلات نجفية، كانت تطبع في مثل هذه المطبعة، وكنت مولعاً بقراءتها كم تمنيت، لو يتيح ليَ صاحب هذه المطبعة فرصة العمل عنده مجاناً، ولو لساعات قليلة، لأعيش تلك الأيام التي قضيتها عاملاً في احدى مطابع النجف، وأنا في الثانية عشرة من عمري، وفي هذا المنفى البعيد صرت أحلم بذكريات ذلك العمر وإنا كنت قد شقيت به . إ . هـ ربما يجمعنا الربيع أو الصيف في مدينتك الخضراء فقد دعاني صديق حميم يقيم في بودابست لزيارته وألح بدعوته وبين اسبوع وآخر يتصل بي عبر الهاتف واذ أسمع صوته أنسى أنني في هذا المنفى البعيد فكأن الوطن يقترب والأهل يقتربون معه وتلتف حولي ذكرياتهم الحلوة...إ . هـ عزيزي ثائر : هل قرأت مجلة (الكرمل) وهل لديك عدد منها؟ منذ فترة وأنا أبحث عنها ولا أحد من اخواني أهدى إليَّ عددا منها وكذلك ما زلت أبحث عن مجلة (الطريق) اللبنانية. ولو كان بريد بيروت مضموناً لاشتركت فيها، ويوم كنت في العراق وبرغم سوء الاوضاع لم يتعذر علي الحصول على أية مجلة أو كتاب ولكن المصيبة أن هذا المنفى لا يستقبل أي كتاب جديد أو أية مجلة غنية بالفكر والأدب وهكذا أقضي أيامي في وحدة قاتلة تزيد باحساسي بالغربة ..إ. هـ قريباً ألتقيك وأرجو أن تكون بانتظاري في المطار ولعل الربيع بكر في هذا العام فاخضر ذلك العش الذي كنا نلوذ به كلما اضطهدتنا الغربة والوحدة .. هل تزور أهله الذين لا يغيب من سمائهم القمر .. سوف أقضي كل أيامي معهم ومع صخورهم وطيورهم وأرى كيف تزهر أشجار الكرز(8)

ثمانية عشر / من عبد الغني الخليلي الى حسن العلوي (لم تكن أمي تلك المرأة التي هاجمتها الذئاب وأكلتها..وهي في طريقها، إلى بلد لا ناقة لها فيه ولا جمل .. بل هي زوجة قريب لي، وقد بلغت من العمر السادسة والتسعين عاماً. وهجرت مع نفر من أفراد أسرتها، وهي في عتمة تلك الدروب المخيفة الموحشة، هاجمتهم عصابة، كان المسؤولون عن جريمة التهجير قد أعدوها للاعتداء على قوافل المهجرين. فأصابهم الفزع والرعب منها، ففروا هاربين إلى قرى خربة مهجورة، ليأمنوا شر هذه العصابة المسلحة. لكن زوجة قريبي المسنة العاجزة، لم تتمكن من الهرب، فبقيت في مكانها، غير مختارة، لتصبح طعاماً للذئاب لم تكتف هذه العصابة بالاعتداء الوحشي على جموع المهجرين، من رجال ونساء وأطفال. وكان منهم مرضى ومسنون وعاجزون..بل قامت بسلب ما كانوا يحملونه من متاع رخيص، ونهب مبالغ زهيدة من المال، أعدوها لشراء ما يحتاجونه من طعام والحاجات الضرورية، وهم يمرون بالقرى والمدن، حتى يصلوا المخيمات التي أعدتها لهم الجارة إيران. ولم تقف هذه العصابة عند حدود السلب والنهب، بل راحت تطارد في عتمة الليل، الفتيات. فاغتصبت عددا منهن فترك هذا الاعتداء عند ذويهن وعند المهجرين جرحاً موجعاً أليماً لن يندمل، مهما تعاقبت السنين.. وهناك أعمال قامت بها هذه العصابة، يخجلني التحدث بها، لبشاعتها، ولتجاوزها خدود الخلق الإنساني.. فقد كنت أسمع بين آونة وأخرى، صرخات خوف ورعب تنبعث من ظلمة القرى المنتشرة على جانبي الدرب، تردد صداها في ذلك المكان الموحش فتجيبها صرخات أخرى أشد منها رعباً..حتى الأطفال لم تشفع لهم براءتهم ووداعتهم عند هذه العصابة.فإن لاح لعين أحد أفرادها قرط يتدلى، من أذن طفلة، لجأت إلى حضن أمها خائفة مذعورة، راح ينتزعه بوحشية، فتتمزق شحمة الأذن، ويسيل الدم ويتعالى الصراخ.. لن أنسى تلك الفتاة التي انحرفت قليلاً عن الدرب، فصادفها لغم، انفجر عليها فقسمها نصفين. فماتت في الحال، وهي في ربيعها الجميل.. وفي حفرة غريبة الحجارة والرائحة، رقدت مطبقة عينيها على حلم الرجوع إلى الوطن، ولو حملت إليه عظامها في كيس.. شهدت في السجن ببغداد، يموت رجلين لم يتجاوزوا سن الكهولة يراد تهجيرهما..للآن ترن بسمعي حشرجتهما.. وبين الحين والآخر يعاودني طيفهما فأفزع.. هكذا شهدت الموت.. وأنا الذي لا أقوى أن أشهد شبحه، ولو كان يدنو من عصفور وديع صغير..لكن أمي، وإن نجت من افتراس الذئاب لها، إلا أنها تعرضت لاعتداء من قبل أحد أفراد هذه العصابة، عندما هجم عليها – وهي لم تبد منها أية مقاومة – لينتزع منها بالضرب والركل خاتماً صغيراً من الذهب، كان يحلي إصبعها في يدها، تحتفظ به ذكرى عزيزة عليها، منذ الصبا. وعندما حاولت أن أحميها منه، ضربني على ساق رجلي اليمنى بحربة كان يحملها، فأحدث فيها جرحاً ظل ينزف طوال الدرب الطويل. ولم تنج أمي أيضاً من سلب ما كانت تستر به جسمها النحيل من الملابس لتتقي بها البرد. فبقيت طوال الدرب شبه عارية، إلا من عباءة ألقتها عليها إحدى النساء المهجرات لتسترها بها..وفي شيراز.. مدينة (الأولياء والشعراء) وكلما ذكرت هذه المدينة التي جئنا إليها أنا وأمي في ربيع عام 1983 بعد خروجنا من المخيم، شعرت بوجع مرير. فقد جئنا إليها حفاة مرضى تثير الشفقة.. وأذكر بينما كنا نبحث في زوايا المدينة عن مأوى نستريح عنده بعيدين عن عيون المارة، تقدم رجل من أهل شيراز ووضع في يد أمي (توماناً) واحداً. فقد ظنها متسولة، ولما عرف قصتنا قبل يدها وبكى..في اليوم الثالث من تلك المسيرة المثقلة بالآلام والمآسي، عاودت المشي وأمي على ظهري، أطوي بها الدرب المقفر الوعر، وقد بدأ الربيع يفرش الوديان والجبال والسهوب، بالأعشاب البرية، فخفقت أولى وريقاتها الخضر، وتغلغل الدفء إلى عظام أمي التي مسها البرد، وأضناها التعب. فتململت بحركة شفتيها تطلب من شيئاً من الطعام، إذ ألح عليها الجوع، فمنذ ثلاثة أيام، لم تذق خلالها طعاماً ولا شراباً، سوى جرعات من ماء المطر المتجمع في الحفر. كنت أغرفه لها بيدي فتشرب.. وبينما كنت أبحث عن أعشاب ندية في مساكب الخضرة يمكنها أن تسد بها جوعها عثرت على الخباز البري. وحين عرفت أنها تعجز عن مضغه، رحت أمضغه لها وأدسه في فمها..وهكذا تمكنت أمي بقليل من أوراق الخباز التي أنعشتها شمس آذار الدافئة، أن تصحو من شبه غيبوبة.. وعلى ظهر صخرة كبيرة، كانت تستقر على بعد خطوات من الدرب اتكأت. ومن رائحة تلك الأعشاب البرية دب إليها الخدر، فنعمت بغفوة قصيرة، بعد سهر وجوع مضنيين. وكانت على تلك الصخرة تستريح صبية حلو العينين، يشف شحوب وجهها عن حزن موجع مدمر. وكان في يديها دفتر مدرسي صغير، ألصقت على كل صفحة من صفحاتها صورة صبية. وكانت كلما قلبت صفحة منه، تمتمت بعبارات مبهمة، كأنها كانت تنادي صاحبة تلك الصورة وتبثها لوعة الفراق. وإلى جنب هذه الصبية كانت تجلس عجوز حزينة متعبة. عرفت فيما بعد أنها جدتها. وأن هذه الصبية وحيدة أبوين ماتا في حادث مؤسف.. تقدمت من الصبية أسألها عن الدفتر، وعن الصور التي ألصقت على صفحاته. فرفعت إلى عينيها الجميلتين ثم أطرقت وعلى خدها الشاحب تناثرت قطرات من الدمع.. فالتفتت إليَ جدتها ترجوني أن أدعها وحالها. ثم قالت: إن الصور التي ألصقتها الصبية في دفترها، هي صور رفيقاتها في المدرسة، وهن عزيزات عليها. ففي ذلك الفجر الذي هاجمنا فيه رجال الأمن ونحن في بيتنا آمنون. وإذ كان هاجس الخوف من التهجير يطوف بنا كل ليلة منذ سنوات، فيكدر عيشنا – ففزعت هذه الصبية، إذ علمت أنها سترغم على مغادرة وطنها وبيتها ومدرستها وأترابها من التلاميذ.. فدخلت غرفتها وحملت من خزانتها هذا الدفتر فقط، وتركت كل ما فيها من لعب ومن حاجات ثمينة. ثم تناولت الجدة الدفتر من يد الصبية وأرتني صور لأبويها وقد ألصقتها في آخر صفحة منه، وهي تهم بمغادرة البيت ليظلا دائماً عينيها تناجيهما في الغربة..أذكر.. بعد عام من هذا اللقاء بهما، التقيت الجدة ذات يوم في أحد شوارع أصفهان حزينة كما التقيتها أول مرة على ذلك الدرب الذي شهد مآسي المهجرين، وربما زاد حزنها فسألتها عن حال الصبية فأجهشت ببكاء مرير، وقالت: ماتت، ابنتي الحلوة رباب، قبل أسبوع كمداً وحسرة على فراق وطنها..بعد أن انتصف الليل من ذلك اليوم، وأنا أطوي الدرب المخيف المظلم، وأمي على ظهري وأمر بالقرى وهي خالية خاوية، وقد أحرقتها نيران الحرب، فنزح عنها أهلها، فالشباب منهم تجندوا، والشيوخ ذهب بعضهم إلى قرى نائية في إيران ليأمن شر الحرب، وبعضهم جلس على قارعة الطريق ومد يده للمارة، وبعضهم لم يفارق قريته، فقد رقد إلى الأبد تحت ركام من الحجارة في كوخ دمرته الصواريخ..كم تمنيت، وأنا في عتمة هذا الليل، لو أن كلباً يصادفني على هذا الدرب، فأسامره ويسامرني، وبرفقته الأليفة الودودة يتبدد رعبي.. كم تمنيت لو أن ضوءاً من كوة كوخ من الأكواخ يدعوني لأحل ضيفاً تحت سقف ذلك الكوخ، فأقضي بقية الليل عند أهله، وفي الصباح أودعهم شاكراً..لا أحد في تلك القرية النائية، استجاب لتمنياتي هذه. فواصلت المشي حتى أدمت الحجارة المسننة الحادة قدميَ..في تلك الساعة، وأنا أحلم برفقة حيوان أو إنسان، أمضي وإياه ما بقي من الليل، تراءى لي شيخ، ينحدر من سفح الجبل، وبعد مضي فترة قليلة دنا مني رجل، فإذا به راعٍ عجوز، تغطي رأسه وقليلاً من جسده فروة، ويرتدي سروالاً رثاً، وحذاءاً أتعبه الركض وراء القطيع، والبحث عن مرعى أخضر. فحياني مبتسماً، ثم أستأذن مني أن أسمح له بحمل أمي، ولو لمسافة قصيرة، فاستجبت لطلبه هذا، وأنا فرح إذ كان التعب قد أجهدني، ثم راح وأمي على ظهره يقض علىَ ما جرته الحربعلى قريته التي كان يسكنها هو وأحفاده وأبناء عشيرته الذين نزحوا عنها من أجل أن يأمنوا من ويلات الحرب. أما هو فقد أصر أن يبقى في قريته حتى تتوقف الحرب، وحتى يعود إليها أهلها، وظل شهور عديدة يرعى ويحرث ويزرع وأكل ما يحصده، وهو ينتظر الفجر..لكن الوحدة ووحشة الأكواخ التي خلت من أهلها قستا عليه. فحمل عصاه وجرابه وحصاة صغيرة، تذكاراً له من نبع عذب تستقي منه القرية، وقرآناً صغيراً يحفظه من أذى الحرب.. بعد مضي ساعة من رفقته الحميمة، أنزل أمي من على ظهره، وقبل أن يرفع يده للتحية وللوداع، قلت له: لن أنسى لقائي هذا بك في هذا الليل المخيف المظلم، وما تحملت من المشقة من أجل أمي، فرد عليَ قائلاَ: أية مشقة يا عزيزي، إن أمك أخف عليَ من عنزة جائعة هزيلة. ثم استغرق في ضحكة حلوة برئة، فشاركته فيها. فكانت أول ضحكة تنطلق مني صافية عذبة، بعد التشرد والمعاناة، كادت تنسيني بعض ما كابدته من الألم والمرارة في السجن وعلى هذا الدرب الموحش..قلت لنفسي وأنا أتابع خطواته، وهو يحمل عصاه وجرابه، ويغذ بالمشي نحو قرية أشار بيده إليها، تربطه بأهلها – كما أخبرني – قرابة نسب بعيد ترى ما الذي جاء بهذا الراعي العجوز المثقلة أعوامه الثمانون بالكدح الدائب، فأعانني على حمل أمي وآنسني برفقته؟ لا شك أن الغربة التي تجرع مرارتها، بعد أن فارق قريته حزيناً، هي التي جاءت به ليواسي غريبين أبعدا عن وطنهما قسرا..أذكر..نحن نغادر أحد السجون ببغداد كنا نرقب طلوع الفجر، لنبدأ مسيرتنا إلى حيث يرمى بنا على الحدود الفاصلة بين العراق وإيران. وكان قطار من السيارات ينتظرنا في الساحة المواجهة للسجن. وحين خفق ضوء الفجر من وراء البساتين، وبدأنا بالصعود إلى السيارات أمر أحد ضباط الأمن سائق السيارة التي أقلتنا بلهجة وعيد عنيفة ألا يتوقف أثناء الدرب. وألا يسمح بنزول أي من الركاب المهجرين منها، حتى وإن مات فعليه حينئذ أن يدفنه فيها، وإلا نال عقاب القائد. لكن السائق لم يخفه وعيد الضابط ولا تهديده، فأوقف السيارة بعد أن اقتربنا من الحدود، فحمل أمي وقد لأنهكها القيء المتواصل المؤلم. وعلى حافة ساقية راح يغسل وجهها ويديها ويسقيها من مائها..وهناك حدثٌ آخر.. أذكر.. عندما توقفت السيارات وأمرنا القائد بالنزول منها لتبدأ مسيرتنا نحو النفي، كانت هناك بحيرة تعترضنا يصعب على المسنين، خاصة العاجزين منهم عبورها فوقفت على شاطئها حائراً كيف يتسنى لي وأمي على ظهري، أن أعبرها بسلامة. وكان على مقربة مني جندي في العشرين من العمر يتطلع إلي بنظرة حزينة، فقد آلمه أن يرى ابن وطنه في حال كهذه، فحمل أمي وألقاها على طهره..ماتت أمي، غريبة عن وطنها. وكانت تريد أن تموت على أرضه، وتحتضنها رملة (الوادي) الندية برائحة الخزامي والبهار. وفي الربيع ينبت على قبرها الخباز البري ذو الزهرة البنفسجية الصغيرة. وتسرح حوله طيور القطا، وفي الأعياد يزورها الأهل والجيران، وتمر بها قوافل الزوار قاصدين قبر الحسين بن علي. وبالحداء المفعم بالشوق والشجن أحجار قبرها.. عبد الغني الخليلي (9) .

جريدة المراجع -------------------------------------------------

1/ البياتي . عبد الوهاب .من شعر عبد الوهاب البياتي

2/ عبد الهادي نجل الطبيب الشيخ محمد صالح محمد رضا الخليلي شاعر ومفكر , ولدفي مدينة السماوة 1900 – 1978 من اسرة نجفية مشهورة بالطب والمعرفة وهبت العراق 50 طبيبا مارسوا الطب البديل اي النباتي أنشأ في بيته ما يشبه المختبر لتجاربه وكان يدير مجلس بيت الخليلي الثقافي الادبي الاسبوعي ويتذكر المعمرون الكوفيون سنة الكوليرا 1931 التي اهلكت الانفس فأقام في الكوفة ومعه كوكبة من معاونيه وقضى على الوباء بعد ان فرط في صحته وذكر معاصروه انه كان يقرأ الطب البديل بلغته الاصلية وهي اليونانية القديمة

3- مروة . حسين مروة بزي . ولد الشيخ الشهيد الشيخ الدكتور حسين مروة بزي عام 1908 في قرية حداثا قضاء بنت جبيل ! هاجر الى العراق عام1924 لدراسة العلوم الحوزوية الاسلامية بجامعة النجف ورجع الى لبنان عام 1938 مكملاً شروط الأعلمية 1948 قرأ البيان الشيوعي للمرة الاولى بتوجيه من صديقه الشهيد حسين محمد الشبيبي (صارم) أحد مؤسسي الحزب الشيوعي العراقي ! وابعده نوري السعيد رئيس وزراء العراق عهد ذاك بعد إسقاطه بالتكافل مع الانجليز حكومة سلفه صالح جبر واحتلاله منصبه سنة 1949 وفي سنة 1951 صار شيوعيا وفي 1965 بات عضو اللجنة المركزية ثم عضوا في المكتب السياسي ! اغتيل في بيته في ضاحية الاونسكو في فبروري 1987 وترك زوجته وهي ابنة عمّه فاطمة بزّي مع اولاده نزار و أحمد وحسان و سحبان

وانظر لطفاً : الخليلي . فريدة جعفر الخليلي (أبي كما عرفته) صحيفة المدى

http://www.almadasupplements.com/news.php?action=view&;id=1630

4- الأميري. يحيى غازي

 ttp://www.mandaeanunion.org/Art/AR_Art_150.html

5- صوت العراق

http://www.sotaliraq.com/articlesiraq.php?id=8409#ixzz1kjDZzVST

6- جاويد الشاعر خلدون جاويد موقع الحوار المتمدن

 http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=112107

أشهد أن ريّا المحبة، هذه المرة، هو العبق النجفي الزاكي الذي تنسمتُ شذاه وتنسكتُ بشميمه على راحتي اثنين ومضا في حياتي كنجمين خاطفين، أحدهما الأديب الشاعر والناثر الألمعي عبد الغني الخليلي الذي راسلته 13 عاما ولم أره ! والثاني هو استاذ الاساتيذ هادي العلوي . وقد تكونت وشيجة ادبية عميقة بالأول اورثتني الندم طوال سني العمر المتبقية لي بعد وفاته. فقد حال دوننا الموج وعز اللقاء فلمن ياترى ولماذا ؟، انه اغلب الظن ارتباك منافينا، امراضنا، انشغالاتنا، ومصدّات اخرى !. لكني اتذكر صديقي الدكتور غانم حمدون الذي ورطني بحب هذا الأديب الكبير، الذي اذا لم يكن كبيرا كفاية ً، فانه كذلك في غزارة ذكرياته وقراءاته وعلاقاته واسلوبه . كنت معجبا اشد الاعجاب بمادة منشورة لعبد الغني الخليلي بعنوان ذكريات عن النجف منشورة في الثقافة الجديدة – في الثمانينات - لغتها شعرية ومفرداتها انيقة فاتنة ونسيجها اللغوي آسر الحسن وديباجتها تختلف عن كل مايُكتب . ظلت المادة عالقة في ذهني وكان الاعجاب ربما هو السبب بمعرفتي بمكان سكنى الخليلي او منفاه خاصة عندما عجزت عن تجديد عقد عملي في الجزائر والتحقت بركب اللجوء في الدانمارك عام 1991. ظللت اتلفن له على مدار 13 عاما وهو كذلك، وقد كتبت عن ذلك كتيبا صغيرا بعنوان تلفون منافي، فيه كثير من الاسرار والآراء بالآخرين لا أجرؤ حتى على ان انقله للآخرين على طريقة ناقل (الكفر) ليس بكافر، واحيانا ألوم نفسي فأقول ان لم انشر هذه الآراء الآن فما قيمتها ان تنشر لجيل غير جيلنا . في أول نداء تلفوني من الساندهولم مركز اللجوء الأول في كوبنهاغن، نوه لي الاستاذ الخليلي بأدبه الجم أنه انسان بسيط أبعد من ان يتقبل الاطراء ممن يناديه بكلمة استاذنا الجليل ... وقد اثبت مع الأعوام انه الجدير بما يندغم في القلوب من اكبار والى أبد الآبدين. وفي رحاب تواضعه الزاهد احببت خصالا كثيرة منها : ان لا اجلس على "كرسي" ! بل على الأرض كي لا أسقط . وفي المحافل اختار المقاعد الخلفية فاشعر بنشوتي الحضور والغياب !. كان استاذي بحق لكن من دون اشعار ٍ بأستذة ٍ، طريقته في النقد والحياة انه يمتدح الوردة لتغتاظ الشوكة او على الأقل لتدرك الأخيرة كم هي بعيدة في عنفها عن جمال الطبيعة وعذوبة الحياة . وعندما يقول ان علينا ان نربي جيلا لايمتدح السلطان في قصيدة ولا الامير في مسرحية ولا الوزير في نص ابداعي او غير ابداعي، فان الشاعر المرتزق – الذي نعرفه كلنا - مداح السلاطين والملوك والمتنفذين سيطأطئ رأسه خجلا لو كان بمستوى ان يخجل . قاموس الخليلي هو اللفظة الطيبة، واداته الأدبية كلها خزامى وخرير ماء ونخلة سامقة، وحنين الى الوطن .. ان ادب الخليلي هو مسكني الذي احاول ان الوذ بظلاله، مبتعدا جهدي عن ادب المهارشة، وما أبعد الخليلي كنجمة قصية عن بعض صغار الصحفيين الغارقين في الوحل ممن اذا فتحت مقالاتهم تختنق للروائح الكريهة القادمة من كنيف نفوس ميتة !!!.كان الخليلي يسأل في كل نداء تلفوني : ماذا تقرأ هذه الأيام ماهو آخر كتاب بين يديك ؟ كأنه يريد ان يقول من نحن اذا لم نقرأ وهل يعقل ان تمر أيامنا بدون كتاب ؟ .كان يحدثني عن اتصالاته التلفونية بكثير من الادباء وهذا حسب ما ظننت مكلف ماديا، لكن كرمه اكبر من هذا، اذ يحلق في احاديثه وذكرياته حتى انه يقرأ نصوصه لي عن بغداد والنجف وعن وفاة اخيه علي في مادة شفيفة هي الصيف الأخير إلى آخره من المواد . وكان يتحدث لأطفالي ويغدو مع الأيام صديقهم حتى انه ارسل مرة طردا مليئا بالهدايا لإبنتيّ الصغيرتين اللتين اعتادتا عليه وفرحتا لكل حديث معه . انه صديق الأطفال في مكان تواجده وسكناه وناثر الحلوى والابتسام الأبوي الحنون . هو الذي علمني جمالية ادب الرسائل فظل ذلك بيننا لسنوات طوال . ودفعني الى مراسلة اديبين، خذلني الأول وهو اديب يعيش في فرنسا كنت قد اهديت له ديوانا شعريا وارسلت له معايدة ورسالة الخ وكل تلاوين المحبة العراقية الا انه كما تقول الاغنية : قلبك حجر جلمود !!!! .إ. هـ وانظر ايضا :جاويد . خلدون جاويد : http://www.idu.net/portal/modules.php?name=News&;file=article&sid=12422

7- الصائغ . عبد الاله . انظر لطفا المواقع: اخبار البصرة والناس وكتابات والنور والنجف عاصمة ثقافية اللجنة الشعبية وصوت العراق وصوت كوردستان والحل الديموقراطي الكوردستاني والمثقف وسطور . http://www.alnoor.se/article.asp?id=131761

http://www.najaf2012.com/artc/227/news/index.html

8- الحلي . عبد الرحيم .

 http://alnoor.se/article.asp?id=36267

وانظر . محيي الدين . محمد علي . كتاب رجال في ذاكرة الوطن ص 103 الشهيد فاخر محمد حسين الخليلي شهيد بشت اشان

9- النوري . عباس النوري .

http://www.sotaliraq.com/articlesiraq.php?id=8409#axzz1kjDNAGrY

الخاتمــــــــــــــــــــــــــة ------------------------------------------------

وبعــــــــــــــــــــــد : النجف ترتدي اليوم ابهى حللها لينصبها العالم عاصمته الثقافية فهل استحضرات ابناءها العمالقة الذين تجرعوا كؤوسا لاقبل للبشر الاعتياديين بتجرعها وانا ادعو السادة المشرفين ليطلعوا على الهامش التاسع رسالة عبد الغني الخليلي الى حسن العلوي وليخبروني بعدها من اجل ماذا تكبد سيزيف الخليلي كل هذه التراجيديا التاريخية ! فهل من يوم مثلا يكرس للصلاة على مبدعي النجف من العوائل المنجبة عائلات الشبيبي والخليلي والحبوبي والرضي وجريو وشعبان والصافي وصبي والدليمي وشيخ راضي والشريفي والاعسم والفضل والمخزومي ورجيب والكرباسي وجمال الدين والظالمي والقاموسي والمحتصر والفرطوسي والطريحي والنصراوي والبستاني والجزائري والحلو والتتنجي والدلال وعوينة والقزويني والصراف وكاشف الغطاء والبلاغي .... .. الخ !! ومعذرة فلست في معرض الحصر والجرد بل في معرض المثل فقط فما اكثر عوائل النجف التي وهبت العراق بل العالم خيرة ابنائها العلماء والمبدعين والشهداء ايضا وما يمنع من عمل جدارية نجفية باذخة تحمل اسماء العوائل المنجبة وثمارها من بنيها ! وما الذي يتنظره المشرفون الرسميون والشعبيون لكي يمدوا وقبل فوات الوقت طوق النجاة لكبار السن من المبدعين والمناضلين داخل العراق وخارجه وشمول عوائل المبدعين والمناضلين بالكرامات والرواتب المجزية وطبع كتب المبدعين ثم تكليف الكتّاب ليكتبوا في هذه الظاهرة التي ادهشت الدنيا واعني ان تختص مدينة حوربت لقرون طوال واهملت لقرون اخرى بولادة البيوتات المنجبة منذ ال طحال في القرن الرابع الهجري وحتى اليوم.

 

عبد الاله الصائغ فرجينيا

الثامن والعشرون من جنوري 2012

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2015الاحد 29 / 01 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم