صحيفة المثقف

المذياع / عامر هشام الصفّار

كان فرحا ذلك اليوم وهو يستلم الكتاب مجانا..غلافه الأبيض الجديد..وصورة الملك العراقي القديم تتوسّطه..يشّم صفحاته فتملأ مناخيره رائحة زكية، فيزداد ثقة بقدراته، ويتأمل ليجد نفسه شيئا مهما في المستقبل..

يترك المدرسة، ويركب الباص الأحمر ذي الطابقين..وجهته محلته في الأعظمية حيث بيت جدّه القديم..ورثه أبوه وهو اليوم سكن العائلة كلها..

أخوته الصغار يملؤن غرفتيْ البيت صراخا..وهو بينهم..لا يجد أمتع من الجلوس مع جدّته..تحكي له حكايات قديمة عن بنت المحلة التي تزوجت سعدا، الذي كان شرطيا تعرفه المحلّة كلها..لم تتوفق معه ..فتركته لتعيش  مع أمها في بيت مجاور ..لا يُرى بابه يفتح خلال اليوم أبدا..

يسألها عن عادل..هذا الرجل الذي يراه يكلّم نفسه عصر كل يوم  عندما يمّر من أمام باب بيتهم الخشبي.. يدري أنه رجل يتجنبه الناس..لا أحد يعلم لماذا يكلّم نفسه هكذا بل بماذا يكلّمها..يتفوّه بكلمات غير مفهومة لبني البشر..

يحب الصبي عبد الستار درّاجته الهوائية التي كان يستقلّها كل يوم جمعة، ويذهب مع أبيه حيث سوق الأعظمّية مجاور جامع الأمام الأعظم..يساعد العائلة في حمل الخيار والطماطم والبرتقال ..والتفاحات الصغيرات التي يشتريها أبوه حتى تعمل منها أمه المربّى الشهيّة..بُنيّة اللون بعد أن تعصر فيها المادة السائلة من فاكهة لم يعرف أسمها ..تعلّم أن يجلّد كتابه بنفسه..يسهر..يقرأ لوحده..مذياع صغير قرب زاوية الشبّاك في غرفة تطّل على شارع المحلة الرئيس..لم يفارقه هذا المذياع منذ سنوات، حتى أن أباه عاقبه يوما لأنه كان لا ينام الاّ والمذياع قرب أذنه..

كبر الصبي ومات الأب ...تغرّب عبد الستار الذي أصبح رجلا، يعلّم أبنه اليوم تجليد الكتب المدرسية بنفسه...ويشتري له مذياعا صغيرا يستلم على موجاته أذاعة موطنه الأم...

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2015الاحد 29 / 01 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم