صحيفة المثقف

حوار مع الشاعرة مليكة عربي معطاوي / عزيزة رحموني

ولا يأتي الغد وأظل أرقب هذه الأقنعة دون أن ألج لها باباً، ليس لأنني لا أستطيع العثور عليه، لكن لأن لي أبواباً أخرى أرحب وأرقى من ضيق النفاق. أسأل اللّيل عن سر هذا الظّلام، عن هذه الدروب الملتوية التي تفضي إلى سرداب. أسأل النّهار عن مفترق الطرق أين كان، أين كنا؟ يجتاحني ألف سؤال وسؤال، وما من جواب. هكذا عرفتني أقبض على جمر وأرقص فوق زجاج. أدخل إلى ذاتي عبر أبواب القصيدة، تعرج بي إلى سدرة المطلق، تأخذني إلى فضائها البهي، أجد كل شيء داخلي، أقول ما أشاء، ما أرى ، ما أحسّ، ما أحبّ، ما أفتقد، كما لو كنت الإنسان الأوّل الّذي اكتشف الأشياء. إن سألتم عن عنواني فأنا أقيم في قصيدة، وأصنع منها عالماً بحجم قداسة السماء...

 

الكاتب العربي هل حقق ويحقق ذاته في بلده؟.

- الكاتب العربي يحفر في الصّخر لتسيل قطرة ماء، يحارب على جبهات مختلفة، فالرقيب خلف بابه، وأمامه جحافل من أشباه الإنسان، فعندما يكتب يكون بمثابة نقطة مضيئة في مساحات شاسعة من الظّلام. تحت إكراهات متعددة، اقتصادية واجتماعية وثقافية، تأتي كتابته أحياناً في غير محلّها، ليس لأنها صعبة أو فارغة، لكن لأن المتلقّي غالباً ما يكون ضعيفاً أو نادراً. وحدها فئة قليلة جداً استطاعت أن تحلّق خارج السّرب وأن تحطّم أسوار الإيديولوجيا السائدة وتصل إلى شروط تحقيق الذّات، والعالمية في بعض الأحيان. كيف يحقّق الكاتب العربي إذن ذاته؟ كيف يرسم مواقفه ويصل إلى الهدف منها في ظل أشجار باسقة بلا أغصان ولا ثمار؟ كيف يستطيع أن يعيش بمعزل عن معطيات المجتمع الخارجية التي تجرّه إلى الخلف؟ أعتقد أنه لا قيمة لوعي فردي ولا جدوى من معطيات مستفادة لا تتماشى مع واقع معيش.. ويبقى الأمل قائماً أن تتحطم كل الحواجز وتتحقق الذوات، ليست ذات الكاتب وحده، لكن ذات الإنسان العربي بشكل عام.

 

حدثينا عن أسرار الظل الأخير

- هي مجموعة شعرية تتألف من عشرين قصيدة، إحدى عشرة قصيدة تفعيلة وتسعة نصوص نثرية. كلها عبارة عن اكتشاف للذات عبر ركام حياتي ضخم ومتنوع... حاولت من خلالها أن أنتشل شخصية المرأة من يد الضياع والاضطراب والقلق الذي تمارسه عليها سلطات متعددة، وأن أكون أنا بكل دواخل الأنثى الصادقة، إيماناً منّي أنه من العبث أن يكفّ الإنسان على أن يكون ذاته ليصبح الآخر، وأنّ الإبداع الحقيقي لا يكون بشرط الاستعارة من هذا الآخر، أو التشبّه به، بل يكون من داخل المبدع نفسه، ومن الثقافة التي ينتمي إليها فكره، بكل تفاصيلها الصغيرة والكبيرة، كما يؤكد على ذلك تودوروف بقوله: "إن الخصوصية الأدبية ليست من طبيعة لغوية (وبالتالي كونية)، وإنما من طبيعة تاريخية وثقافية". هذه التفاصيل عملت على ترويضها لأنسج شعراً بحجم آفاق المتلقي الذّكي، وبحجم الأغوار النفسية العميقة للإنسان. ولتقريبكم أكثر من هذا العمل، أحيلكم على قراءة للديوان أجراها الناقد المصري محمد عبدو العباسي على الرابط التالي:

http://belahaudood.org/vb//showthread.php?t=16649

 

هل الشعر ترف؟

-    الشعر خطاب تخييلي متجذّر في الثقافة وحامل لرؤيا منبثقة من ظواهر اجتماعية متعددة، ويمثل في نظري البعد الإنساني الحر، حيث أتقاسم معه الوجع والحزن، وأحياناً قطرات فرح، فأحلق بأجنحته عبر فضاءات بعيدة وبلا حدود، أرقب من خلالها الواقع بأحلامه وأشواقه ومخاوفه، وأغوص في عمق المشاعر الغامضة، والمتاعب المتوغّلة تحت طيّات الروح. إنه رؤية فنّية للكون لا تقدّمه لنا كما هو، بل تعيد صياغته وترتيب أشيائه وأحداثه ومخلوقاته حسب عمقها وشموليتها ونفاذها. هل كائن بهذه الأوصاف يمكن أن يكون ترفاً؟

 

...هل نشر الدواوين في متناول الشعراء العرب؟

- يرتبط طبع الكتاب بنشره وتوزيعه ارتباطاً وثيقاً.. لكن المتتبّع لحركة النشر والطبع والتوزيع في الوقت الحاضر، يلاحظ المشاكل التي يعاني منها المبدع، فبعدما ينتهي من الكتابة ومخاضها الدائم، يجد نفسه في دوامة النشر والتوزيع، خصوصاُ مع غياب الجهات الرّسمية التي من المفروض أن تساهم في إغناء الحقل الثقافي، وتشجيع المبدع على العطاء، أو على الأقل تخفيف العبأين المادّي والمعنوي عن كاهله. هكذا فالمبدع يطبع الكتب على نفقته ثم يقوم أحياناً بتوزيعها بنفسه، وأحياناً أخرى يقدّمها هدايا لأصدقائه ومعارفه أو تظل قابعة في رفوف مكتبة مهترئة، نادراً ما يزورها قارئ متابع للحركة الثقافية المتجدّدة..هذا إذا افترضنا وجود دور نشر نزيهة وعملية. ترى لمن نكتب الشّعر؟ وهل هذا الوضع يشجّع على الكتابة أصلاً؟ ثم هل يساعد على أن يكون النشر في متناول الشاعر؟ لا أعتقد ذلك. إن كل تقدّم، وكل تميّز، وكلّ انتشار للإبداع يكون بمجهود شخصي وبتضحية بلا حدود...

 

إن لم تكوني شاعرة من يمكن أن تكونين؟

- بحكم معطيات كثيرة، لا مجال لذكرها هنا، بحكم طيراني الدائم في أعقاب رقي النّظرة والكلمة والحركة، بحكم تلك الأشواق الغامضة التي تساورني وتؤجّج النار في رماد الأسئلة، وبحكم ذلك الحزن الدفين الذي يسكنني، لا يمكن أن أكون إلاً شاعرة، وإلا فليقبض الشعر ألسنته.

 

هل يخدم الإبداع القضايا الوطنية، هل هو عامل من عوامل التغيير؟

-    إن المبدع ينعش الأفكار وفق مستجدّات الحياة، ويلقي بالقارئ إلى غمرة التساؤل والحوار وبعدهما الإدراك. والثابت في تاريخ الفكر هو أن الأعمال العميقة والجادة تثير القلق أكثر ممّا تدفع إلى الراحة والاطمئنان. هذه الحركية وهذا القلق الوجودي سيؤديان حتماً إلى التّغيير، أو على الأقل إلى الوعي بقيمة الأشياء الحقيقية. ألم تتطرق الروايات العربية إلى التعريف بقضاياها الوطنية؟ لنأخذ مثالاً على ذلك بعض روايات إبراهيم الكوني التي يدور فلكها حول قضايا الصحراء. ألم يُكتب شعر في القضية الفلسطينيّة أكثر مما كُتب في مختلف القضايا العالمية؟ لقد كان فيّاضاً في هذا المجال. صحيح أنه لم يحرز نصراً، ولم يهدم الأنظمة الأجنبية المتواطئة، لكنه على الأقل رعى المشاعر القومية، وأدخل في روع الكثيرين أنّ النّضال بالكلمة الشعرية كالنضال بالبيانات السياسية، فأصبح الخصم يخشاه ويحاربه. لنرجع إلى الأحداث التاريخية عبر العصور، إنها دليل قاطع على كون الكلمة حاربت باستمرار إلى جانب البارود والسيف، وعملت على نصرة قضاياها.

 

هل يمكن للحرف أن يكون سيّداً في ظلّ الحراك المجتمعي العربي؟

- إنّ الحرف حادّ كالسّيف، ولابدّ أن يرتدي لباساً ميدانياً لكي يكون في مستوى الحدث، ويواكب التطوّرات الخطيرة التي نتجت عن شرارات الظّلم والقمع والضغط الذي ولّد الانفجار. لابدّ أن يشبه الحرفُ الناسَ لكي يحقّق مبتغاه... ولا بدّ أن تخرج الأفكار إلى الساحة رغم أنف الرّقيب ورغم فظاظة الأقفال، لا يجب أن تبقى حبيسة الأدراج. هناك من يقوى على شهر سيفه في وجه الظّلم والعدوان، وهناك من يغمس رأسه في التّراب. الساحة مليئة بالأمثال، علينا فقط أن نفتح أعيينا لنرى ما فعلت عصا الحرف في رسام الكاريكاتير والصحفي السوري علي فرزات، وما فعله موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك في ثورة 25 يناير بمصر، لندرك إلى أي حدّ يستطيع الحرف أن يقلب الأوضاع، سواء من خلال بعده التواصلي، أو من خلال بعده المعرفي والإدراكي لكنه الأشياء.

 

كلمة أخيرة

- الإبداع أمانة علينا أن نصونه وندافع عنه ونهذبه ونرقى به إلى درجات العلا حيث تسمو إنسانيّة الإنسان، وحيث لا أقنعة ولا أصباغ... وفي الختام أشكرك عن هذا الحوار الجميل الذي أنعش روحي، وجعلها تتوهّج وتستظّل مع أخيها الإنسان تحت شجرة الإبداع، وتحية بيضاء وارفة، وباقات شكر لمزهريات قلوب كل قرائي الكرام.

 

ما تعريفك للكلمات الآتية :

فيسبوك

ثورة على مستويات مختلفة

الانترنت

ضرورة ملّحة لولوج أبواب العالم

الشارع العربي

نار تحت رماد. غليان.

السياسة اليوم

بركان إذا انفجر يجرف الأخضر واليابس

الديموقراطية

حلم لا يتحقّق إلا نادراً

 

أجرت الحوار :عزيزة رحموني

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2017 الاربعاء 01 / 02 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم