صحيفة المثقف

فصل من تاريخ الحركة الاسلامية في الرفاعي / عبد الجبار الرفاعي

حينما كنت اتردد على الرفاعي، قادما من بغداد أو عائدا اليها، في طريقي الى أهلي في القرية، فبعد وصولي المدينة أذهب كي أصلي الظهر في المسجد خلف الشيخ، وعادة ما نلتقي بعد الفراغ من الصلاة، فنتحدث بشأن الحالة الدينية في الرفاعي ووظيفتنا معا في تنميتها وتعزيزها.

كنت ومجموعة من الشباب وقتئذ منخرطين في هموم الحركة الاسلامية، اتذكر منهم الشهداء ياس خضير الجبوري، وجبار ناصر الشويلي، وعبدالأمير فرهود الركابي، وفالح القرغولي...ومن الأحياء حسين علي البهادلي، ورشيد باني الظالمي، وعبد العباس كاظم، وكاطع نجمان الركابي...، وكنا حريصين على نشر وتعميم الوعي الديني بين تلامذة المرحلة الاعدادية المتدينين، مثل الشهيد حسام حميد الصريفي، وزعيم فيصل الخيرالله، وعباس خضير الجبوري، وابراهيم خضير الجبوري، وماجد ارزيج العقابي، وخالد فرهود الركابي، وعماد عبدالجليل، ونجيب عبدالحسن، وعجمي بشيت...وغيرهم، والنخبة من المعلمين والمدرسين الاسلاميين، من الجيل الذي يكبرنا، مثل المرحوم عزيز خضير حيدر، وفائق ارزيج العقابي، وهاشم حسين، وعيسى حسن ...وغيرهم من أبناء الرفاعي، وحثهم على مطالعة الكتابات الاسلامية الجادة، وتوفير المؤلفات الممنوعة للسيد الشهيد محمد باقر الصدر وغيره، ودعوتهم لإعادة افتتاح المكتبة الاسلامية في الحسينية للمطالعة، المغلقة لسنوات عديدة. كان ايقاع حراكنا الاجتماعي حادا منفعلا، ونشاطنا الديني جريئا مكشوفا، لا يخلو من مغامرات، وتفكير بصوت عال، يستفز الجيل الأكبر منا، ويثير قلقهم وخشيتهم منا وعلينا، من عيون نظام البعث، وبطش السلطة وملاحقتها وترصدها بمن يعارض حزب البعث او يفكر خارج منظومته الديماغوجية المغلقة.     

 أدرك الشيخ عبدالصاحب بحدسه الفطري اننا نقلد السيد الشهيد محمد باقر الصدر، ونرتبط بمرجعيته، وننتمي الى تيار ديني سياسي محضور، بالرغم من تكتمنا الشديد على ذلك. وألمح لي غير مرة برقة ودفء، بأني وزملائي نغامر بمستقبلنا، ونعرض انفسنا للملاحقة والاعتقال. كان شديد الخشية علينا، لكنه ظل يدعمنا، ويصغي الى مقترحاتنا، ويتداول معنا الشأن الديني في المدينة. كما تفهّم مشروعنا بتوجيه أهل الرفاعي لمرجعية الشهيد الصدر، وتهيئة المتطلبات الاجتماعية والأرضيات اللازمة لإستقبال وكيله في المدينة، ولم يحدث أية ضوضاء أو ردود أفعال سلبية أو مواقف مناهضة، حين علم بذهابنا، انا وبعض الأخوة الى النجف الاشرف، وطلبنا من الشهيد الصدر إرسال أحد تلامذته للرفاعي، وسعينا المتواصل، وإلحاحنا على السيد الشهيد بضرورة تأمين مظلة تمثله، توفر حماية اجتماعية دينية لجهود ونشاطات الشباب الاسلاميين، وتهتم بترشيد حركتهم. وكنا بحاجة ماسة الى دعم ورعاية وجهاء المدينة لمساعينا، الا ان قسوة نظام البعث، والحصار المكثف على مرجعية الشهيد الصدر ومراقبة تلامذته، وأي شخص يرتبط به، حال دون تجاوب بعض الوجهاء معنا، ماخلا الوجيه الحاج علي خضر البهادلي، والاستاذ عزيز خضير، اللذان بادرا ببسالة وشجاعة وجرأة بإستضافة وكيل الشهيد الصدر وعائلته، فمكث "الشيخ عبد الحليم الزهيري"، في منزل الأول، فيما احتضن منزل المرحوم عزيز خضير حيدر "عائلة الشيخ الزهيري"، في شهر رمضان، فتحول بيت الحاج علي الى منتدى ديني وثقافي واجتماعي لمرجعية الشهيد الصدر، يتوافد عليه مختلف الناس ليلا ونهارا، ويمكث فيه ليلا حتى السحر بعض الشباب، حول الشيخ الزهيري ، يستمعون الى إجاباته عن أسئلتهم المتنوعة، وينشدون حلا للكثير من مشاكلهم، ويبوحون بآمالهم وأحلامهم وآلامهم. وفي صلاة الظهر يزدحمون في المسجد للصلاة خلفه، ومواصلة أحاديثهم الليلية معه.

حافظ الشيخ عبدالصاحب على موقفه المتوازن الهادئ، ولم تفتر علاقتنا به أو تتراجع. وكان قد احتفل قبل ذلك بمعية مجموعة من طلاب الإعدادية بالفراغ من تدريسهم كتاب "منهاج الصالحين" الرسالة العملية للسيد الخوئي. ولم يصدر منه أي موقف تحريضي أو استنكاري ضدنا، مع انه واصل تنبيهنا بلطف، فكان يوصينا بالاحتراز واليقظة من بطش الأمن وفاشستية حزب البعث. وقد أثار دهشتي في أحد الأيام حين أسر الى أحد الاخوان الشهداء قائلا: "لدي معلومات ان حزب الدعوة الاسلامية يمارس نشاطا تنظيميا في الرفاعي يقوده عبدالجبار الرفاعي، فينبغي ان تتكتموا وتحذروا من بطش هذا النظام وقسوته ...".  غير ان ذلك لم يمنعه من استمرار العلاقة بيننا، واهتمامه بالتشاور معنا، بكل ما يتصل بالحالة الدينية في المدينة، وتنسيق مواقف موحدة في مناهضة حزب البعث، وشجب أي شكل للتجاوب أو التعاون معه. ففي نهاية السبعينات من القرن الماضي أخبرني بأنه رفض عرضا من السلطة بمنحه راتبا شهريا ثابتا، لما في ذلك من إغواء وتوريط له، وانه سيمتنع عن الاستجابة لهم، مهما بلغ إلحاحهم واكراههم له، لأن ذلك سيقوده الى مداهنة نظام مستبد جائر.

واستطاع المرحوم بصبره وحكمته وتدبيره الصمود ومواصلة التبليغ، ورعاية الحالة الدينية، وخدمة المجتمع في الرفاعي في سنوات المحنة، لمدة تقارب ربع قرن، منذ سنة 1980 حتى سقوط صدام سنة  2003، وحظى بثقة المجتمع، وتنامى وترسخ احترام الناس له، بحيث أضحى بمثابة مرجعية محلية للمدينة، تستند اليه وتعتمد توجيهاته وإرشاداته في المشكلات الاجتماعية، والثقافة الاسلامية، والأحكام الشرعية.

رحم الله الشيخ عبدالصاحب وحشره مع محمد وأهل بيته الطاهرين والأنبياء والصديقين، وألهم عائلته وذويه الصبر والسلوان. وانا لله وانا اليه راجعون.

 

د.عبد الجبار الرفاعي

      5-2-2012

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2021 الأحد 05 / 02 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم