صحيفة المثقف

قراءة في بعض إستراتيجيات دول الجوارالعراقي

يرتفع منسوب الخطاب السياسي بمختلف تنوعاته، ضد تدخل دول الجوارفي الشأن العراقي، وتنطلق التحذيرات الرسمية وغير الرسمية، من محاولات تلك الدول للتأثير في نتائج الانتخابات، سواء من خلال ما تضخه من أموال لدعم قوى سياسية حليفة، او في الدفع نحو اضطراب امني قد يشكل ضغطاً على الحكومة العراقية .

 وهناك ثلاث دول تنال الحصة الأكثر وضوحاً في مفردات الخطاب السياسي العراقي بإعتبارها الدول الأكثر تاثيراً والأشد سعياً في هذا المجال، وهي على التوالي : إيران – سوريا – السعودية .

وفيما يأتي قراءة تحليلية في مواقف كل من الدول الثلاث انطلاقاً من المشهد الراهن اقليمياً ودولياً.

 

1: ايران

قبل أيام، أطلق احمدي نجاد طلقته الأخيرة بمطالبة العالم أن يقبل بإيران دولة نووية .

كانت إيران تراهن على موقفي روسياً أولاً والصين الى حدّ ما في عرقلة الاندفاعة الدولية ضدها، فروسيا التي تشعر بتطويقها عن طريق الدرع الصاروخي الذي تنوي أمريكا بناءه في بعض دول الاتحاد السوفييتي السابق – خاصة دول البلطيق وأوكرانيا – ما يعني إفراغ ردها العسكري من تأثيراته الضاغطة وقد يؤدي الى إنحسار نفوذها السياسي في مجالها الحيوي اوروبياً، لذا كان لعب الورقة الايرانية من خلال الايحاء بإتخاذ مواقف مضادة لتوجهات مجلس الامن بفرض عقوبات على ذلك البلد، بمثابة ورقة ( الأس) الروسية، رغم معرفة ايران بان الروس لايحبذون ايران نووية لما لذلك من تأثيرسلبي على الأمن الروسي داخلياً واقليمياً لإحتمال الدعم الإيراني للمتطرفين الإسلاميين في الشيشان وبقية جمهوريات النفوذ الروسي .

أما الصين، فلا تشعر بالقلق الكبير من كل مايجري، فباستثناء مشكلة اقليم (جيناينغ) الذي لم تصل بعد الى مستوى الخطور، تسجل استراتيجيتها الاقتصادية رواجاً عالمياً بسلعها الرخيصة والكثيفة، التي حققت لها نسبة نمو اقتصادي سنوي تعتبر من الاعلى والاكثر استقراراً في العالم، وبالتالي فهي تراقب تطور الملف الايراني من دون حماس كبير في التصدي لقرارت قادمة ضد إيران قد يتخذها مجلس الامن .

المبادرة الأمريكية بالغاء العمل بالدرع الصاروخي، جردت ايران من مراهناتها، حيث كانت المناورة الامريكية قد وضحت لروسيا ان الملف الإيراني هو المقصود بإعتباره الأكثر خطورة على الاستقرار العالمي، أما روسيا، فليس هناك من توجه امريكي لإعادة اجواء الحرب الباردة مع انشغال امريكا بحربها ضد التطرف الارهابي الذي يهدد العالم كله بما فيه روسيا ذاتها، حيث تعتبر ايران أحد داعمي او مؤيدي ذلك الارهاب حسب وجهة النظر الأمريكية . 

ومع انفراط عقد (الحلفاء) أو المساومين على الملف النووي، واقتراب إنشوطة العقوبات من العنق الإيرانية، ذهبت الطلقة النجادية الاخيرة من دون جدوى، فالعالم لن يستعد قريباً لرؤية ايران نووية، بل هو يتهيأ على ما ظهر عليه المشهد، للذهاب بعيداً في منعها من إكمال قنبلتها، ومازاد الطين الايراني بلة، كشف اجهزة المخابرات الغربية، عن المنشأة النووية السرية - الأكبر من نوعها في ايران - .

تلك (الطعنة) لم تتحملها الخاصرة الإيرانية التي أصبحت رخوة في أكثر من موضع – صعوبات مع الحلفاء في الوضع العراقي الذي يكاد يفلت من من اليد الايرانية– الإغراءات والضغوطات التي يتعرض لها السوريون لفك تحالفهم مع ايران – انحسار خطاب المقاومة في لبنان وفلسطين لحساب الخيارات السياسية – عدم توفر حلفاء دوليين يعتد عليهم -،يضاف الى هذا كله، اهتزاز الوضع الداخلي بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة .

إيران مجردة من اوراقها، هذا ماظهرت عليه أخيرا، وفي وضع كهذا تصبح المطالبة بتقبل العالم لما تريده، اشبه بالكوميديا، لذا لعبت ايران ببراعة في الوقت الحرج، سحب الملف النووي من التدوال بإنتظار تبدل الأوضاع واستعادة بعض أو كل الأوراق المفقودة لبدء اللعب من جديد، فكانت الخطوات التي قبلها العالم، نقل اليورانيوم الى دولة اخرى والقبول بوضع المنشآت النووية الايرانية تحت الاشراف الدولي .

جاء ذلك ضمن حسابات براغاماتية استطاعت اختيار الوقت اللازم للإنحناء أمام العاصفة فيما خص الملف النووي، لكن ذلك لايعني ان ايران سترضى بتحجيمها، فاذا كانت قبضة المجتمع الدولي قد شدت ضدها هنا، فهو لايعني ان القبضة ذاتها ستبقى مشدودة حيالها في ملفات اخرى، لذا ستستغل ايران حالة الارتخاء في الموقف الدولي للتفرغ من ثم الى ملفات سيكون العراق في طليعتها .

الملف العراقي هو الأكثر حيوية لإيران بعد الملف النووي، لذا ستركز كل جهودها - بضغوطها واغراءاتها - كي تأتي نتائج الانتخابات ان لم تكن داخل رؤيتها تماما، فأقله ليست بعيدة عنها، فهي تدرك انها ليست وحيدة في الميدان وواقعيتها ستدعوها الى القبول بحصة مجزية لكنها ليست بالضرورة حاسمة، وهذا يعني انها لن تغامر برفع وتيرة العنف، لخطورة المراهنة على هذا الشكل من الضغوط وعدم ايجاد حلفاء سياسيين يمكنهم السير في هذا الاتجاه لما له من انعكاسات سلبية على وضعهم الداخلي قد يهدد بإخراجهم من العملية السياسية برمتها فيما اذا دارت الشكوك حول دورهم في العنف.

أما في لبنان، فالأمر قد يكون أكثر قابلية للمناورة،اذ يكفي ان تلجأ المعارضة الى رفع سقف مطالبها للموافقة على تشكيل الحكومة الحريرية، مايؤدي الى استمرار الأزمة السياسية اللبنانية مبقية النار تحت الرماد، وهو مايهدد بوصول الاوضاع الى طريق مسدود بما فيها احتمالات العنف.

أما السفينة الفلسطينية، فستبقى تتأرجح بين احتمالات لاترسو في ميناء محدد، وهذا يشكل بحدّ ذاته، ورقة لم تستنفد أغراضها، وبالتالي يمكن اللعب فيها- ومن خلالها - على أكثر من إتجاه .

هذا لايعني ان ايران قادرة على التحكم بمنسوب الحركة السياسية في هذه الملفات الثلاث، لكنها ستبقى لاعباً مؤثراً فيها، يرتفع مستوى تأثيره كلياً أويتراجع جزئياً تبعاً للتطورات المرافقة لكل ملف .

 

2: الحيرة السورية

حتى أسابيع خلت، كانت الاستراتيجية السورية القائمة على دعم العنف في العراق، تبدو ورقة رابحة لاستدراج عروض أمريكية تعترف بدورها المحوري في المنطقة، فسوريا في الحقيقة لاتملك الكثير من الأوراق لاستخدامها في البحث عن دور بعد ان فقدت لبنان وحوصرت في التغيير العراقي الذي بات يهدد الوضع السوري في متجهين : استحقاقات الديمقراطية بفيدراليتها الخطرة التي قد تجد لها صدى في الوضع الداخلي بتكويناته المختلفة – أكراد – علويين – دروز – عرب سنة – اذا ضعفت قبضة النظام، ثم ثقل الوجود الأمريكي الذي بدت احتمالات دعمه لخضات مستقبيلة قد تتعرض لها سوريا .

ولما لم يكن لدى سوريا من مقومات القوة العسكرية التي بإمكانها الصمود بأسلحتها المتقادمة ومحدودية خبرتها القتالية، راهنت سوريا على الوسيلة الأقل كلفة والأكثر فاعلية كما رأتها – جموع من الارهابيين تدخل العراق فتحدث أكبر قدر من الاضطراب لابتزاز الحكومة العراقية من جهة، واشغال الامريكيين بمعالجة الوضع العراقي مضطرب الأمن من جهة اخرى .

لكن السوريين لم يقدروا حجم التغيرات التي حدثت بعد توقيع الاتفاقية مع امريكا، حيث انكشفت ورقة (المقاومة العراقية) وفقدت الكثير من مبررات استمرارها .

كان يوم الاربعاء الدامي، هو الخطأ الأكثر حماقة في الاستراتيجية السورية، فقد قدرت ان الوقت قد حان لنسف العملية السياسية من اساسها، وبالتالي جعل الامريكيين يفكرون في تبني ورقة البعث خاصة بعد ان نقل للحكومة السورية بعض مما جاء في اجتماعات تركيا التي كانت بمثابة كمين اعد للسوريين من خلال اشارت بان أمريكا قد لاتمانع بتغيير ما، في الوضع العراقي يعيد البعث كقوة فاعلة في مسار العراق، وكان ذلك اشبه بإيحاء المندوبة الامريكية (غلاسبي) لصدام حسين بأن أمريكا قد لا تتدخل في مشكلته مع الكويت، ففهمها صدام بأنها ضوء أخضر لغزو الكويت عام 1991.

ضربة الاربعاء كانت وبالاً على السوريين، فقد اضعفت حلفاءهم في العراق، وجعل الاصوات التي ارتفعت في البداية للدفاع عن سوريا، تتراجع تدريجياً ثم تختفي، بما فيها مجلس الرئاسة العراقي الذي تبنى رئيسه جلال طالباني، طلب الحكومة العراقية تشكيل محكمة دولية، وبالتالي فقد قوت المالكي وحكومته واشعلت غضباً عراقياً عارماً على الحكومة السورية ومن يؤيدها.

بدا الارتباك على السوريين منذ اللحظات الاولى، ابتداء من تصريحات بشار الاسد، وليس انتهاء بإعلان وزير خارجيته بأن سوريا لن تتعاون مطلقاً مع اي هيئة تحقيق دولية بخصوص العراق .

كانت علائم الحيرة واضحة على الوزير السوري وهو يدلي بذلك البيان، فلو شكلت لجنة التحقيق الدولية فعلا، فستضطر سوريا للتعاون معها، واذا امتنعت، فسيكون ذلك بمثابة دليل إضافي على ادانتها .

لقد وجدت سوريا نفسها امام خيارين احلاهما مرّ، فالاغراءات المقدمة لها – التقارب مع تركيا والسعودية – الايحاءات الأمريكية والاوربية بإعادة تعويم النظام السوري وإمكان إعتماده أو الاعتراف بدوره في بعض الملفات – كانت اشبه بالصفقة التي يعقدها البوليس الأمريكي مع أحد المجرمين للحصول على تعاونه أو شهادته، مقابل وعد بعقوبة أخف .

تلك (الجزرة) لا تفي بالطموحات السورية، فهي لا تشمل إعادة الجولان، ولا مساعدات اقتصادية مجزية، كذلك لادور اقليمي يعيد لها مجالها الحيوي في لبنان خصوصاً والمنطقة عموماً، ولا وعد بإمتيازات ضمن ماسيؤول اليه الوضع العراقي، وهي أن وافقت على التعاون ضد الارهاب، فستفقد ورقتها الوحيدة في مجال مراهناتها، لذا تعيش سوريا اليوم حيرتها المزدوجة، المحكمة الدولية تضغط عليها من لبنان، وهاهي محكمة اصعب منها توشك على التحول الى كابوس، فماذا لو كشفت الادلة مقدار التورط السوري الرسمي فيما حدث في العراق ؟ لاشك ان من شأن ذلك ان يفتح عليها أبواباً قد لا تغلق ابداً – منها التعويضات المالية للعراق التي ستبلغ مئات الميارات، فاذا كانت ليبيا قد دفعت تعويضات ضخمة من اجل تهمة (لوكربي) التي لم تثبت بشكل قاطع، فكيف بسوريا أمام آلاف الضحايا من العراقيين التي تسببت أوسهلت مقتلهم ؟

المشكلة أمام سوريا، ان ورقة العنف في العراق لم تعد مثمرة، فقد تقلصت القوى السياسية التي تراهن على العنف، وباتت المشهد السياسي بغالبيته الساحقة، مفرغ بمايكفي ممن يمكنه الاستمرار في رهاناته السابقة التي باتت أشبه بمغامرة غير مأمونة العواقب بعد ان فقد العنف حاضنته الإجتماعية .

من هنا تبدو الحيرة السورية بين مقاومة الضغوط المتصاعدة من جهتين – لبنان والعراق - وبين تقلص دور ونفوذ طالما حلمت بتوسعه وإقراره، وهي في كل ذلك قد ضيقت مساحة المناورة أمامها، فالوضع العراقي بات خطراً، والوضع اللبناني لم يعد مريحاً حتى مع الإستمرار بلعبة التعطيل، اما تفجير الوضع اللبناني لقلب الطاولة على الخصوم، فقد تزيد الموقف السوري حراجة .

النافذة السورية الوحيدة المتاحة، هي بإبداء المرونة فيما خص الحدّ من تدفق الإرهابيين الى العراق وتجميد حركتهم،كذلك في المساعدة على تسهيلات سياسية في لبنان، لكن ماتخشاه ان السيف قد يكون قد سبق العزل .

 

3: الواقعية السعودية في الوضع العراقي

النظرة السائدة في الوسط السياسي العراقي، ان السعودية هي الدولة الأكثر حساسية تجاه التغييرالذي حدث في العراق، ومع تقدم العملية الديمقراطية وتجاوزها قطوعات مهمة، بدأت السعودية تشعر بقلق متزايد من ثبات الحالة العراقية على وضعها الراهن الذي وضع (الخصم) الطائفي في موقع السلطة وما قد يعكسه ذلك من تأثير مباشر على أوضاعها .

وفي الخلاصات العامة، تعتبر السعودية بلداً محاصراً من جوارها، فإيران المتربصة وسوريا المشاكسة واليمن المضطربة والأردن الصامتة على مضض عن (حق هاشمي سليب) ثم إمارات الخليج المتذمرة من دور (الأخ الأكبر) الذي تمارسه السعودية عليها، وأخيراً يأتي التغيير في العراق على احتمالاته المفتوحة بكل اتجاه ليزيد من البلل .

لكن السعوديين مارسوا دورهم بهدوء في الغالب، فهم لم يتبنوا العنف علناً وان كانت ارضهم مصدراً ل(الجهاديين) القادمين الى العراق، كذلك الفتاوى التي تحلل مايقوم به هؤلاء - والتي تحرمه كذلك - أي ان المصادر الرسمية السعودية نأت بنفسها عما يحدث من عنف وان لحقتها بعض شراراتها القاعدية (كان آخرها محاولة إغتيال الإمير محمد بن نايف) .

على الصعيد الدولي، بدت السعودية في وضع غير مريح نسبياً، فالعالم لم يعد يحبذ رؤية نظام الملكية المطلقة في وقت تحولت فيه الديمقراطية الى سمة العصر، والتجاوب السعودي مع خطوات انفتاحية واضحة التوجه، يحتاج الى وقت طويل وخطوات مدروسة بدقة كي لايؤدي الإنفتاح الى إضطراب، كذلك تراجع دورها في لعب دور الوسيط الناجح عند محاولة البحث عن حلول لبعض مشاكل المنطقة - سواء في لبنان أو سوريا أو فلسطين أو العراق - بعد ان تقدم الدور التركي ليشغل هذه المهمة .

في كل ذلك، تصرفت السعودية وفق حسابات الإنتظار، مع تراجع خطوات الانفتاح الأولى في الوضع الداخلي .

 أس هذه الحسابات ومحورها،حقيقة أن العالم يحتاج اليها بإعتبارها ركيزة التوازن والإعتدال في منطقة تمور بالتطرف من ناحية، وبكونها المصدر الأول للطاقة البترولية التي مازلت (سيدة الطاقة) طوال هذا القرن كما هو متوقع،خاصة وتجارب البحث عن مصادربديلة لم تسجل نجاحات كبيرة في هذا الجانب .

لكن بعض المؤشرات بدأت تظهر في موقف السعودية من مقاربة أخرى للوضع العراقي، فقد خفتت فتاوى التكفير من بعض المشايخ بنسبة كبيرة وأبعد خطيب الحرم المكي الشيخ الكلباني الذي أثار بتصريحاته موجة غاضبة من الردود في الأوساط الشيعية والسنية على السواء، كذلك إنخفض تدفق الانتحاريين المتسللين من السعودية، وان كانت أحكام الإعدام بقطع الرأس التي تصدر بحق معتقلين عراقيين ولتهم بسيطة – كتجاوز الحدود خلسة وتهريب الأغنام – مازلت تلقي بظلها على الموقف السعودي الذي يريد الاحتفاظ بكل أوراقه تحسباً لكل إحتمال، لكن كفة الإقرار ضمناً بضرورة النظرالى العراق بمنظارمختلف يرى ما أفرزته الوقائع ويتلمس السبيل للتعايش معها .

 وعلى العكس مما في موقفها المتحفظ والمتحسس، بدأت مؤشرات أخرى بالظهور، خاصة بعد تبني مجلس التعاون الخليجي في بيان رسمي، طلب العراق تشكيل محكمة دولية لمن يثبت تورطهم في أعمال الارهاب في العراق، كذلك في عدم الضغط على حلفائها من القوى السياسية العراقية، الإستمرار في تبني الخطاب الطائفي .

في كل ذلك، لايبدو مستغرباً القول أن السعودية ستكون الأكثر مرونة من الجارين الآخرين - إيران وسوريا - في التعامل مع الوضع العراقي خاصة بعد الإنتخابات القادمة، فسوريا مغلقة على شعاراتها القومية التي أصبحت مائدة للدهر، أما إيران، فقد تقف الايديلويجا والطموحات عائقاً أمامها في فهم ما قد يحصل من تغيرات في الخارطة السياسية العراقية نتيجة العملية الإنتخابية .

 (المطبخ الاستراتيجي) في السياسية السعودية، يضمّ عدداً من الرموز المنفتحة على مايجري في العالم من تطورات، وهي ذاتها التي إستطاعت الإمساك بعصب الإعلام والإقتصاد وتخطط الان لشراء عدد كبير من المزارع النموذجية في مختلف البلدان الآسيوية والأفريقية – تركيا – السودان – تنزانيا – نيجيريا – وسواها،كي تكون من ثم مصدرغذاء للمنطقة، وتنوع في الوقت عينه من مصادر الدخل ربما استعداداً لنفاذ البترول، كذلك التوسع في نفوذها السياسي بطريقة تبادل المنفعة، وتلك هي سياسية المستقبل ان شئنا الدقة .

 لاشك ان تخطيطاً استراتيجياً يسعى الى الإمساك بعصب الحياة (الغذاء) وعصب الاقتصاد (المال) وعصب الثقافة (الإعلام) وعصب الحركة

(البترول) سوف يسعى كذلك الى إطفاء نقاط التوتروتجنب الدخول في عداوات شديدة يمكن ان تعرقل – وإن بنسبة ما – تلك الإندفاعة، فرأس المال بحاجة الى مناطق آمنة كي يزدهر، والشعوب الجائعة تبحث عن غذاء أي يكن مصدره، وبإستثناء البلدان التي تعتمد تصدير الأسلحة لإنعاش موازناتها، فالسعودية ليس فيها مصانع للسلاح كي تشعر بحاجتها الى تأجيج الصراعات - الا في حدود دنيا واضطرار محدود في وقته ومكانه - وهي في المشهد العام تبدو كحامل العصا في الفرق الموسيقية العسكرية، يمسكها تارة من الوسط وطوراً من أحد الاطراف، يرفعها أو يخفضها يلفها بحركة دائرية أو الى الأمام أوالخلف، حسبما يقتضيه اللحن، لكن العصا في كل حال تبقى بيده والفرقة من خلفه تؤدي عزفها .

لايعني هذا أن السعودية ستتخلى عن رهابها المذهبي وخشيتها من التمدد الشيعي، فذلك لن يجري عليه تغيير بأية حال، لكن البراغماتية تنطلق من القاعدة الذهبية في السياسية (لا عداوات دائمة ولا صداقات دائمة بل مصالح دائمة) وبالتالي فهذه القاعدة هي التي ستقود السعودية الى ضرورة التعايش مع ما حدث في العراق على علاتّه، شرط حصر مخاطره في حدود العراق وضمان عدم إنتقال (العدوى) الى مناطق أخرى قد تؤثرعلى المصالح السعودية - بمستوييها المادي أو المعنوي- .   

 

 

............................

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم