صحيفة المثقف

الدولة الكردية آتية / جودت هوشيار

ولكن هذا الأهتمام لم يقابله أهتمام مماشل على الصعيد الرسمى، ما عدا تلك الفترة القصيرة التى أعقبت ثورة 14 تموز 1958 المجيدة فى العراق، حيث ظهرت على السطح هذه القضية بكل تفاصيلها وأبعادها الجيوبوليتيكية، وقد أدى هذا الأهتمام الى تأسيس فروع وأقسام لـ(الكردولوجيا) فى معهد الأستشراق وبعض الجامعات وبخاصة فى جمهوريات القفقاس، التى كرست جهودها لأجراء البحوث العلمية حول الكرد وكردستان . كما صدر العديد من الكتب والدراسات المكرسة للقضية الكردية عن معاهد الدراسات الأستراتيجية، التى تقدم التقارير والمشورة لصانعى القرارات، أضافة الى اهتمام أعلامى واضح بالشعب الكردى وقضيته العادلة . وكالعادة لعب المثقفون الكرد فى تلك الجمهوريات دورا بارزا فى هذا المجال.

و رغم ان تلك البحوث والكتب والدراسات أشارت الى أن الشعب الكردى كان الخاسر الأكبر عند رسم خارطة الشرق الأوسط من قبل بريطانيا وفرنسا بعد الحرب العالمية الأولى . الا أن الأمر لم يصل الى أكثر من المطالبة بأيجاد حل عادل للقضية الكردية ضمن الدول التى تتقاسم كردستان وهى تركيا وأيران والعراق وسوريا . ولم تبد القيادة السوفيتية ومن ثم القيادة الروسية الحالية اهتماما يذكر بالنتائج التى توصلت اليها تلك الأعمال العلمية، رغم صدورها عن معاهد وجامعات ومراكز أبحاث ستراتيجية تابعة للدولة .

و يلاحظ هذه الأيام أهتماما واضحا بالقضية الكردية فى وسائل الأعلام الروسية مع التطورات المتسارعة وأشتداد التنافس الأميركى – الروسى فى منطقة الشرق الأوسط وفشل الولايات المتحدة فى أقامة نظام ديمقراطى فى العراق، رغم صرف مليارات الدولارات فى هذا السبيل، حيث تؤكد الصحف الروسية أن الحكم الحالى فى بغداد، لا يعدو ان يكون حكما بوليسيا متخلفا يضع مصالح ايران فوق مصالح العراق العليا وأن أيران قد ملئت الفراغ الناجم عن الأنسحاب الأميركى عن العراق، وان الكرد قد وافقوا على العيش مع المكونات الأثنية والدينية الأخرى فى العراق ضمن دولة ديمقراطية، أتحادية، تعددية . ولكن واقع الحال يشير الى ان الحكم الحالى فى بغداد، لا يؤمن أصلا بالحقوق القومية المشروعة للشعب الكردى . ومن هذ المنطلق يدعو بعض الكتاب والمحللين السياسيين الروس البارزين، الكرد، الى أنتهاز هذه الفرصة التأريخية، فى ضؤ المؤشرات العديدة التى تدل على تغييرات أيجابية واضحة فى تعامل القيادة السياسية التركية مع أقليم كردستان ( العراق).

و فى هذا الصدد كتب أحد الكتاب الروس وهو " ميخائيل سفياتوف " مقالا جريئا بكل المقاييس فى أحد المواقع الألكترونية المهتمة بالقضية الكردية، يدعو فيه الى الأعلان الفورى للدولة الكردية التى يرى الكاتب أنه سيكون بداية لأستقلال " كردستان الكبرى " بأجزائها الأربعة . حيث تشكل أقليم كردستان مركز جذب قوى للشعب الكردى سواء داخل كردستان الكبرى او خارجها .

يقول الكاتب ان تنصل الحلفاء المنتصرين فى الحرب العالمية الأولى وبخاصة بريطانيا وفرنسا، عن تنفيذ ما نص عليه معاهدة سيفر، بشأن حق الشعب الكردى فى أقامة دولته المستقلة وتجاهل معاهدة لوزان اللاحقة لهذا الحق،كل ذلك، أدى الى الحاق ظلم تأريخى بالشعب الكردى وأضطراب الأوضاع الداخلية فى دول التقسيم .

و مما يثير استغراب الكاتب ان الدول التى عارضت أستقلال كردستان وهى بريطانيا وفرنسا وتركيا، هى التى تبدى اليوم – أضافة الى الولايات المتحدة الأميركية - أستعدادا لتقبل ظهور دولة كردية مستقلة فى كردستان الجنوبية فى العام 2014

و يرى" سفياتوف " ان المعنى الجيو- بوليتيكي لأنشاء كردستان المستقلة بالنسبة الى الدول الغربية تنحصر فى النقاط التالية :

- الثروات الطبيعية الهائلة التى تمتلكها كردستان وبخاصة الأحتياطى من النفط والغاز،التى تفوق ما هو وجود فى ليبيا على سبيل المثال .

- الهيمنة على منظومات نقل النفط والغاز مثل منظومة " نابوكو " وغيرها

- الموقع الستراتيجى الهام لكردستان .

و يؤكد الكاتب " ان تركيا تدرك جيدا حتمية ظهور الدولة الكردية، لذا فهى تعزز علاقاتها مع أقليم كردستان (العراق) . والسبب فى ذلك ان ثمة أكثر من 25 مليون كردى فى تركيا وأنه بحلول العام 2018 يستطيع كرد تركيا – عن طريق انتخابات حرة ونزيهة – ان يسيطروا على معظم المناصب الرفيعة والحساسة فى المناطق الكردية من تركيا . ومن ثم أجراء أستفتاء شعبى لأقامة كيان كردى أى منطقة حكم ذاتى تتمتع بصلاحيات واسعة، ستتحول بعد فترة الى دولة مستقلة ,

. ووفق هذا السيناريو، فأن تركيا - المتطلعة الى عضوية الأتحاد الأوروبى – لن تكون قادرة على قمع الكرد . ولكن بوسع تركيا - اذا أتبعت سياسة تتصف ببعد النظر - ان تحل القضية الكردية سلميا وتوسع من مساحتها ونفوذها وتصل الى ثروات المنطقة .


الحديث يدور – وما زال الكلام لسفياتوف – عن أنشاء أتحاد تركى – كردى فيدرالى أو كونفيدرالى، والتى يمكن أن تستجيب تماما لمصالح الكرد.

وبعد دخول هذه الدولة الأتحادية الجديدة الى الأتحاد الأوروبى ستتحقق للكرد أمتيازات كثيرة .

و يعود الكاتب ليقول : قد يبدو ذلك ضربا من الخيال ! ولكن يجب أن نأخذ فى الأعتبار أنه قبل عشر سنوات لم يكن أحد يتوقع أن يكون رئيس جمهورية العراق كرديا . وان رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان سيزور أقليم كردستان، زيارة رسمية . وأن يكون كردى آخر رئيسا لجمهورية أذربيجان، حيث أن ( عائلة عليف الحاكمة فى هذا البلد ) كردية الأصل . أو أن نظام بشار الأسد سيسقط، وبذلك ستتاح الفرصة لكرد سوريا للحصول على حق تقرير المصير، وأنضمام كردستان الغربية الى كردستان الجنوبية . ويتوقع الكاتب أيضا سقوط نظام الملالى فى أيران مع كل ما ينتج عن هذا السقوط من تداعيات وفى مقدمتها تشكيل كردستان الشرقية .

و يعبر الكاتب عن دهشته لموقف روسيا الغريب من هذه القضية، التى لعبت فيها دورا فعالا فيما مضى، حيث كانت طرفا فى معاهدة سيفر الموقعة بين الحلفاء المنتصرين عقب الحرب العالمية الأولى، . ولكنها – أى روسيا – ومنذ توقيع معاهدة لوزان فى العام 1922 التى لم تشترك فيها وحتى يومنا هذا، فقدت كل خيوط التأثير فى القضية الكردية، بأعتمادها على أنظمة مكروهة ومعزولة فى العالم العربى مثل النظام الصدامى فى العراق ونظام الملالى فى أيران ونظام الأسد فى سوريا .

 

جودت هوشيار

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم