صحيفة المثقف

120 عاما من الرسم الحديث / كاظم شمهود

ولي العهد الامير فيليب و زوجته الاميرة ليتيثيا . وقد شارك في هذا المعرض العام اكثر من مائة كاليري غالبيتها من اسبانيا . وكان العرض فقيرا و ضعيفا و يخلو من التجديد و ليس بالمستوى الراقي والمبهر سوى كان في الابداع او من ناحية المضامين و الافكار . وبقت كل الاعمال الفنية تدور في فلك المدارس الفنية الحديثة التي ظهرة قبل اكثر من 120 سنة والتي لعبت دورا كبيرا في استيقاض المجتمع من سباته الطويل . فقد فاق على افكار و نظريات ذات فيض متدفق حفل بها العالم الاوربي يومذاك ...

وخلال تتبعي المستمر حول ما نشر وكتب في الصحافة حول المهرجان والتعليقات او النقد الذي كتب عنه , اتضح لي انه ليس هناك شئ يستحق الثناء و الذكر وان جل اهتمام اصحاب الكاليريات اليوم كان منصبا على البيع والشراء الذي انخفض بشكل ملحوظ و غريب و قاتل حتى ان احد اعمال تابيس Tapies وصل سعرها الى 15 الف يورو (كريليكو) وكان- توني تابيس – الابن يدير كاليري للعرض قد حشد فيه عدد من اعمال ابيه , والذي كان احد المحطات التي زارها الامير فيليب حيث استقبلهم توني بكل حفاوة و تكريم ..

وقد نفذت بعض الاعمال الفنتاسية امام الامير منها احد الفنانين قام بالرسم المباشر امام الجمهور مستخدما مادة السبراي على مساحة عدة امتار . .. وهو ما يذكرنا بحركة رسامي الشوارع (الكرافيتيين) التي ظهرت في نهاية الستينات في نيويوك و فيلادلفيا . كما شاهدنا فيديو فيه رسام يرسم من خلال متابعة حركة كرتين صغيرتين تندفعان بعشوائية بيدي الفنان على سطح اللوحة ... و قد اصبحت ظاهرة المزج بين التقنية التصويرية و الصوتية و التشكيلية و المسرحية

ظاهرة عمت الفن الحديث المعاصر وقد برز في هذا المجال سابقا الفنان السويسري هيرمان نيتسج Herman Nitsch 1938 و اعتقد ان هناك نوع من الارتباك و الفوضى في العمل الفني المعاصر ربما ناتج عن التقدم التكولوجي والمعلوماتي الهائل والمرعب و المخيف بحيث اصبح الانسان والفنان بالذات غير قادر على استيعاب هذا الكم الكبير من الاكتشافات و الصنائع التي ترد اليه يوميا .. ..

 

كما انتشرت ظاهرت عرض التقنية التصويرية في كثير من الكاليرات – فيديوس – حيث تظهر هذه الشاشات عروض لطرق و اساليب اعمال بعض الفنانين الحديثين امام الجمهور مباشرة و هو مايطلق عليه- action art o life art – وهذه المدرسة ظهرت في عام 1920 مع ظهور الدادائية والسريالية و تزعمها احد الفنانين يدعى

Allan Kaprow و ربما هو ايطالي الاصل . وقد اشتهرت وانتشرت في عام 1960 في اوربا .. ولهذا نحن امام جذور قديمة وتقنيات حديثة . واعتقد نحن الآن نعيش - واقعية بلا ضفاف – كما يعبر عنه المفكر الكبير روجيه جارودي ..

وايضا نرى اساليب الحركات التقدمية الحديثة الاخرى ظاهرة و منها التجريدية الغنائية و التي بدأت مع الفنان الامريكي جاكسون بولوك 1912 و كذلك التجريدية الهندسية التي تزعمها كاندنسكي ذو النزعة الروحانية الصوفية .. وكذلك الواقعية الجديدة التي ظهرت عام 1960 في باريس و نيويورك و اطلق عليها اسم البوب آرت و برز فيها - وار هول - ... كل هذه النشاطات الفنية المتنوعة التي نراها في هذا المهرجان , تعود الى فضل اولئك الرواد الذين فجروا الثورة الاولى على التقاليد الكلاسيكية القديمة في نهاية القرن التاسع عشر سواء كانوا من الفنانين او الادباء ....

ومن المفارقات الطريفة التي احدثت ضجة في هذا المهرجان هو عرض لوحة نحتية تمثل الدكتاتور فرانكو موضوع داخل ثلاجة او مجمدة . وقد اعترضت على ذلك - مؤسست فرانكو –Fundaci?n de Franco و حسب ماسمعت وقرأت انه ستقدم شكوى الى المحكمة ضد الفنان وصاحب الكاليري ...؟ و هو ما يؤسف له .

 

ان النزوع الى الفن التجريدي لم يضعف من رصيد رسامي الاجيال السابقة او ينزع مكانة اساتذة المدرسة الانطباعية او الوحشية او التكعيبية او التعبيرية . ففي نفس الوقت كان هناك مهرجانا آخر للفنون التشكيلية في مدريد تزامن مع ARCO 12 – - عرضت فيه اعمل ذات اساليب متنوعة يطغي عليها الطابع الواقعي او الشخوصي او الانطباعي بتقنيات مختلفة .. ولكنها ايضا تفتقد الى التجديد و الانبهار . و تبقى داخل اطار الحركات والتيارات الفنية الآنفة الذكر ...

 

 

نقطة اضاءة

دخول التكنولوجية المعلوماتية والرقمية و تفرع الحقول العلمية والتخصصية التي نعيشها اليوم جعلت الانسان مكشوفا امامها اينما وجد . واصبحت الاجسام خيالية تطفوا على شكل ذرات في الفضاء ثم تتجمع وتظهر امامنا لتحاورنا ....

بعض المفكرين والفلاسفة والمفسرين المعاصرين طلوا علينا من خلال الشاشة الصغيرة يتحدثون عن نشئه سابقة للانسان قبل هذه النشئة الدنيوية , بمعنى ان هناك نشئه سابقة للعقل قبل نزوله الى البدن

حيث كان عائشا في عالم الذر ... وكان لديه معارف وعلوم كونية و عندما خلق البدن وحل فيه العقل بدأ الانسان بتفعيل تلك المعلومات التي تعلمها في عالم الذر ....

ربما احدكم يعرف عن نظرية افلاطون الاستذكارية حيث كان يعتقد بان النفس كانت موجودة في عالم المثل و انها تعرف عن الحقائق المجردة هناك , وعندما نزلت الى البدن فقدت كل ما تعرفه سابقا في عالم المثل ولكنها بدأت بأسترجاعها عن طريق الاستذكار ... بمعنى ان هذه الصور الموجودة في الحياة ماهي الا صور انعكاس او خيال لعالم المثل ....

كما كلنا يتذكر نظرية الفنان العراقي محمود صبري 1927 - واقعية الكم – و التي روج لها في مطلع السبعينات و اقام لها عدة ندوات ومحضرات في بغداد . ويعتقد محمود بان الفن يجب ان يسير مع تطلعات الانسان الجديد وانه يجب ان يكون علميا .. ولهذا على الفنان ان ينتقل الى داخل الذرة اي انه يجب ان يعمل على المستوى الذري .....

و اليوم نحن نعيش بين نظريات قديمة تحدث عنها الفلاسفة والمفكرون و تكنولوجيا علمية تطبيقية تغزوا حياتنا اليومية و تسيرنا حسب ماتريد و لازال الفن يتأرجح بين الماضي العريق والحاضر المرتبك والمتأزم الذي يبحث عن واقعية جديدة مع ضفاف ..

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2043 الأثنين 27 / 02 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم