صحيفة المثقف

عيد ميلاد / دينا نبيل

-- " ولم لا ؟! .. فهذا عيد ميلادك ، ستبدو وسيماً فيها ... سترى !"

 

متردداً تناولها من يديها ، وبيدين مرتعشتين خلع ملابسه ووضع الحلة الجديدة عليه

حمراء .. جديدة  ... يشعُ منها وهجٌ يحس له انعكاساً على وجهه .. في عينيه ...حتى تألمتا من شدة حمرتها ، فراحتا تذرفان دمعا علّه يطفئ لهيباً أحمرَ اتقد بهما ... فازدادت مآقيه حمرةً والتهاباً !

 

الحجرة خاوية ، لا يوجد بها أثاث عدا كرسي معدني ... بقدمين متثاقلتين راح نحو الجدار واستند إليه يريد فيه الذوبان . أطرافه باردة كالثلج لم يفلح معها وهج حلته ،  وقلبه مضطرب لم تدفئه حرارة لونها الأحمر .. فأراد ان يقفز من صدره ليعانق دفء الحائط ،فاصطدم به ... إنه حجر ، لن يرأف به ... لن يقبل عناقه .. لن يرضى له الذوبان فيه ، أهي لعنة الحجر أم قانونه ؟!

 

وأطفئ النور ،  وازدادت الحجرة ظلمة وصارت تعج بخيالات مبهمة تتراقص حوله وترسم أشكالاً خليطها سوادُ الظلمة وحمرةُ الحلّة

وسريعاً أنيرت الغرفة بنور ثلاثين شمعة تتوسط كعكة كرز .. حمراء على الكرسي

ولكن ..

-- " أين الحضور يا أمي ؟! ... لم يأت إلا أنت فقط ! "

ضمته إلى صدرها وهمست بصوتٍ حانٍ في أذنه " لا تقلق ، سيحضرون .. حتماً سيحضرون !"

 

خطواتٌ مسرعةٌ ...  يُطرَق البابُ  ..... وتدخل امرأةٌ شابةٌ تحمل رضيعاً  

-- " من هذه ؟ .. تشبه أمي وهي شابة ! .. لكن لا ، هذه عابسة !"

اقتربت منه مسرعة " انظر إلى طفلي ! .. يشبهك في صغرك !" .. ثم اطفأت الشمعة الأولى وتلاشت يسابقها ظلها

 

يُطرَق الباب  ... امرأةٌ أخرى تلاعبُ طفلاً ، تقذفه عالياً ثم يعود إلى أحضانها ، والصبي يضحك وهي لا تبتسم  " تشبه سابقتها .. لعلها أختها " .

 ثم تطفئ شمعة أخرى وتجلس إلى جواره .. " إنها ترمقني !!"

 

يُطرَق الباب ... تدخل امرأةٌ  .." تشبه التي إلى جواري .. تحتضني بقوة !"

-- " كل عام وأنت بخير "

ثم تأخذ شمعة وتجلس إلى جوار المرأة  .. يكبر ظلها على الحائط ، جسم أسود طويل يرتعش يمنة ويسرة  ذو شعر منفوش  " إنه ينظر إلىّ بعينين سوداوين .. يريد الانقضاض علي !" .. ثم اطفأت الشمعة

 

كل دقيقة ...

يُطرَق الباب  .. امرأة تدخل ... شمعة تطفأ .. لم يتبق الكثير

--" كلهن يشبهن أمي ! ... كيف ولم اجتمعن ؟! ...نعم هذه تشبه أمي كثيرا .. لم تبكي ؟؟ .. وهذا .. هذا يشبهني تماما .. لكنه ليس أنا "

انطلقت نحوه تمسح وجهه بدموعها

--" كل عام وأنت بخير " .. وتطفئ شمعة أخرى

امتلأت الغرفة بالنساء ... متشابهات نفس الصوت والصورة مع فروق العمر ، وحولهن يتماوج دخان فتيل الشمع المحترق ورائحة الشمع المذاب تعلو الهواء والنساء حوله يأكلن الهواء بأنوفهن وأفواههن

 

يُطرَق الباب   .. " هذه أمي ! "

 تأخذ الشمعة الأخيرة  وتبتسم " كل عام وأنت بخير "

وعلى ضوء منبثق من الشمعة التفت باقي النسوة حولها .. ينعكس الضوء على وجه الأم من أسفل فيعلو السواد جفونها المسدلة  وشعرها ، وتختفي باقي النسوة في أوشحة الظلام فلا يستبان سوى كتائب متراصة ذات شعور ثائرة تتحرك خلسة في العتمة .. يخرج من باطنهم بين همهمة ونشيج " كل عام وأنت بخير " في أغنية حالكة بلا قيثارة

دفعت إليه أمه الشمعة .. " هيا حبيبي .. انفخها وتمن أمنية !"

-- " لن أفعل "

-- " هيا .. نريد تقطيع الكعكة ليأكل الحضور !"

صهده ليبها ، فخانته زفرة مرتعبة قوية فانطفأت على إثرها الشمعة الثلاثون

--" أريد ألا أراكن .. أريد أن أنام !"

ضمته إلى صدرها :

"  حسنا يا حبيبي ..كان يا ما كان ... ولد شقي تبكي عليه أمه دما بدل الدموع .. جاءه الشيخ يعظه فما انتهي .. فجاءه رجل كبير ذو شارب عظيم ومعه كيس أسود فألبسه إياه في رأسه ... وقال له " لن ترى أمك ثانية !" ... وأخذه إلى حجرة مظلمة ولفّ حول عنقه حبلا وعلقه في السقف ...

(خلصت الحدوتة) !!!"

 

تم تنفيذ حكم الإعدام شنقا الصادر من محكمة جنايات  ( ... ) على المدعو ( ... ) في تاريخ ( .. )

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2044 الثلاثاء 28 / 02 / 2012)

 

دينا نبيل -- مصر

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم