صحيفة المثقف

(حزام النار) وأحلام الجعفري رداً على السيد غالب الشابندر

خاصة بعد سقوط الدكتاتورية وإنبثاتق عهد جديد في تاريخ العراق السياسي مازلت معالمه طور التشكل .

ولما كنت ومنذ فترة ليست بالقصيرة، قد ركزت جلّ اهتماماتي في الشأن العراقي، فقد حاولت المساهمة في قراءة هذه المرحلة الحرجة والحاسمة في التأريخ للحدث العراقي انطلاقاً من إشتغالي بعلم الإجتماع السياسي، إعتقاداً مني بأن المرحلة الحالية، ستكون الأكثر إثارة وخلافاً إشكالياً – في المنهج والقراءة والتناول على حدّ سواء – نظراً لإشكالية المرحلة ذاتها وما تخللها من تشويه قصدي في معظمه – تضخيماً أو تحريفاً أو مبالغة أو مواربة أو ماشاكل – لذا حاولت انتهاج أساليب أخرى في إيراد الحدث بالإعتماد على المصدر الناطق .

المعروف في مجالات البحث عموماً، ان يلجأ الباحث في تدعيم مباحثه، الى مصادر ومراجع مكتوبة يستخلص منها مايمكنه الإستناد اليه، فيوردها بالنص حيناً وبالمعنى احياناً أخرى مع الالتزام بالإشارة الى مصدرها كاتباً وكتاباً .

لكن ما يلاحظ في الاستنادات هذه، انها قد تحتمل الرأي والمناقشة المجردة، لكنها لاتتقبل المساءلة والتصحيح منهجياً، فللمصدرحرية مايورد، وللباحث حرية مايختار، لكن التفاعل بين الاثنين - تعديلاً او حواراً معرفيا مباشراً أو إستنطاقاً - يكون والحالة هذه محذوفاً لصعوبته، سواء في بعده الزمني أو المكاني، أو في طبيعة المعلومة وإختلاف طرائق تحصيلها بين المصدر والباحث .

ولما كان من المتوقع – ان لم يكن مرجحاً – إستناداً الى ماهو قائم من ضجيج حول العراق، لابد سيترك بصماته على ماسوف يؤرخ او يدون، لذا فلا ضير من محاولة المساهمة في وضع الأمور في نصابها وقراءة ماحدث في العراق، بنظرة متفحصة من قلب الحدث ذاته، وبحوار موضوعي حي ومثبت مع شخصيات ساهمت في صنع الأحداث وكانت في قلبها وشاهداً عليها بيومياتها ومفرداتها وحيثياتها .

وأمام هذه الإعتبارات اختصاراً، إنطلقتُ بدءاً من حكومة الجعفري بإعتبارها أول حكومة منتخبة ديمقراطيا في تاريخ العراق – قديمه وحديثه - كذلك في امكان بدء التدوين للديمقراطية بعد اجراء أول انتخابات برلمانية ووضع دستور دائم مصادق عليه باستفتاء شعبي .

قد يحاجج البعض في ضرورة البدء من سقوط النظام في 9/4 / 2003 بإعتبارها الوثبة الأولى للعراق الجديد، وقد يذهب البعض الى ان حكومة علاوي المؤقتة هي الاصلح لبدء الكتابة عن التغيير، وقد يوافقني البعض أن المؤقت هي مرحلة انتظار لا قرار، وهو مايمكن أن توصف به حكومة السيد أياد علاوي مادامت قد حملت فعلاُ صفة (المؤقتة)، فيما (الإنتقالية) تعني وسيطا للعبور بين مرحلتين، وفي العادة تكون الأكثر استثنائية وصعوبة، لما يتخلل مرحلة كهذه، من مخاضات عسيرة في محاولتها التخلص من أطواق الماضي بكل مآسيه، والتصدي للحاضر بكل عنفه وشراسته، ومن ثم ارساء دعائم المستقبل بكل إحتمالاته وطموحاته .

تلك ولاشك مرحلة عصيبة لثقل أحمالها وصعوبة مهماتها التي بدت حينها وكأنها بلغت حدّ الإستحالة، لكن العراق تجاوزها، ذلك مالخصه الناشر في غلاف الكتاب جاء فيه :

 "مخاضات دامية شهدتها ولادة العراق الجديد، من بداية 2005 حتى منتصف 2007، كانت الهجمات الإرهابية تبدو قادرة على جعل العراق ينهار تحت ضرباتها – بلغت ذروتها أيام حكومة الجعفري -.

خارطة الألسن والأقلام على سعة انتشارها، بدأت (تبشر) بالنهاية – بل وشاركتها بذلك (أصوات) عراقية - أما المراهنون على العراق، فكانوا يهجسون خوفاً من أ ن تكون تلك المقولات (محقة )، لذا كانوا يعيشون بين واقع مرير ورؤى متفائلة، وإن كانت مدفونة تحت دخان الحرائق وسيل الدماء.

لكن العراق صمد بعناد ثم واجه بصلابة متجاوزاً المحنة، لم يتبعثر اجزاءاً، ولم يسقطه الارهاب، فسار في طريق بناء الدولة على خطى صعبة لكنها ثابتة .

الا ان ذلك لم يأت مصادفة، فقد كان البناء في أصل الدمار، ومقومات النهوض تنتظر القيامة، فكيف ولماذا حدث كل ماشهده العراق ؟ وماذا تكوّن في رؤية الحاضر ونظرة المستقبل؟ .

هذا ما حوته فصول الكتاب في رحلته الكثيفة والمثيرة وسط الأعصار العراقي، وهوليس سيرة ذاتية ولا تدويناً مجرداً للأحداث، بل تفحصاً واستقراءاً وبحثاً معرفياً يغوص عميقاً في مفردات الوقائع".

كما قد يذهب بعض الكتاب الى اعتبار ان الديمقراطية ينبغي أن تؤرخ ابتداء من الحكومة الدستورية التي انبثقت من دستور دائم - أي حكومة المالكي – ويعتبر ما سبقها بمثابة التمهيد، ذلك وارد في كل حال، كما هو وارد أن من حق أيما قارىء أن يستوحي من أيما كتاب، مايشاء من رأي، فالرأي يتعلق بالذات، وبالتالي فهو يتمتع بحرية مطلقة، أما وصف الكتاب، فهوموضوع، والموضوع بمثابة الخبروهو مانراه عياناُ حيث يتعلق بالحقيقة الموجودة خارج الذات، وبالتالي لاعلاقة له بالرأي، فنحن لانستطيع أن نصف رجلاً بانه أشقر وهو أسمر، ولاطويلاً وهو قصيراً، ولا نقول بأنه يرتدي جبة وعمامة، في الوقت الذي يرتدي فيه بذلة أوربية وربطة عنق .

من حقنا ان نبدي رأينا في شكله – جميلاً او قبيحاً – أو في قامته – رشيقاً او مترهلاُ – أوفي لباسة – أنيقاً أوغير انيق - لكن ماليس من حقنا، أن نتجاهل وصفه كما هو أصلاً، والا فاننا نجافي الحقيقة والحالة هذه، وهو مالا ينبغي ان نرضاه لأنفسنا أياً تكن الدوافع .

وبالعودة الى ماكتبه الاستاذ غالب الشابندر حول الكتاب، فقد قدمه على انه – الكتاب - (مجموعة من المقابلات) اجريت مع السيد الجعفري، وفي الحقيقة فالكتاب ليس كذلك تماماً، اذ حوى مجموعة كبيرة من الدراسات والمقالات التي تناولت جوانب كثيرة من الوضع العراقي، بتركيز الجهد على الأحداث بعد سقوط النظام، ليس توثيقاً وتدويناً، بل قراءة وإستقراءا وتحليلاً كما جاء في خلاصة الغلاف .

اما الحوارات مع السيد الجعفري، فيبدو ان السيد الشابندر لم ينتبه الى الفارق بين الحوار والمقابلة، فإعتبرهما من طبيعة واحدة رغم مابينهما من اختلاف في المضمون والهدف .

وفي ما يتعلق بإنجاز الكتاب الذي إستغرق في الزمن مايقرب السنتين، فقد اضاف الحوار مع السيد الجعفري، الكثير الى الكتاب الذي حلّ ضيفاً عليه، اذ دارت الحوارات حول مواضيع معرفية متعددة، تراوحت بين السياسة والثقافة والفلسفة والتاريخ والفنون وعلم الاجتماع والتربية والتعليم والقوانين وسواها، وقد أبدى السيد الجعفري كل تفهم ومساعدة لإنجاز الكتاب مضحياً بساعات طويلة من وقته وبعصارة معتبرة من جهده الفكري بل ومن اعصابه وراحته الشخصية في مراحل كثيرة، حيث كانت مداخلاتنا واسئلتنا ومقاطعاتنا، من النوع المباغت والمستفز في بحثنا عن الحقيقة .

وقد تحمل الرجل كل ذلك وهو يدرك تماماً ان الكتاب لم يوضع لمدحه ولا للإشادة بمنجزاته، بل لمعرفة ما حدث وإستنطاق إجاباته إمتداداً في تاريخها ومقدماتها التي اوصلته الى قيادة مرحلة هي الأخطر في تاريخ العراق الجديد.. 

خلاصة القول، ان السيد الشابندر كان موفقاً في تناول ذلك الجزء اليسير الذي اختاره من الكتاب، وبعرض فيه الكثير من الدقة والإنتباه، لكنه لم يوفق في تقديم الكتاب ككل، ربما لأنه لم يدرك طبيعة ماجاء فيه بعد قراءة استطلاعية سريعة، او ربما لم يتح له الوقت لقراءة متأنية ومتمعنة، خاصة مع حجم الكتاب وتنوع موضوعاته، التي امتدت على عشرة فصول و650 صفحة من القطع الكبير.

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1188 الأحد 04/10/2009)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم