صحيفة المثقف

في أثر ضوء قمر غريب .. / سلام كاظم فرج

صدرت عن مؤسسة المثقف العربي المجموعة الشعرية الموسومة. بـ (أيلول وضوء القمر)  للدكتورة هناء القاضي .نشر وتوزيع شركة العارف للمطبوعات والتي ضمت اكثر من عشرين قصيدة اشتغلت على استدعاء الاسطورة والرمز تارة..وعلى استدعاء الحنين الذاتي. وفانتازيا الانتظار الجميل.تارة ...ولوعة الخوف من غد يعبر الى ضفاف انتظارات مقيمة في تركيز شعري عال.. ولغة شفيفة.. أنثوية ..باذخة الجمال..

قصائد هناء تحرر نفسها من تقليدية تسم معظم الكتابات الشعرية الراهنة.. وتختط لنفسها دروبا كما قطرة الندى على جناح وريقة ورد..وتحقق مروقا على المتعارف عليه دون صخب او غموض او ادعاء فتظل مخلصة لروح الانثى في داخلها.. فلا تغادرها..

في قصيدتها (لحن لارا).. تستدعي اللحن الشهير الذي يتناص مع لارا..في رواية باسترناك.. الدكتور جيفاكو..لتنشد اغنيتها هي.( اغنية هناء).على وقع..تكرار النغمة..( يعزف.. لحن لارا..).

تحملني الريح..

 لسحب الرماد.. والشجر المثقل بالثلج..

يقتلني الظمأ..

يلسعني البرد..

 والموسيقى تعزف..

 لحن لارا..

...............

6-hanaaالوجل الانثوي من غد يكون البرق فيه قد ومض ومضته الاخيرة ليتركها تستدعي الشعر ليكون عونا لملء فراغ المكان.. من الحبيب الذي سيغادر ظله (زمكان ) العشق الذي طالما استدعته وانتظرته..ليومض كما البرق تاركا لها وحشة الصمت الذي لاتخدشه سوى الريح. في حجرة لم يطرق بابها ضيف..هناء القاضي هنا تقتفي أثر قمر رومانسي عالي اللياقة.. في إحياء محتوى الخوف من الزوال بانزياح لغوي عالي القيمة فريد.ببعث اللوعة الانثوية الكامنة وإستدعاء الحنين الطاغي للطمأنينة طمأنينة ألحب واستقرار الحياة. وديمومتها.. وتحقق خلاصها بإخلاصها للأنثى المحبة الطاهرة التي تقدس العشق وتخاف منه.. وعليه..

يزحف الشتاء..

 تغادرني الشموس

تبللني امطار حزني

في مواسم,, لا أجدك فيها.. (إمرأة صيف)...

...

وكما تخبرنا الشاعرة القاضي (لمواسم الجليد بلاغة إستدراج الجنون..) في نصها طائر الشمس... فإنها هنا  تعتمد الرؤية التنبؤية التي يتكهنها مخيلها الشعري... في ارتياب مبرر من  ازمنة الجليد الموصلة للجنون..دون ان تستدرجها هذه الاخيلة الى القنوط فتجد عزائها في الشعر. وفي أمل متاح.. قد تبعثه طرقة يد على  شباك نافذتها..

لا احبذ التحليل اللفظي للنصوص. فهي ثرية.. وبديعة بما يكفي لكي نستنشق عطرها وتجعلنا ننحاز اليها دون امعان فكر. او البحث في دقائقها. فهي تمنح نفسها بعفوية.. وتدلك على مكامن العمق والرقة.. والاسئلة المفتوحة على انزياحات فكرية شتى.. قطبها الحب والخوف عليه.. الحب والخوف بمعناهما العام والخاص. الحب الشخصي.. والحب الانساني العام الذي تهدده قوى غامضة متعددة..

 قصيدة هناء تمنح نفسها للقاريء كما الوردة المعطاء لاتبخل على رائدها بعطر فيحس بحميميتها من خلال صدقها وصدق شعريتها فتتغلغل في الوجدان.. وتغنيه عاطفيا وروحيا وفكريا..

مارق كسول انت...

لاتقرأ كلمات هذا القلب..

لاتستشعر فتنة العتاب..

او الجلوس وحيدا.. تحلم بسراب..

تفترض.. أن حضنا..ما

 سيهبك.. وطنا... من نصها (نصف)..

من خلال اخلاصها لانوثتها نكتشف اخلاصها لقضية الشعر. لا العكس..فهي لاتتوسل الشعر. بل يأتيها جزلا. لطيفا. انثويا..رقيقا. بلا تعقيد/ ولاغموض.ولا تخطيطات مسبقة.

أحسبها وأنا أقرأ قصائدها  وهي ترنو من خلال ضباب نافذتها.. تحتسي من كوب قهوتها..تهمس بالشعر. ولا تغرقه في لجة تفاصيل غير مسوغة كما يفعل بعض محترفي الشعر فيفسدوا شعريتهم.. بإشتغالات غير سائغة..وجزالات غير مقنعة..

هي هنا اكثر حيوية من كثيرين.. لاتخاتل نفسها ولا تخدع قارئها..بل القصيدة هي التي تمنحها نفسها..فكأنها الشاعرة وهناء القصيدة..لانميز بينهما.... كلاهما رقيق/ حميمي، مترقب،. وجل من غد سيأتي..ومن أزمنة.. غامضة تشتغل على الانتظار والزوال..تنتظر يدا قد تفتح أكرة الباب في اية لحظة.. وقد تغادر فلا تعود.. في قصيدتها تعال مع الفجر ثمة.. ترقب.. وخوف.. وأمل..

يأتي الفجر..

على موسيقى المطر

وزاجل..

يجمل طعم التمر الراقد في السلال

 يجوب حول نافذتي.

الفكرة قد تطرق ذهن الشاعر لكنها تستعصي احيانا في الانتقال الى المناطق الشعرية.. عند هناء القاضي أجدها نتاج غيمة شعرية ماطرة.. ينتظمها حنين جارف للطمأنينة.. تحس ذلك دون الحاجة الى التورط بشروحات مربكة مرتبكة..

 مجموعة هناء القاضي.. أيلول وضوء القمر.. بحيرة جميلة من القصائد الملونة.. أزاء نقطة واحدة صغيرة من النقد.. هكذا أشعر وانا اكتب مقالتي هذه..فشكرا للشاعرة على كل الغنى العاطفي الروحي والفكري الذي منحتني أياه  مجموعتها..

وعذرا لها  لتقصيري..

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2054 الجمعة 09 / 03 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم