صحيفة المثقف

أشهر امرأة في تاريخ الأدب الفارسي المعاصر / خالد الحلِّي

منذ خمس أربعين سنة، تلتقي في الخامس عشر من شهر شباط "فبراير" كل عام، مجموعات من النساء والرجال في مقبرة ظهير الدولة بطهران إحياء للذكرى السنوية لرحيل المبدعة الإيرانية فروغ فرخزاد، عبر إيقاد الشموع وقراءة بعض قصائدها، واستذكار مواقفها الجريئة، ومعاناتها من الإجحاف والعزلة التي تعرضت إليها في حياتها التي امتدت إلى اثنتين وثلاثين سنة.

لقد كتبت هذه المبدعة خلال حياتها القصيرة الغنية الشعر، وعملت في السينما والمسرح، واتقنت فنون الرسم والحياكة والتصميم وأبدعت في كل هذه المجالات، ولكنها على  الرغم من كونها قد تُرِكَت امرأة وحيدة ومعزولة في حياتها، فإنها تركت بعد رحيلها اسمها خالداً عبر عطاءاتها ومواقفها، ويجمع كثير من مؤرخي ونقاد الأدب الفارسي اليوم على إنها هي بالفعل أشهر وأبرز امرأة في تاريخ الأدب الفارسي المعاصر.

ومن الدراسات التي أعدت عن هذه المرأة، دراسة صدرت ضمن منشورات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت بعنوان "امرأة وحيدة .. فروغ فرخزاد وأشعارها"، وضعها مايكل هيلمان أستاذ الفارسية في جامعة تكساس، وهو متخصص في الأدب الفارسي المعاصر، وله العديد من الدراسات في هذا المجال. وقد نقل الكتاب إلى العربية الأستاذ الجامعي اللبناني الدكتور بولس سروع، وقام بمراجعته الدكتور فكتور الكك مدير مركز اللغة الفارسية وآدابها وأستاذ الحضارة العربية-الإسلامية والأدب الفارسي المقارن في الجامعة اللبنانية.

في مقدمتها للترجمة تقول الدكتورة زبيدة أشكناني أن مايكل هيلمان تناول قصائد فروغ من خلال مراحل حياتها وسبر أغوارها بجد وصدق وموضوعية، والذي يجب علينا أن نعترف به هو أنه يكاد يكون من المستحيل على أي شرقي أن يقوم بهذه المهمة بالموضوعية نفسها من دون مجاملة أو توخ لحذر أو حساب لاعتبارات شتى، وفي أفضل الأحوال، من دون وخز ضمير.

وعلى صعيد آخر تذهب إلى أن مايكل هيلمان قد درس أشعار فروغ وشخصيتها من خلال التطورات التاريخية والسياسية والأدبية والاجتماعية للمجتمع الإيراني المعاصر، فهي إلى جانب كونها دراسة لفروغ فرخزاد وشعرها، هي أيضاً دراسة وتحليل للمجتمع الإيراني بقيمه ومثله على وجه الخصوص في فترة الحكم البهلوي (1922-1979). كما ترى أن الدراسة قد كتبت بأسلوب جمع بين رومانسية الأديب ودقة العالم.

أطلت علينا الترجمة بـ 303 صفحات من القطع الوسط، وقد كرس المؤلف الفصلين الأول والثاني لسيرة الشاعرة، وعرض في أولهما حياتها وعملها الفني منذ ولادتها حتى ما يمكن اعتباره نقطة تحول في تفكيرها، أي تخليها في شعرها عن المنحى المعتدل في مجال التجديد الشعري. أما الفصل الثاني فقد عرض فيه سيرة حياتها من نقطة التحول عام 1953 عندما بدأت بكتابة شعر حداثي صرف، حتى موتها في سن الثانية والثلاثين، في حادث سيارة، في شباط "فبراير" 1967.

وإذا كان الفصلان السابقا الذكر يضمان شواهد كثيرة من شعرها واقتباسات مما كتب عنها بما يراعي التسلسل التاريخي لحياتها، فإن المؤلف يرى أن ذلك لا يعني دمجاً مبسطاً بين شخصيتها الشعرية وشخصيتها الحقيقية، مشيراً إلى أنه لا يمكن لإحدنا أن يعتبر المتحدث في قصيدة غنائية مشابهاً أو ملازماً لشخصية الشاعرة خارج القصيدة. ويجد المؤلف إن أحد الأسباب التي تربط أشعار فرخزاد بسيرتها الذاتية والعالم من حولها يكمن في اعتبار فرخزاد الشعر رفيقاً ومرآةً، ووسيلة لمعرفة الذات، بالإضافة إلى اعتقادها بأنها يجب أن تحيا وتنظم الشعر بما أمكن لها من الصراحة وعدم النفاق، الأمر الذي صبغ شعرها بنزعة أنثوية فريدة من حيث ارتباطاته بوجهات نظرها والمضمون، وهذا شأن لم يسبقها إليه أحد في الأدب الفارسي.

وفي الفصل الثالث ينفذ المؤلف إلى باطن  شعر فرخزاد انطلاقاً من كونه التعبير الرائد ذا المغزى عن وجهات النظر الأنثوية في الميراث الثقافي الإيراني. وقد تناول في مطلعه تعامل فرخزاد مع البوح العاطفي في شعرها، مبرزاً قصيدة بعنوان "الخطيئة" كانت قد كتبتها عام 1955، والتي يُرَجّحُ أنها كانت أكثر قصائدها التي أثارت الكثير من ردود الفعل المتناقضة خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. ثم انتقل بعد ذلك إلى تحليل قصائد فرخزاد، في سياق الحركة النسوية، بما فيها قصيدة "الدمية المعبأة" التي كثيراً ما تضمنتها كتب المختارات الشعرية. وقد اختتم هذا الفصل بدراسة النزعة الإنسانية النسوية في شعر فرخزاد.

ويقيم الفصل الرابع بعض قصائد فرخزاد الأخيرة من حيث طاقتها على البقاء، ويخصص نصفه تقريباً لتحليل قصيدة "ميلاد آخر" التي يرى أنها ربما كانت أهم قصائدها على الإطلاق. ويتوخى هذا الفصل كشف الأبعاد الكامنة وراء قدرة فرخزاد الخاصة على أن تحيي في شعرها أحداثاً واهتمامات يومية، كما أنه يسعى إلى كشف خصائص شخصيتها ودورها المميز الذي يمنحها صفة الناطقة باسم ثقافتها.

ومن أجواء قصيدة "ميلاد آخر" قول الشاعرة:

في غرفة كبيرة كالوحدة

قلبي الكبير كالحب

ينظر إلى الأسباب البسيطة لسعادته

إلى الأزهارالتي تذيب بجمال في المزهرية

إلى الشجيرات التي غرستها في حديقتنا

وأغنية طيور الكنار

التي تغنّي الحب على قدر حجم النافذة

آه ...

هذا نصيبي

هذا نصيبي

نصيبي سماءٌ تنحجب

بانسدال ستارة

نصيبي ينزل على درجات سلم مهجورْ

نصيبي نزهة حزينة في حديقة الذكرياتْ

وفي الفصل الخامس والأخير من الكتاب يقدم المؤلف مايكل هيلمان تقويماً شخصياً لحياة الشاعرة فروغ فرخزاد ومسيرتها الفنية، وهو يرى في هذا المجال أن عطاءاتها جسدت تجسيداً مميزاً ما كانت تعانيه معبرة بذلك عن معاناة أناس آخرين مميزين. ويختتم المؤلف كتابه بثبت شامل للمصادر والمراجع، بما يجعله دراسة رائدة في توثيق سيرة الشاعرة أو نقد أعمالها، مستهلاً هذه الخاتمة بدليل لكتابة الكلمات الفارسية المستعملة في الدراسة بحروف لاتينية.

 

خالد الحلِّي

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2056 الأحد 11 / 03 / 2012)


في المثقف اليوم

في نصوص اليوم