صحيفة المثقف

داء العراق والبهجة الناقصة .. / وديع شامخ

حتى جاء السبت زف بشرى الشمس الساطعة والطقس الدافىء .. السبت ليكون مناسبة لنا أن نخرج لزيارة أحد السواحل فذهبنا الى ساحل "شيلي بيج" حيث يمتاز هذا الساحل بجمال الطبيعة وعمل الانسان المنظم به كما هي حال سواحل سدني المطلة على المحيط الهادي.. ولعل أجمل ما لفت نظري ونحن نتمتع بخدمات هذا الساحل وهو وجود بركة صخرية مخصصة للسباحة الآمنة" روك بول" وهي عبارة عن مساحة حصرت بالصخر من ساحل المحيط لتكون منطقة آمنة للعوائل لغرض السباحة دون منغصات من الأمواج الهادرة أو بعض السمك المضر " جلي فش". وانا أسبح مع ولدي الصغير وعوائل الأصدقاء في هذا الرحم الآمن من الساحل رأيت الامواج المتدافعة من المحيط الهادىء كأنها ديناصورات متراكبة تسعى بشهوة نادرة لابتلاع كل ما يصادفها، رأيتها تتكسر عند وصولها بركتنا الآمنة والاطفال والناس فرحون بوصول ذبالة تلك الأمواج الهادرة المدمرة .. رأيت المجتمع حكومة وشعبا يتكاتفون لإنشاء حضن دافىء ومحمي من الكوارث والمخاطر والمنغصات .. فراح بي الخيال الى "العراق" ياله من داء غريب يداهمني كلما هممّت بالبهجة .. فتذكرت العراق وهو أمام السيل الهادر من الموجات السياسية والطائفية والدينية والمذهبية، سيل جارف من سموم دول الجوار ونفاثات المحيط الأقليمي، والعراقي أعزل لا حول له ولا حاضنة .. يموت هناك الناس بالمجان . والناس هنا بوفرة نادرة من الأمن .. تطلعت الى السماء فوجدت طائرة تراقب الساحل من خطر وجود أسماك القرش أو أي تهديد ينغص العوائل في محيط البركة أو خارجها حيث الشباب يرقصون على الأمواج في زلاجاتهم .. انهم يتسلقون الموج بلاخوف وبمتعة وتحدي .

وفي العراق السماء ملبدة بالدسائس والظنون .

........................

 

2

أين أنت يا علي الوردي؟؟

عندما خرجنا من البركة،ذهبت لممارسة رياضة المشي والتطلع على معالم الساحل.. رأيت الناس فرادى وزرافات في حركة دائبة للمشي والرياضة والمتعة، الأسمر يحتض الشقراء، والسوداء تتأبط الأشقر.. الغني في بيته المطل على الساحل يتناغم مع الفقير الراجل في متعة الحياة .. والطريق يتسع لكل المشاة ..وأجمل الفتيات بزي البحر يتقافزن نشوة وحبورا كفراشات على صخور هذا الساحل الفريدة في تشكّلها... فوقفت لأجفّف عرقي وأنا أسمع أخبار بلاد ما بين النهرين وهي تذبح شبابها بتهمة عبادة الشيطان "الايمو"

منْ نصّبكم خلفاءً لله في ارضنا؟

المخيف في الأمر ان هؤلاء الفتية يقتلون بطريقة همجية جدا بواسطة عصابات متعطشه للدماء تسحق رؤوس الشباب" بالبلوك" وهو طابوق إسمنتي يستخدمه العراقيون في بناء البيوت .. ياالله أدوات البناء تستخدم للهدم والقتل .. والأغرب من هذا نجد رجال الدين يمرون على هذه الظاهرة بداوعي الاستنكار والرفض والشجب لوجودها، مع إعلانهم في عدم التورط بالقتل، ولكنهم من طرف خفي يشيعون ثقافة القصاص بوصفهم لهذه الظواهر بانها خارجة عن منظومة الأخلاق والمجتمع ونموذج الانسان الصالح في مقاساتهم المقدسة !!

أين أنت يا علي الوردي .. لكي ُتحلل هذه الظاهرة بكل حيادية وعلمية كي نخرج بخلاصات إنسانية علمية عن سبب وجود هذه الظاهرة ونتائجها ..لماذا ينوب رجل الدين عن رجال الاجتماع وعلم والنفس للتصدي لهذه الظواهر ؟؟.حتى أن بيانا للسيد مقتدى الصدر يطلب من القانون أن يأخذ مداه في محاسبتهم !

 هكذا وصل السل الى العظم .. من أدخل رجل الدين في شؤون القضاء .. وهل ثبت أن الشباب متهمون حقا لكي يحالوا الى القضاء ؟؟.

شباب بشعور طويلة وملابس ضيقة " بوري" ويستمعون الى موسيقى خاصة .. هل هذه الأركان التي تجتمع في الشخص تخلص الى وقع جرم ما .. أم إنها في إطار الحريات الشخصية تحديدا والذي كفلها الدستور العراقي !! تذكرني طريقة قتل الشباب الشنيعة بظاهرة أبو طبر في السبعينات، وظاهرة جز رؤوس النساء في آواخر التسعينات في بغداد من قبل فدائيو صدام وقائدهم عدي بسيوفهم الباشطة، لنوايا متعددة .

لماذا يصاب العراق بظاهرة تكرار الوقائع الكارثية، والتلكؤ في التطور الطبيعي في مسار الحياة ؟؟.

ومن أسخف حكايات الحكومة العراقية وتبريراتها غير المقبولة ، أنها ألقت المسؤولية كاملة على تنظيم القاعدة وحارث الضاري لإفشال عقد مؤتمر القمة العربي القادم في بغداد!!

إنها الإسطوانة المشروخة دائما .

.........................

 

3

حان موعد الغداء فذهبنا الى كوخنا وهو ضمن بنايات جميلة صغيرة على هيئة أكواخ أعدت لهذا الغرض على الساحل .. وبعد الغداء جلسنا نتمتع بمنظر المراكب الشراعية وهو تطفو كنوراس على سطع البحر بعد هدوء نسبي للامواج .. إنهم يستغلون كل لحظة للوصول بالمتعة الى أقصاها ..

نزلت مع صديقي " فراس دبابنه " الى صخور الساحل ليُطلعني على حقيقة لم أعرفها اطلاقا .. بين الصخور هناك حشائش ونباتات لا توحي بأي شيء سوى انها نباتات .. ولكن الصديق الصّياد شرح لي كيف أن الصيادين يستثمرون وجود الحيوانات الكامنة في هذا النباتات واخراجها من قمقمها ليستعملها الصياد طعما لاصطياد السمك .. إنهم يستخدمون كل شيء من أجل الخروج بصيد وفير ..

.. صفنت طويلا .. وتراءى لي صياد العراق حيث يكون الإنسان طعما لاصطياد الناس والطبيعة والنظام .. هناك يفخخ الانسان نفسه لاصطياد الحياة ..

......................

 

4

في نهاية الرحلة مساءً جاء شباب بعمر الورود ليحتلوا كوحنا بسلام ومحبة، وهم سيصطادون السمك ويحتفلوا بالصيد .. يجمعون السمك ويشتركون في مائدة شهية وطازجة . وعند تباشير الفجر يغادرون الساحل للإحتفاء بالحياة ثانية..

 ولكن بلاد النهرين يهددها الجدب في مائها الموتور في شفاه لا تعرف الوفرة .. إنهم مفخخون حد اللعنة لا يطوون يومهم بلا دم ..

لماذا تتّبعني لعنة العراق .. أهو وطن أم لعنة ؟؟

أنا مصاب بداء العراق ... يا لفجيعتي ..

 البهجة ناقصة دائما .

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2072 الثلاثاء 27 / 03 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم