صحيفة المثقف

قراءة حزينة لكتاب: "وحشية قارة .. أوربا في أعقاب الحرب العالمية الثانية " / أحمد فاضل

عاشتها أوربا قبل نهاية الحرب العالمية الثانية بأشهر قليلة وقدم إحصاءات بعدد القتلى والمفقودين لدول أوربية عديدة من عسكريين ومدنيين شهدوا تلك الحرب، فمن سيكتب عن الحروب التي شهدتها منطقتنا العربية خاصة الحروب العربية - الإسرائيلية التي ينفرد لوي بجعل اليهود شركاء أوربا في الحرب العالمية الثانية والتي تم بموجبها تقسيم الدول العربية استعماريا ومنح اليهود وطنا لهم في فلسطين عام 1948 ؟ ومن سيقدم مسحا بأعداد القتلى والجرحى والمفقودين من مدنيين وعسكرين فيها يا ترى؟

إن الموضوع برمته قد لايعني المؤرخ أو الإحصائي فقط بل يعني بالدرجة الأولى الدوائر الرسمية المختصة في دولنا العربية التي عاشت ويلات تلك الحروب ولم يصدر عنها لحد الآن كتابا أو مجموعة كتب توثق بالأرقام ما يمكن أن يكون وثيقة للتاريخ عن أولئك الذين قتلوا أو فقدوا وطواهم النسيان دون أن نعرف عنهم شيئا .

وكتاب كيث لوي " وحشية قارة : أوربا في أعقاب الحرب العالمية الثانية " مرعب حقا عند قراءته سيما وأنه مسح عام لانهيار المادية والمعنوية للمجتمعات الأوربية في الأشهر الأخيرة من تلك الحرب وتداعياتها على جميع مرافق الحياة .

هذا الكتاب مع ما تناوله من أرقام فإنه على العموم يؤرخ لحقبة مُرة عاشتها أوربا في الحرب الكونية الثانية مع أنها عاشت حربها الأولى لكنها لم تكن بحجم السنوات التي امتدت من عام 1939 - 1945 والتي شهدت مقتل وجرح 23 مليون في روسيا منهم 2 مليون فقط في روسيا البيضاء و7 مليون في أوكرانيا، ثم جاءت خسائر البولنديين التي بلغت 6028000 وهي النسبة الأكبر في أوربا وفي أي بلد آخر، كما خسر الألمان ستة ملايين، واليوغوسلاف أكثر من مليون قتيل .

هذا القتل لم ينتهي بنهاية الحرب في مايو / آيار 1945 لاسيما في أوربا الشرقية والذي استمر لعدة أشهر بعد ذلك في بعض مناطق اليونان على سبيل المثال، ولسنوات أخرى في يوغوسلافيا التي اندلعت بها مرة أخرى ولجيل لاحق أعمال التطهير العرقي التي شهدتها صربيا حتى تم تقطيع أوصال دولة تيتو، وفي مكان آخر تم نقل أجزاء كبيرة من بولندا إلى روسيا، ويجري تعويض البولنديين بأجزاء من ألمانيا بما في ذلك بروسيا الشرقية .

لوي يستعرض كذلك في كتابه كوارث أخرى بحسب كل بلد منها من تدمير المباني وخسائر في الأرواح والممتلكات، والاغتصاب، والقتل، والانتقام والسرقة، ويسوق المؤلف على سبيل المثال أن المزيد من النساء تعرضن للاغتصاب عام 1944 بواقع نسبة أكثر من خمسة أضعاف من أي فترة في التاريخ الأوربي، وأنه من المرجح أن المزيد من الناس ماتوا هناك من الجوع، ففي اليونان وحدها سجلت أكثر من 250000 ألف حالة وفاة، والذين لقوا حتفهم في هامبورغ نتيجة للقصف بلغوا 60000 ألف، أما المدن الألمانية التي دمرها الحلفاء فقد تجاوزت نسبتها أكثر ستة عشر مرة من المدن البريطانية التي نالها قصف الطائرات الألمانية اللفتواف وربما تم تدمير مبان أكثر بسبب سياسة الأرض المحروقة في روسيا أو سياسة النازيين المنهجية في نسف وتدمير أماكن تاريخية كبيرة عند انسحابهم، ففي وارسو فقدت 95 % من تلك الأماكن التراثية .

لوي كان لديه الكثير ليقوله حول عمليات القتل الانتقامية على الرغم من أن الأدلة تميل إلى أن تكون موثقة لكنها على الأغلب جاءت بشهادات من وقفوا عليها، هذه الحرب التي كانت الأكثر تدميرا في تاريخ البشرية لم يكن لها لزوم على الإطلاق وألمانيا التي أشعلت الحرب كان يمكن لها أن تحقق كل ما تصبو إليه من أهداف وتصبح البلاد المهيمنة على أوربا من دون اطلاق رصاصة واحدة، الخاسر الأكبر في هذه الحرب هي روسيا ومع أنها انتصرت على ألمانيا لكنها وقعت ولأكثر من نصف قرن تحت وطأة أنظمة غير فعالة، فقد تم تأشير انخفاضا حادا في متوسط عمر الفرد الروسي هناك وتقلص في عدد السكان وانهيار إتحادها الذي أقلق الغرب طوال عقود وانتهت بيد بوتين أخيرا، أما بولندا فقد تم تأمين حدودها وهي الآن أكثر نشاطا وتفاؤلا من غيرها، والمجر التي فقدت 30 % من الضحايا بعد بريطانيا لكنها ازدهرت بقوة بعد تحريرها، سلوفانيا وكرواتيا تخلصتا بصعوبة من الصراع اليوعوسلافي العرقي وباتتا تعيشان في منظومة متطورة من القوانين والاصلاحات، أما الدول الاسكندنافية فقد ازدهرت بعد أن عالجت أوضاعها اقتصاديا وثقافيا وكذلك فعلت دول البلطيق بصورة حثيثة منذ عام 1980، أما اليونان فقد خسرت الشيئ الكثير ولازالت تعاني من أزمات حادة خاصة فيما يتعلق باقتصادها المتأرجح بين الدعم الأوربي القابل للمساومة، وايطاليا التي تعاني من معدل متدني من المواليد والتي تعتبر الأقل في العالم الآن ودائما ما تلقي باللوم على ألمانيا التي ورطتها بتلك الحرب، وإسبانيا ازدهرت بعد انتصارها على فرانكو وعلى مدى سنوات عديدة تشكل مع بقية الدول الأوربية اتحادا ناجحا بعد أن كانت تعيش أسوأ حالات الفساد والبروقراطية .

أما اسرائيل فيقول لوي في كتابه أنها الناجية الأكثر غموضا من الحرب ووفقا لما ذكره فإنها ضحت ب 5830400 ملايين من اليهود على أيدي النازيين وفي بعض المناطق التي عادة ما تقول أنها معادية للسامية فقد تواصل ذبح اليهود لعدة أشهر كما يروي لوي بعد انتهاء الأعمال العدائية، من ناحية أخرى استفادت اليهودية العالمية من ما كانت تقوله عن محرقة اليهود أن أخذت وعدا بإنشاء وطنا لهم وهو ما أصبح حقيقة في فلسطين، ومنذ ذلك الحين أصبحت واحدة من الدول الأكثر كفاءة في العالم " حسب ما يذكره لوي في كتابه " عسكريا، وتجاريا، وثقافيا، مع ثروة هائلة لكنها محفوفة بالمخاطر ! ومن المفارقات أن ألمانيا واسرائيل لديهما الآن أكثر من سبب لتقوية علاقتهما ببعض ووداع الماضي والركون إلى المستقبل كما يقول لوي .

كيث لوي في كتابه يقدم أيضا كشفا بأعداد أسرى الحرب الذين ماتوا في أقفاص الأسر الألمانية، فالروس فقدوا مليون أسير هناك وقد يكون هناك المزيد منهم ممن غفلت عنهم الأرقام الحقيقية، أما اليوغسلاف فقد فقدوا أكثر من 80000 ألف، وفي فرنسا 24178، والبريطانيون فقدوا 1254 فقط من أصل 3635000 وهي نسبة قد يعتريها الغموض، ومع أن أوربا كانت الخاسر الأكبر في هذه الحرب إلا أنها وكما يقول لوي خرجت بشرف رفيع يعلو مع الأيام .

 

كتابة / بول جونسون

عن مجلة / سبيكاتور 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2072 الثلاثاء 27 / 03 / 2012)


في المثقف اليوم

في نصوص اليوم