صحيفة المثقف

قصتان قصيرتان: الساعة .. نادر / عامر هشام الصفّار

تعلّمته من أبيك الذي كنتَ ترافقه الى سوق الأعظمية ظهر كل خميس، فرحانا كأنك ذاهب الى مدينة ألعاب..دافعا عربة التسّوق الخشبية الصغيرة أمامك، غير مصدّق أن اباك قرّر أن يأخذك اليوم معه حيث السوق وأصدقاء المحلّة، الذين قد تلتقيهم فتلعبون الدعابل أمام محل القصّاب أموري..تراقب الناس وتتعلّم مساومات شراء الخضار والفاكهة..لم تنسَ أن تسأل في تلك الظهيرة وساعة جامع الأمام الأعظم تدّق في رأسك معلنة أنتصاف النهار..عن الفرق في التوقيت بين ساعة أبيك وساعة الجامع..أنتبهت لذلك عندما سحبت يد الوالد ونظرت في أميال ساعته القديمة التي يعتز بها..

_أنظر يا أبتي..ساعتك تسبق ساعة الجامع بخمس دقائق..لقد أنتصف النهار الآن..

كانت ساعة جامع أبو حنيفة تملأ وجوه الناس من كل جانب..مرتفعة عالية فوق منارة ذات طراز غريب لم ير مثله في جوامع المدينة..أخبره الوالد وهو في طريق العودة للبيت بعد أن صرف عشرة دنانير كاملة في السوق،  أن الساعة  كانت يوما منصوبة في حديقة معرض قرب باب المعظّم وأن صاحبها الحاج محسوب الساعاتي الأعظمي كان قد فارق الحياة قبل ان يرى ساعته في مقامها على منارة الجامع..

يتلّهف اليوم لزيارة الأعظمية..المدينة والمحلاّت القديمة والجامع الحنيف..مع ولده الذي كبر في الغربة ولكنه لم ينس ساعة لا زالت دقّاتها تذكّر الناس بأن الزمن الآتي لن يكون مثل الذي مضى..

 

نادر

رغم أنهما كانا زملاء مختبر واحد ألاّ أنه لم يرتح يوما ل نادر، خاصة وهو يقف أمام طلاب الصف الثالث في كلية الطب يلقي محاضرته بملل بل وبتكلّف واضح..لا يعير أسئلة الطلاب أي أهتمام..

ينتهي الدرس والطلبة كما يبدو لم يفقهوا من الموضوع شيئا..وعلامات أستفهام كثيرة بادية على وجوههم المتعبة..

في يوم الخميس الماضي  حصل ما لم يستطع أن يتحمله منه..ففجأة وبدون أن يستشير أحدا في القسم، أتهّم نادر أربع طالبات بسرقة شرائح زجاجية من المختبر تخص نسيج المعدة..الطالبات باكيات..ونادر يضحك في سرّه..وهو..قبل أن يدخل  المختبر يسأل النادر هذا عن مبررات تهمته لطالبات لم يعرف عنهن مثل هذا السلوك..ردّه بعنف..لم يكن غريبا عليه..يعلم الجميع أن أخاه مسؤول حزبي طلابي..

بعد أسابيع قليلة كان رئيس الجامعة قد طلب مقابلته..وبّخه.." يقال أنك تترك عملك الجامعي صباحا لترعى شأنك الخاص..".. لم يوّد أن يدخل في نقاش غير مبرر مع رئيس الجامعة..عندما سنحت له الفرصة في ذلك اللقاء الصحفي عصر يوم من شهر أيار..لم يقّصر بحق نادر وأمثاله ..وما يعملونه في كلية الطب..بعد سنوات وهجرة وأغتراب وحصار وأحتلال سمع أن نادرا في منصب رسمي مهم اليوم..فتوقّع كم من السرقات سجلّت بأسم آخرين سيقوا للسجون المظلمة..ليبقى النادر حرا كطير يفتح جناحيه وسع الأرض..بهيئة يحسد عليها..!.


 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2073 الاربعاء 28 / 03 / 2012)


في المثقف اليوم

في نصوص اليوم