صحيفة المثقف

محمد جابر الأنصاري .. شجاعة فكرية بلا حدود

ودخول ميادين صعبة. انه مثقف عضوي وباحث سجالي جمع بين الفكر والفلسفة والاجتماع وخاض معركة تحديث العقل والفكر العربي بالتدريس والكتابة والبحث والحوار والجدل، وذلك باحترام رأي وعقل الاخر وتثقيفه وتعويده على التفاكر النقدي في أوطان يسودها التخلف  والتنابذ والتوارث القهري الاستبدادي . وتعتبر أعماله البحثية الفلسفية الفكرية مقياس مكانته بين أعلام الفكر والتفلسف العربي المعاصر.

 

والأنصاري من مراجع ثقافتنا، مارس الكتابة الفكرية النقدية وقدّم الكثير للمعطى العربي الثقافي الراهن . وهو يمتاز بنضاله الفكري ضد قوى القهر وأفكار القهر، وضد القيم والمفاهيم السالفة التي انتهت بمهماتها في مراحل التطور والتقدم الاجتماعي . اضافة الى التزامه العقائدي بقضايا أمته وقوميته، وحلمه الكبير تخطي التخلف والانحطاط وحاجز الخوف والعودة بكل شيء الى الينابيع الأولى الصافية .

 

محمد جابر الأنصاري بحريني الأصل والمنشأ، خرج من رحم أمه سنة 1939 وتعلم في مدارسها ثم سافر الى لبنان وأنهى دراسته الأكاديمية في الجامعة الأمريكية في بيروت، ونال الدكتوراة في موضوع الفكر الاسلامي العربي الحديث ثم ارتحل الى باريس ولندن وهناك شارك في تأسيس وانشاء " معهد العالم العربي"، وفي سبعينيات القرن الماضي تمثل عضواً في مجلس الدولة البحريني فمعيداً وأستاذاً في جامعة الخليج العربي بالبحرين.

 

لمحمد جابر الأنصاري باع طويلة في رصد احوال وأوضاع الأمة العربية، بدءاً بكتابه الأول " العالم والعرب سنة 2000" مروراً بـ "تحولات الفكر والسياسة في الشرق العربي، وهل كانوا عمالقة؟، وتكوين العرب السياسي ومغزى الدولة القطرية، والفكر العربي وصراع الأضداد، وانتحار المثقفين العرب" وانتهاءً بكتاب " مساءلة الهزيمة" الذي يرصد سيرة العقل العربي في ثلث القرن الأخير في فترة من أشد الفترات تحدياً له وبها تكتمل ثلاثية التاريخ للفكر العربي . كما ويتناول مساءلة العقل العربي لهزيمة 1967 باثارها العميقة على الكيان والوجدان العربي.

 

وبموسوعية المؤرخ ودقة الأكاديمي ورهافة حسّ عالم الاجتماع يقدّم الأنصاري نقداً تشريحياً لواقعنا العربي، ويقوم بمراجعة ثقافية حادة في مواجهة الهزيمة من أجل اعادة التأسيس الفكري واستئناف البناء الحضاري في حياة العرب . كذلك يتطرق للحصار الذي يتعرض له الفكر العربي من قوى معادية للتطور والاستنارة والعقل، مؤكداً بأن الفكر العربي الاسلامي لم يتحرر من حالات الحصار الخانقة الا في القرون الأولى من تاريخ الحضارة الاسلامية، عندما استطاع التعامل مع أصوله الذاتية ومعطيات التراث الانساني بقدر من الحرية والعقلانية المستقلة النادرة التي أعطته قيمته في تاريخ الفكر الانساني.

 

وهو يرى أن العلل الرئيسية في الواقع العربي الراهن تتشكل من التخلف المجتمعي الذي يؤدي الى تخلف العمل السياسي وتقليص القدرة الانتاجية، اضافة الى التخلف الذهني المؤدي الى تخلف الفكر والثقافة والابداع العلمي، ثم التخلف الأخلاقي المؤدي الى تخلف المسلكيات في التعامل العام والقيم المدنية.

 

ويعزو الأنصاري التخلف العقلي العلمي الى ترسب وتكلس بنية ذهنية جامدة في العقل الجمعي للمجتمعات العربية ولدى الكثير من نخبها المثقفة، وهذه البنية هي نتاج تاريخي مرت عليه قرون طويلة من التجمد الثقافي والفكري سادت خلالها حرفية النص على حركية العقل المجتهد.

 

وأخيراً، محمد جابر الأنصاري من المثقفين والمفكرين العرب الذين يؤمنون بالاجتهاد وحرية الفكر ويواصلون دورهم الأكاديمي البحثي، ويدعون الى تكوين الدولة المعاصرة القادرة على التخطيط العلمي المنهجي الواقعي في خدمة طموح الجماهير الى حياة أفضل وأرقى، لا دولة التعصب الأعمى والجاهلية الجديدة والتصفيات الجسدية ومحاكم التفتيش لكل من يجرؤ على الاجتهاد ومناقشة المسلّمات وممارسة الحرية.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1194 الاحد 11/10/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم