صحيفة المثقف

صدر العدد المزدوج 47 – 48 من مجلة قضايا إسلامية معاصرة

متضمنة مجموعة من الأبحاث التي تتناول مفهوم "التجربة الدينية" لعدد من أهم الباحثين والمفكرين العرب وغيرهم، حيث افتتح العدد الدكتور عدنان المقراني، بموضوع "التجربة الدينية والنص: من التنزيل الأول الى التنزيل الثاني"، وتناول فيه حيرة المسلم بين زمنين متباعدين: زمن التأسيس الروحي للاسلام في حلقته القرآنية، وزمنه الخاص المزدحم بالنصوص والتساؤلات والتحديات، حيث يرى أن المشكلة تكمن في تغليب الجانب الفقهي العملي وتضخيمه، فبدا القران وكأنه كتاب تشريع بالدرجة الاولى، الأمر الذي أدى الى إهمال الجوانب الأخرى الأكثر أهمية، مثل الجوانب الروحية والأخلاقية.

يتعرض الى ذلك الموضوع بشكل آخر المفكر الجزائري محمد أركون، في الحلقة الثانية من سلسلة اللقاء الذي أجرته معه المجلة قبيل وفاته ، حيث يقر بأن الاسلام "كائن تاريخي"، بمعنى أنك تجد مجتمعا إسلاميا في فترة زمنية مختلفا تماما في فترة زمنية أخرى، أو انك تجد اختلافا شاسعا بين مجتمع إسلامي وآخر، رغم ان كليهما ينتميان ويعتقدان بالدين الاسلامي، فمجتمع السنغال غير المجتمع الاندونيسي، منتقدا الخطاب الايديولوجي الرافض لمثل هذه الفكرة، التي لا تنتقص من الدين بقدر انتصارها لثقافته المرنة المتسامحة التي تغذي روحه على مر العصور.

أما المفكر الايراني مصطفى ملكيان فيجد في الحالة "المعنوية" التي تتلبس الشخص المتدين صيغة مثلى للتخلص من أعباء المشاكل النفسية، التي عادة ما تسبب للانسان العذاب والشقاء، بسبب انعدام الهدف والشعور باللاجدوى. ويوضح ملكيان في حواره مع المجلة أن المعنوية شكل من أشكال التعاطي مع العالم، بحيث تجنبه الاحساس بالحزن واليأس والخيبة والضياع، بفعل الرضا الباطني النابع من اعتقاده بالحياة الأخرى، وإزاء ذلك، يقلل من شأن العبادات، ويعتبرها "تجليات طقوسية" ليس إلا.

وتعزيزا لتناول التجربة الدينية، فقد ضم العدد حوارا مفصلا مع المفكر السوداني الراحل محمد أبو القاسم حاج حمد، والذي تعرض خلاله الى طريقته في استلهام النص القرآني بشكل مغاير للسائد في الفكر الإسلامي، والذي يقوم على استيعابه (النص القراني) بشكل كامل، ورفض الانتقائية في تناوله حتى مع تباين أسباب التنزيل وظروفه، فسواء كانت الآيات الكريمة مكية أم مدنية ينبغي أخذها ككل متكامل، حيث يرى القرآن كتلة واحدة بنائية وعضوية من الفاتحة الى المعوذتين. ويحذر مما أسماه "الاستلاب اللاهوتي"، ويفسره بالارتداد عن المعنى الحقيقي الذي أتى به الدين منذ البداية، ويتطرق الى ارتداد المسلمين اليوم عن شرعة النبي المخففة، الا أن المسلمين ارتدوا عن ذلك، ورجعوا الى سنة النبي موسى المتشددة.

555-qadaya

وتناول الباحث اللبناني الدكتور حسن الضيقة في العدد المذكور من المجلة "التجربة الدينية من زاوية السوسيولوجيا الالمانية"، منطلقا من نظريات الرائد في مجال علم الاجتماع الديني ماكس فيبر، والذي اعتبر تجديد التجربة الدينية أساسا لإرساء إحدى مرتكزات الحداثة الغربية. فيعرض آراء فيبر التي تؤكد على أهمية العامل الديني ودوره في صياغة معظم التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها المجتمعات الغربية طيلة العقود والقرون الماضية، إضافة الى التطرق لدور الدين في تفكيك البنى الاجتماعية التقليدية.

كما تضمن العدد فصلا من كتاب "العقل والاعتقاد الديني، مقدمة في فلسفة الدين"، لمجموعة من الكتاب والمفكرين الغربيين، ترجمة الدكتور صلاح الجابري، ويتطرق في هذا الفصل الى معنى "التجربة الدينية" وأنماطها.

ويتناول بحث الأكاديمي اللبناني الدكتور وجيه قانصو "الوحي واللغة الدينية" خصوصية النص القراني، والبحث في طبيعة اللغة الدينية، مثيرا إشكالية منطقية وعقلية حول إمكانية تعبير اللامتناهي (الله) عن نفسه بتعابير لغوية متناهية. وتطرق الى طبيعة اللغة الدينية، فهل تحتوي منطقا خاصا أو بنية تركيبية مختلفة عن الكلام الاعتيادي، كون الأخير محدودا، بمعنى أن "لا اعتيادية اللغة الدينية، نابعة من لا اعتيادية التصورات الدينية"، وأن "القول بأن الخطاب القرآني صادر بلسان عربي مبين، لا يحجب وجود لغة ثانوية أو لغة ذات منطق خاص في انتاج النص القرآني".

 وتضمن العدد الثري بالبحوث المختصة مواضيع أخرى، من بينها "التراث والمنظورات المستقبلية" للمفكر الباكستاني فضل الرحمن. و"إله الجمال" للباحث الفرنسي عبد النور بيدار بترجمة حسون السراي. وتضمن بحثا عن "فلسفة الدين عند برجسون" للأكاديمي العراقي الدكتور قيس هادي أحمد. ويتناول العدد دراسة للباحث الجزائري اليامين بن تومي، تحت عنوان "الحداثة والشخص الديني". فيما كتب المفكر الأنثروبولوجي الدكتور طلال أسد بحثا موسعا عن "الانضباط والتواضع في الرهبانية المسيحية الوسيطة". وختاما كتب الباحث في جامعة ابيردين البريطانية علي الربيعي نقدا للعدد السابق الذي تناول رهانات الدين والحداثة.

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم