صحيفة المثقف

خذوا الحكمة من جلجامش

 كان جلجامش في حداثته حاكما ظالما وفاسقا، ضجّ اهل اوروك (الوركاء) من افعاله فشكوا أمره للآلهة لتصلح حاله أو تجد مخرجا يخلصّهم من طغيانه . تخلق الآلهة رجلا وحشيا كثيف الشعر يعيش في البريّة، يأكل الأعشاب ويشرب الماء مع الحيوانات . كان أنكيدو نظير جلجامش بالقوة والشجاعة وأشياء أخرى، باستثناء أن الأول أبن مدينة (حضارة) والثاني أبن بريّة.

 

 يأمر جلجامش بغيا لتغري أنكيدو . تنجح في ترويضه، وتحكي له عن قوة جلجامش وظلمه فيقرر أن يتحداه في مصارعة ليجبره على ترك عاداته السيئة . يتصارع الاثنان بشراسة، يغلبه جلجامش بالنهاية بعد أن كادا يكونا متعادلين ..ويصبحان صديقين حميمين .

 

 كان جلجامش يريد الخلود فيبدأ أولى مغامراته. يصطحب انكيدو لقطع أشجار غابة الأرز الذي يحتّم عليه قتل حارسها الضخم (خومبابا). وبعد صراع عنيف ينجحان في قتله فيعود جلجامش يملؤه الزهو والشعور بالعظمة . تحاول عشتار خطب ودّه بهدف الزواج فيرفض . تشكوه الى الالهة فتقرر قتل صديقه الحميم  .. انكيدو . يحزن شديدا عليه، ولا يصدّق حقيقة موته . يرفض دفنه ..تتعفن الجثة وتخرج الديدان من انفه .يقوم هو بدفنه ..وينطلق شاردا في البريّة معتقدا أن (الحضارة)، هي التي قتلته . يرتدي جلود الحيوانات ويعيش مسكونا برعب الخوف من الموت .

 

 يلتقي بآلهة النبيذ (سيدوري) فتنصحه أن يستمتع بما يتبقى له من الحياة، يشبع بطنه بأحسن المأكولات، ويلبس أحسن الثياب، ويحاول أن يكون سعيدا بما يملك بدل أن يقضي حياته الباقية  في البحث عن الخلود.

 

 يصر على الوصول الى (اوتنابشتم) لمعرفة سر الخلود . يصل اليه فيعطيه فرصة ليصبح خالدا .. اذا استطاع أن يبقى يقظانا سبعة أيام وتسع ليال، فيفشل . تدلّه زوجة بشتم على عشب سحري تحت البحر يرجعه شبابا . يغوص ..يحصل عليه . في عودته الى أوروك تسرقه منه أفعى وتأكله .يجلس في الصحراء ويرى السور العظيم الذي بناه حول أوروك الجميلة ، فيدرك لحظتها أن الذي يخلد الأنسان هو اعماله العظيمة .

 

 ما الذي حوّل جلجامش من حاكم ظالم فاسق الى حاكم عادل نزيه وأمين على أمور رعيته  ؟ تلك حكمة .

وما الذي علّمه أن القوة ليس في الاعتداء على الناس انما في كسب محبتهم؟ تلك حكمة .

وما الذي جعله يدرك أن ثروة الانسان في عمله وليس فيما يكنزه من ذهب وفضة ؟ وهذه حكمة .

 

  ترى كم من السياسيين العراقيين يدركون أنهم فانون فيكفوا عن جمع المال، ويتوقف الفاسدون منهم عن نهب مال الرعية ؟ وكم من رجال السلطة يعاملون الناس بالعدل، على الأقل في الوظائف دع عنك السفراء والمستشارين والوكلاء والمدراء العامين؟  وكم من البرلمانيين الذين أخذوا بنصيحة ( سيدوري) وصارت وجوههم ريانة من أكل القوزي والمسكوف، يتذكرون أن من أوصلهم الى اللقمة الدسمة ما زالوا يأكلون الخبز والكرّاث؟.

 

 وخاتمتها : كم من السياسيين الحاليين اذا ماتوا – بعد عمر طويل – سيحزن عليهم العراقيون حزن أهل أوروك على جلجامش؟!.

  

صحيفة المثقفwww.almothaqaf.com     العدد: 1054  الخميس 21/05/2009    (ارشيف الاعداد)

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي الصحيفة بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها.

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم