صحيفة المثقف

رحيل واحد من اعظم رسامي الكاريكاتير الاسباني والعالمي .. انتونيو مينغوته Antonio Mingote – / كاظم شمهود

وقد ترك ثروة فنية وثقافية هائلة لم يبلغها احد من السابقين، وكان نشطا و غزير الانتاج حيث فاض على الساحة الاسبانية وعبر الحدود واصبحت اعماله اليوم مبعث قوة وابداع للاجيال الحاضرة والقادمة. فقد وصل عدد رسومه الفكاهية المنشورة في الصحافة الى 58،800 رسمة، جمع معظمها في عدد من الكتب ونشرت سنة 2006. ويوم اعلان وفاته نشرت الصحف الاسبانية مقالات موسعة عن حياته واعماله وشيدت بمكانته ودوره في تاريخ فن الكاريكاتير الاسباني والعالمي ، وكان قد حضر حفل التأبين عدد من المسؤلين الحكوميين واهل الفن والثقافة وشيع بموكب مهيب.. وقد كتبت احد الصحف عنوانا كبيرا بالمناسبة – (منغوته ذهب الى السماء في رحلة استجمام) –Mingote fue al cielo de vacaciones يضاف الى ذلك فقد كان كاتبا صحفيا وروائيا وسينمائيا ومديرا لاحد المؤسسات لصناعة افلام كارتون... ولد منغوته في 7/1/1919 في سيجسSiges من قرى برشلونة ولكنه عاش مراحل شبابه الاولى في سرقسطة ودورقة. كان شابا يافعا يحمل طموحات مستقبلية كبيرة فقد بدأ يرسم عندما كان عمره 13 سنة ونشرت بعض اعماله في مجلة اسبوعية تسمى - اسود وابيض – ثم دخل كلية الفلسفة والآداب في سرقسطة ولكنه لم يكمل دراسته، فشد الرحال الى مدريد العاصمه كما فعل ذلك من قبل الفنان الارغوني - غويا – فاخذ يرسم في مجلة كودوميث La Codomiz سنة 1946 بعد ذلك انتقل سنة 1953 الى صحيفة ABC وبقى فيها يرسم وينشر الى يوم وفاته. ويذكر انه قبل وفاته بأيام طلب من ادارة الصحيفة ان تعفيه من الرسم اليومي وان يختصر على ايام قليلة من الاسبوع. ويبدو انه قد فقد القوه البدنية والمزاج نتيجة لمرض العمر..

 

مكانته الفنية

يعتبر بعض النقاد ان مينغوتة هو في خط ومستوى بيكاسو ودالي وميرو ولوركا وخوسيه ثيلا من ناحية الاهمية والاستاذية وكونه قد خلق له مدرسة في فن الكاريكاتير قد اثرت على الاجيال التي عاصرته. وقد كتب احد النقاد بان مينغوته كان مجيئه الى مدريد هو احياء للتراث الفني والثقافي العريق الذي بدأه فيلاسكس وغويا عندما اتخذا مدريد مقرا لهما، وبفضله اخذ ت تتوافد بعض الشخصيات الفنية والثقافية والادبية الى مدريد والاستقرار فيها، حيث ظهرت بعد ذلك جماعة – العبور –grupo el paso سنة 1957 كانت قد ضمت عددا من كبار الفنانين الاسبان امثال سورا وميارس و كانوغار و فيتو وغيرهم Saura، Millares، Canogar، Fieto.. كما ظهر عدد من الرسامين الفكاهيين امثال. سومر- وجومي جومث - ورامون - وايبا - و خيلا - وكينو الارجتيني الاصل وغيرهم... Ramon ، Iva،- Gila،- Summers -،Chumy Chumez –Quino

يضاف الى ذلك كان قد رافقه عدد من الصحفين البارزين الى أخر حياته هم الفنسو اوسيا ولويس دي اولمو والفكاهي المعروف كول.Alfonso Ussia، Luis de Olmo ،Col ...

في سنة 1984 كان لي الشرف ان اعمل مع منغوته في صحيفة ABC في ملحقها الاسبوعي blanco y negro وكان الفنسو اوسيا يختار من اعمالي ما يناسب النشر فيبعثها للمجلة. وعندما التقيت بمنغوته سألني من اين انت ؟ فأجبه من العراق. فيبتسم ويحلق في عيونه قائلا : انت من هناك من المشرق الحضاري......؟

 

اسلوبه وتقنياته

يذكر الناقد الاسباني لويس البماني، بانه رأى منغوته يرسم بخفة وسرعة وسيطرة كبيرة على ادوات عمله، وان اشكاله تنحو نحو المدرسة التكعيبية، وبهذا فهو يقترب من فناني التصوير. له اسلوب مميز يدل عليه دون الحاجة الى النظر الى توقيعه. وهو اسلوب تعبيري والد من رحم الاسلوب الاكاديمي، سالكا في ذلك التبسيط والتقليل من التفاصيل الاكاديمية للاشكال مانحا لها صفة المبالغة والتحوير كي تؤدي رسالتها الفكرية والتعبيرية.. وفي رسومه نجد ايضا انطلاقة وانسيابية في الخطوط، وحرية في حركتها، ولها ايقاع جميل ومرح، وتغريد في الاشكال. وعادة ما يستخدم الخط في التظليل واحيانا فرشاة عريضة... ولكنه يبقى محافضا على الاسس البنائية للاسلوب الاكاديمي، وهو بذلك ينتمي الى مدرسة دومير وغويا وهوغار الانكليزي.

لقد اغنى مينغوته الحقول الفنية والادبية الى حد كبير في اتجاهه الانساني وتفاعله مع هموم الناس ومشاكلهم. وكانت رسومه سريعة الفهم مسنودة بتعليقات ادبية ثرية المعنى فكاهية او ساخرة.. فلخطوط نراها حية قوية رياضية لما تملكه من خفة ومرح.

حصل منغوته على عشرات الجوائز الذهبية وشهادات الشرف والتقدير من قبل الجامعات الاسبانية وكان آخرها جائزة شرف الماركيس دي دورقة. كما ذاعت شهرته في العالم ونشرت رسومه في الصحف العالمية مثل صحيفة نيويورك تايمس والديلي تليغراف اللندنية وغيرها.. وعندما سال عن اهمية الجائزة وتأثيرها على عمله اجاب : الجائزة او الشهادة لا تأخر ولا تقدم بالنسبة الى عملي – ولو انني اكون شاكرا الى هؤلاء المانحين – ولكن يبقى عملي مستمرا على نفس الايقاع سوى منحونا جائزة ام لا.... هذه الجوائز تعتبر بالنسبة لي حالة هامشية في حياتي، المهم عندي هو ان ارسم واعمل شئ للنشر... (كتاب –مينغوته نهاية القرن - 1999)

يقول رسام الكاريكاتير المعروف فورخيس Forges بانه ولد في نفس اليوم والساعة التي ولد فيها منغوته وانهما ينحدران من لقب عائلي واحد هو - انتون عباد –Anton Abad - ويبدو ان اللقب فيه نبز مشرقي – وفورخيس هو رسام جريدة الوطنEl Pais المعروفة وقد التقيت به في احد الندوات الثقافية وتعرفت عليه واهداني احد كتبه الفكاهية، وقد رديت عليه بالمثل. اما الناقد الاسباني نارثيسو ابانيث فيقول : منغوته رجل عميق الثقافة وهو ناقد وكاتب مرموق، ليبرالي الاتجاه، طيب مؤدب، يفضل الصمت على الكلام ويستطيع الدخول الى قلب الآخر بسهولة.....(كتاب – الشعب / مينغوته-2007) ورغم ان منغوته يعمل في صحيفة محافضة الاتجاه الا انه ليبرالي وان اصدقاءه يؤكدون على ادبه الراقي واخلاقة الطيبة وانه واسع الثقافة والانفتاح..

كانت آخر اعمال منغوته هي تزويق مجموعة من الكتب الفنية التاريخية ومنها كتب موجهه للاطفال. وعندما عرضت الكتب في احتفالية خاصة قال منغوته : لا يمكن ايجاد برامج جيدة متطورة للاطفال مالم يؤخذ بنظر الاعتبار ايجاد برامج جيدة لتربية وتوجيه الآباء، حيث ان المشكلة تكمن في حالة الآباء التي لا ترقى ثقافتهم وتربيتهم الى المستوى المطلوب الذي يمكنهم من تربية الاطفال....

في عالمنا العربي عاصر منغوته كثير من الفنانين المرموقين في مصر امثال صاروخان الذي يعتبر من الفنانين العالميين وكذلك احمد طوغان واللباد وحجازي وعبد المنعم رخا وغيرهم. وكان هؤلاء قد شكلوا الجيل الاول في فن الكاريكاتير في عالمنا العربي في القرن العشرين. وفي العراق غازي عبد الله وحميد المحل. في ليبيا محمد الزواوي، في المغرب محمد الدرقاوي، في لبنان خليل الاشقر.... وهكذا.

و اصبح اليوم انتونيو منغوته مبعث قوة للاجيال الحاضرة والقادمة لما فيها من غزارة في الانتاج والافكار وقوة في الاسلوب والابداع الذي نحتاجه دائما في حياتنا اليومية.

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2097 السبت  21 / 04 / 2012)


في المثقف اليوم

في نصوص اليوم