صحيفة المثقف

من أعلام الطب والجراحة في العراق / عامر هشام الصفّار

لعلم الجراحة وأهله في العراق قصص كثيرة نشأت من طبيعة التفاصيل الخاصة بالأطباء الجراحين شخصيا وما يقومون به من عمل يحتاج الى علم وأبداع.. وهكذا تسمع عن جراحين عراقيين أصحاب مواهب في العمل الطبي والفعل الأبداعي الفني مثلا، ومن هؤلاء المرحوم الجرّاح الفنان خالد القصاب وجراح التجميل علاء بشير.

ولكني في عجالتي هذه أسعى لأن أحيط بأنجازات جرّاح عراقي كبير تخرّجت على يديه كوكبة من أطباء العراق ممن هم اليوم يخدمون الأنسان أينما كان بمهارة تماثل مهارات أساتذتهم. وأستاذ الجراحة هذا هو زهير رؤوف البحراني لا غيره..عميد الجراحين العراقيين ورائد جراحة الجهاز الهضمي في العراق.

 

ولادته ونشأته

ولد البحراني زهير في بغداد في عام 1933 ودرس في كليتها الطبية ليتخرج منها عام 1955. ومنذ بدايات سنوات التدريب الطبي تفتّحت عنده رغبة العمل في فرع الجراحة، وهكذا واصل تدريبه شأنه شأن أطباء العراق، في بريطانيا حيث حصل على زمالة كلية الجراحّين الملكيّة البريطانية في لندن في عام 1963.

ولم يطل البقاء به في بلاد الأنكليز حيث أبى الاّ أن يعود في بدايات الستينيات لأرضه ووطنه...وهكذا عيّن في عام 1964 أخصائيا في الجراحة في المستشفى الجمهوري في بغداد، وعيّن في نفس الوقت مدرسا في كلية الطب بجامعة بغداد..وهي الكلية الطبيّة الأم في العراق.

ومَنْ خَبِر أطباء الجراحة يدرك أنهم يعملون ومنذ سنواتهم الأولى على التخصص الدقيق في فرع من فروع الجراحة..وهكذا كان الحال مع زهيرنا البحراني الذي وجد في أمراض الجهاز الهضمي في العراق مجاله الذي يمكن أن يخدم ويبدع فيه، فما كان منه الاّ أن يركّز على ذلك في عملياته التي يجري فأختص بعلاج أمراض الجهاز الهضمي وخاصة منها السرطانية كسرطان المريء والمعدة والأمعاء بدقيقها وغليظها..

ولم يكتف الجراح النطاسي البحراني بذلك بل ذهب الى أبعد منه، بعد أن وجد أن هناك حاجة ماسة للتركيز على مرض بعينه يصيب أمعاء العراقيين الا وهو سرطان اللمفوما الخبيث..فرصده جرّاحنا وعمل فيه مبضعه، ليشفي مرضاه قدر أمكانه..أضافة الى أدراكه المبكر لأهمية البحث العلمي الطبي في الجراحة، فينشر العشرات من البحوث التي تخص مرض اللمفوما عند العراقيين في فترة الستينيات والسبعينيات من قرننا الماضي..

 

مرض المفوما..وبحوث البحراني:

واللمفوما المرض هو المنسوب الى خلايا الدم المعروفة بالليمفوسايت والتي يكون لها دورها المناعي في الجسم ولكنها قد تصاب بالسرطان فتتجمع في عقد لمفاوية وأعضاء جسمية (عبر الدم وأوعية اللمف)، ومن هذه الأعضاء : الأمعاء الغليظة أو القولون والأمعاء الدقيقة. وهكذا تجد بحوث جرّاح العراق زهير البحراني وقد ركّزت على المرض اللمفوما فشارك باحثا في مؤتمرات طبية وجراحية عالمية في كل من اليابان وأميركا وبريطانيا وبلدان عربية ليحاضر ويذّكر بتفاصيل المرض واضعا تصنيفا جديدا لأنواع اللمفوما وهي كثيرة أمام المؤتمر الطبي العالمي في أميركا في عام 1984..حيث نالت محاضرته أهتماما كبيرا في ذاك المؤتمر وعّدت نتائجها مهمة في علم الجراحة بصورة عامة وجراحة مرض اللمفوما خاصة...

ولا يعني ذلك أن الأستاذ زهير البحراني لم يعمل في عمليات أخرى ويزيد طرق شفائها بحثا وتنقيبا..بل أن له بحوثه المعروفة في علاجات القرحة المعدية والأثني عشرية وسرطانات المعدة والقولون والمستقيم والبنكرياس بل وحتى تدرّن الأمعاء..وقد قرأت له كذلك بحثا حول اللمفوما عند أطفال العراق : أنواعه وأفضل سبل علاجه.

 

البحراني: لا تنسوا العراق

ولا يفوتني أن أذكر أني شخصيا قد تتلمذت عليه في سنيّ دراستي الطبية في سبعينيات كلية طب بغداد. وأذكر جيدا أنه عيّن معاونا للعميد لشؤون الدراسات العليا في الكلية للفترة بين 1978-1979 فما كان منه الاّ الأستئناس بآراء كبار أساتذة الطب والجراحة في العالم للوصول للأفضل تخطيطا ومنهاجا للدراسات العليا في كلية الطب الأم في العراق.

أن تذّكر المبدعين من أساتذة العلم والطب العراقيين وفي مرحلتنا الحاضرة الصعبة هذه لهو واجب على الجميع..حيث يبقى المبدع نبراسا للأجيال الصاعدة ومَعْلَما يقبس منه الجميع بما فيهم المسؤولون العِظة والدرس المفيد أو هكذا نتصور مما يجب أن يكون.

أن مستوى الصحة في أي بلد في العالم أنما هو أنعكاس للتطور الحضاري في ذلك البلد..ومعدل متوسط الأعمار ونسب وفيات الأطفال ووبائيات أمراض أنتقالية وغير أنتقالية الى غيرها من محدّدات التطور في المستوى الصحي لا يمكن الاّ أن تكون الدليل للتخطيط الصحي الأفضل.

ولا خير في بلد يكون ماضيه أحسن من حاضره وحاضره أفضل من مستقبله..ففي هذا السكون والتراجع والتخلف والتدهور..مما لا يحبه المخلصون.

ذكرّني الأستاذ زهير البحراني قبل أيام وأنا أبارك له عيد ميلاده متمنيا له العمر المديد..ذكّرني بأن العراق بحاجة الى الجميع بغض النظر عن أتجاهات معينة في السياسة وغيرها..وقال البحراني بالحرف الواحد: أبنائي لا تنسوا العراق...

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2114 الثلاثاء  08 / 05 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم