صحيفة المثقف

نص وحوار: مع الشاعر مصطفى المهاجر ونصه "ما ثَمَّ إلا الكلام" / ميادة ابو شنب

 

مصطفى المهاجر شاعر له حضور دائم في صحيفة المثقف.

فاز بجائزة الابداع لعام 2011 عن منجزه الادبي من مؤسسة المثقف العربي.

صدر له:

1- غائب كالوطن... حاضر كالبكاء - مجموعة شعرية 1992

2- إيقاعات على وتر القلب - مجموعة شعرية 1994

3- وحدي (بدعم من إتحاد الكتاب العرب) - مجموعة شعرية 1997

4- تمتمات ( عن إتحاد الكتاب العرب) - مجموعة شعرية 1999

5- و جع الأسئلة الليلية (عن إتحاد الكتاب العرب) - مجموعة شعرية 2000

6 - مجموعة شعرية باللغة الانجليزية 2008 - AWAY...FAR AWAY

 

 و له تحت الطبع:

- بعد فوات الأوان

 

له قيد الاعداد للطبع:

1 -  ليس حباً سواه - مجموعة شعرية خاصة عن الشهيد محمد باقر الصدر

2- ترانيم وجد

3-  هناك .. أبعد من (تلفات الدنيه).

 

ميادة ابو شنب: الشاعر مصطفى المهاجر بعد أن قرأت نصك "ما ثمّ إلا الكلام" وجدته  بانوراما للألم والجراح الممض، تناسلت أنشودة على إيقاع القلق الذاتي والعام، وهو أحد سمات  نتاجك الشعري ما دفعني إلى إختياره لباب نص وحوار في المثقف ومحاورته من خلال بعض الأسئلة تاركين الفرصة للقراء الكرام لطرح المزيد منها وإغناء الحوار بمداخلاتهم.

أهلاً وسهلاً بالشاعر مصطفى المهاجر في المثقف، في باب نص وحوار.

 

مصطفى المهاجر:   

قبل البدء بالاجابة على الاسئلة..أود أن اشكر الأخت الأديبة ميادة أبوشنب على اختيارها الحوار معي حول نص {ما ثمَّ إلاّ الكلام} ... و الشكر موصول منها الى "المثقف" واحتنا الغناء وسادنها الرائع الاستاذ الاديب والباحث ماجد الغرباوي. وأرجو أن اكون عند حسن ظنكم جميعاً، وبالخصوص صاحبة الاختيار الاستاذة ميادة أبوشنب، والاخوة والاخوات قراء "المثقف" الأحبة.

 

س1: ميادة ابو شنب: نص هاديء ظاهرياً، لكنه يزخر بصخب داخلي. صخب الغربة التي ضجّت منها الأنفاس، وقلق من الآتي تغذّى على صور الماضي إذ ذُبحت الأحلام، ولوحات الحاضر إذ تُوأد بقايا الآمال.

النص:

" قلقٌ...‏

والخطى في الرياحِ القصيةِ‏

تستافُ أحلامَها‏

ترتدي البعدَ والعُريّ‏

والعثراتِ المريبة‏

وسطَ الزحامْ‏

قلِقٌ...‏

والكوابيسُ‏

تملأ أوردتي‏

يقظةً أو منامْ‏ "

رسمتَ صورةً من كلام حبيس في الصدر .. خُطى الغريب تصفعها ريح غريبة في بلاد غريبة.. تُقطّع أوصال الحلم ليتبدّد فتحتلّ مكانه الكوابيس التي لاتنفكّ تزور المنفيّ في النوم و اليقظة على حدّ سواء.

هل المنفى، في معجم تجربتك، هو المكان، أم تراهُ ضياع الحلم و تبدّد الآمال؟

 

ج1: مصطفى المهاجر: المنفي يا سيدتي هو كل ذلك .. وأكثر من ذلك أيضاً .. إذ يجد المنفي نفسه في التيه رغم أنه في مكان معروف جغرافياً وله اسم ومواصفات، ربما تكون تلك المواصفات في بعض جوانبها الحياتيه أفضل مما يسمى "وطن" من حيث توفر الكثير مما كان مفقوداً هناك، كالحرية ومتطلبات الحياة المادية الاخرى .. ولكن الانسان في تجليات حياته المختلفة ليس بحاجة لمرعى وعشب ... ولسقف فقط.. نعم الحرية قيمة عليا ينشدها الانسان والعيش بكرامة وفي ظل قانون .. لا ظل حزب واحد ورئيس ضرورة واحد، وقبيلة حاكمة واحدة ... الإنسان بشكل عام والشاعر بشكل خاص، تشدّه تلك الروابط الخفية الى التراب الذي لعبت طفولته به .. والعيون التي تركت سحرها في حنايا نفسه .. والعلاقات الاجتماعية التي ساهمت في بلورة وجدانه وصياغة آماله .. فماذا يبقى حين يجد نفسه فجأة، بعيداً عن كل ذلك وليس ثمة من سبيل متاحٍ في الأفق المنظور، لاسترجاع ولو بعضاً من ذلك!!! ذلك يا سيدتي هو المنفى ومعادله الفقدان ... للماضي ... والحاضر ... والمستقبل.

 

س2: ميادة أبو شنب: في الشعر الحر تعتمد القصيدة على مبنى جديد. إذ تخلّت عن نظام البيت الشعري القديم واعتمدت نظام الشطر من دون التقيّد بعدد التفعيلات، كما هو في الشعر العمودي. وهي لا تلتزم قافية واحدة.

من خلال متابعة نصوصك، نرى أنك تكتب الشعر العمودي، أما في هذا النص كتبت الشعر الحر.

في أي فضاء من الشعر (العمودي أم الحر) تفضّل التحليق لتقطف نجوماً تضيء أروقة ذاتك أكثر؟ وهل لثيمة النّص تأثير في إختيار هذا الفضاء؟

 

ج2: مصطفى المهاجر: الشعر يا سيدتي يستعصي على التصنيف والتسميات الدراسية الجامدة بقوالبها ومصطلحاتها المحددة ... الشعر فضاء مفتوح الى أبعد الآفاق ...!! الشعر من وجهة نظري هو الكلام المختلف المنطلق من روح الشاعر ليجتاز كل الحدود الى أرواح الآخرين ...

واعذريني اذا قلت ان السؤال في جوهره ينطلق من مجهولية معظم ما كتبت، والمنشور منه تحديداً .. بسبب ضعف التوزيع ورداءة النشر ... فأنا كتبت الشعر العمودي والحر والنصوص النثرية التي اجدها احياناً اكثر شعرية من كثيرٍ مما يحمل صفة الشعر ظاهرياً ولعلني استرجع بيت شعرٍ للجواهري الكبير في هذا المجال

لا تقترح لطف مولودٍ وصورته ** وخلّها حرةً تأتي بما تلدُ

وهذا طبعاً لا يشمل الحديث عن القصائد المسبقة الصنع (اذا صح التعبير) والتي تكتب بتوصية مسبقة لمناسبة معدةٍ سلفاً ..

الشعر يا سيدتي هو الفضاء الذي تحلّق فيه روح الشاعر لتصل الى ارواح الآخرين بلا حواجر ولا عقبات .. شرطي الوحيد على نفسي وليس على نصوص الآخرين .. هو الموسيقى .. موسيقى الكلمة المفردة .. موسيقى الجملة .. والموسيقى الشاملة التي يسبح النصُ في انغامها .. و نعم .. عندما تبدأ الروح رحلة العروج الى سماء الشعر .. واستيحاء مصادر الإلهام السماوي .. تختار ثوبها الذي ستطير به .. ونعم سيكون لثيمة القصيدة دخل في اختيار اللا وعي للثوب المناسب تماماً كما نختار أثواب المناسبات التي نرتادها..!!

 

س3: ميادة أبو شنب: إن الانسان وجود من التناقضات والاضداد. وكلما كان مرهف الاحساس، كلما احتشدت في كيانه التناقضات.

يطرح النص الشاعر مُمزّقاً بين أقطاب متناقضة: يقظة ومنام ... التباعد و الإلتحام ... الكلام والسكوت ... الهروب والبقاء ... الجلوس والقيام ... وصل وهجر ... عيش وموت.

هل ترى قدرالشاعر أنْ يكون ممزّقاً بين قطبين، ليُقدّم لنا نصاً باذخاً كهذا النص؟

 

ج3: مصطفى المهاجر: – كل نظام الكون مختصر في الانسان ...

و تحسب أنك جرمٌ صغير ** وفيك انطوى العالمُ الأكبرُ

و كما قال الشاعر الكبير نزار قباني " الألم العظيم يصنع شعراً عظيماً" وسأقول لك شيئاً من تجربتي الخاصة على تواضعها .. ففي أوقات الاسترخاء لا ارتاد عوالم الشعر مطلقاً .. أقرأ نعم .. أراجع نعم .. أستذكر نعم .. أما الكتابة فلا ... ولا ... ولا ...

 

س4: ميادة ابو شنب:

في نهاية النص .. ترسمُ صورةً مريعة .. لا أظنّ أحداً سبقكَ إليها .. إنّها استحالة الموت في المنفى !!

ترسمُ صورةً أقرب إلى الضياع منها إلى الموت: لا شعرٌ و لا نثر .. لا أمّ و لا أخت .. لا نخل و لا تمر .. لا دربٌ و لا بيت، و أخيراً تُفجّر هذه القنبلة الشعريّة: لا عيشٌ و لا موت ..

هل هي الغربة، أم الخيبة من الماضي، أم الحنين الجارف لوطن تعود اليه على أجنحة الخيال  لاستحالة العودة  في الواقع؟!

 

ج4: مصطفى المهاجر:  إنها كل ذلك يا سيدتي ... ولست واثقاً من أن أحداً لم يسبقني الى ذلك .. ولكني اكتشفت تناصاً بين تعبير "وهل ثم عيشٌ ... وموتٌ" و بين آية قرآنية "لا يموت فيها ولا يحيى" وردت في موضعين، سورة طه، الآية (74)، وسورة الأعلى، الآية (13).

لوصف حالة جحيمية لا توصف، إذ يطلب الانسان الموت فلا يُعطاه .. وتلك اقصى حالات العذاب والتمزق والضياع .. إذ لا يكون الانسان حياً بالمعنى الكامل للحياة، ولا ميتاً بالمعني الكامل للموت..!! وتلك هي بالضبط حالة المنفى بالنسبة للشاعر المشدود الى وطنه بمشيمة الشعر والوله الفائق ... وما يعمق حالة الضياع الكامل تلك، هو ما نراه من انسداد افق الامل حتى بعد تغيير النظام، والذي كان سبباً  مباشراً في لجوء طاقات العراق المتميزة الى احضان المنافي المختلفة، فيما لم يفعل الذين خلفوه شيئاً فاعلاً لتجسير الهوة بين المنفى والوطن،  فبقي الأمر على ما كان عليه .. وربما سيستمر ذلك الى ما لا يعلمه إلاّ الله ..

 

س5: ميادة ابو شنب: الحاضر مثلما يتبدّى في النص لا وجود له بذاته .. إنّ وجود الحاضر هنا مشروط بالماضي .. أمّا المستقبلَ فلا ذِكر له هنا.. هل يستطيع الشاعر أن يختصر الحياة في صورة الماضي فحسب؟!

 

ج5: مصطفى المهاجر: ليس الأمر اختصاراً للحياة في صورة الماضي فحسب .. فالماضي هو الأب الشرعي للحاضر .. والمستقبل بالضرورة ابن للحاضر .. ولكنه انسداد كامل للآفاق ... وعتمة تغطي كل شيء .. ولو استرجعنا تاريخ كتابة النص لبان واضحاً جداً واقع الحال الذي هيمن على مفردات النص وانفعالاته .. وجعله نصاً كابوسياً بامتياز..!!

 

س6: ميادة ابو شنب: بعد معركة ضارية مع جيوش القلق، أشرفت على هوة اليأس في نهاية النص.

النص:

" كلامٌ‏

كلامْ‏

وما ثمَّ‏

إلا الكلامْ "

يرسل لنا هذا المقطع الذي يُختَم به النص صورة للوحدة  .. الكلام هنا لا يُوجَّه لِمُستَمِع أو جليس .. الأصدقاءُ و رفاق الدرب قد رحلوا .. لم يبق سوى الشاعر و الكلام ..الكلام التائه كالصدى !

هل الكلام هنا تعبير عن العجز عن الفعل و اللاجدوى ؟

 

 ج6: مصطفى المهاجر: لقد وضعتِ يا سيدتي اصبعك على الجرح...فلم يبق للشاعر إلاّ الكلام .. ولم يبق من الأمل إلاّ الكلام .. ولم يبقَ من الحياة التي يطمح اليها المنفيون إلاّ الكلام .. وأكثر من ذلك لم يبق من الوطن إلاّ الكلام ... واختصر الماضي والحاضر والمستقبل بالكلام .. وبالكلام فقط ..

لم يشرف الشاعر في نهاية النص على هوة اليأس بل أدرك أنه غارق فيها ... وكل ما حوله يساهم في إبقائهِ هناك .. حيث لا أمل ..!!

وما ثَمَّ إلاّ الكلام

 

ميادة أبوشنب: شكراً لك مجدداً ألشاعر القدير مصطفى المهاجر وشكراً للحوار الممتع، والآن نترك الباب مفتوحا لمداخلات السيدات والسادة لطرح المزيد من الاسئلة لاثراء الحوار أكثر.

 

مصطفى المهاجر: شكراً جزيلاً لك يا سيدتي ... شكراً لأسئلتك التي أيقظت الأوجاع من رمادها المتوقد .. وشكراً للمثقف .. راعياً .. كُتّاباً .. وقُرّاء ..

 

 

ميادة أبوشنب

صحيفة المثقف – نص وحوار

 31 5 - 2012

...................

 

ما ثَمّ إلا الكلام / مصطفى المهاجر

 

قلقٌ...‏

من بقايا الكلامْ‏

قلقٌ...‏

والخطى في الرياحِ القصيةِ‏

تستافُ أحلامَها‏

ترتدي البعدَ والعُريّ‏

والعثراتِ المريبة‏

وسطَ الزحامْ‏

قلِقٌ...‏

والكوابيسُ‏

تملأ أوردتي‏

يقظةً أو منامْ‏

هكذا يمتطي الوجدُ‏

ظهرَ الليالي‏

فتصبح مشغولةً‏

بالنجومِ البعيدةِ‏

والقبّرات الشريدةِ‏

والذبذباتِ السريعةِ‏

بين التباعدِ... والالتحامْ‏

هنا أصحر القلبُ‏

معتمراً جُلَّ أحلامهِ‏

فاستباه الظلامْ‏

هنا... رحلَ الصحبُ‏

فارتبكَ الخطوُ‏

ثم طواهُ القِتامْ‏

هنا.. لم أزلْ أذكرُ الراحلينَ‏

إلى حيثُ لا عودةٌ‏

أو سلامْ‏

هنا...جربتني المواويلُ‏

فامتلأ العمرُ أغنيةً‏

رددَ اللحنَ منها اليمامْ‏

أُقاسمُ إيقاعها الشجو‏

والنوحَ‏

والبوحَ‏

والتمتمات البعيدات‏

عمّا يُرامْ‏

هنا... حيث لا جسرَ‏

يُوصلُ بين الأحبةِ‏

والأمنياتِ الغريبةِ‏

والصحبِ‏

لا جرسَ يوقظ أحلامنا‏

إذ تنامْ‏

هنا.. أيها القلبُ‏

ماذا لديكَ...؟‏

وماذا تريدُ...؟!‏

وماذا ستلقى..؟!!‏

وكلُّ الدروبِ إلى نخلكَ المشتهى‏

مستباةٌ‏

يحوّطها القلق المرُّ‏

والجندُ.. والخانعونَ‏

يقسّمها الاقتسامْ‏

هنا... قلِقٌ...‏

والحروف الرتيبةُ‏

لاشيءَ يربطها‏

كي تُرى جُملاً‏

يستقيم بها الوزنُ...‏

واللحنُ...‏

والظلُّ .. واللونُ‏

والـ(أنتَ)... والـ(نحنُ)‏

أو ترتدي حلةَ الانسجامْ‏

قلِقٌ.. من ظلامِ الصباحِ‏

المسافرِ مستوحداً‏

للغمامْ‏

قلِقٌ... ليس يُجدي الكلام‏

قلِقٌ... ليس يُجدي الصراخُ‏

السكوتُ‏

الهروبُ‏

البقاءُ‏

النعوتُ‏

النداءُ‏

البكاءُ‏

الجلوسُ‏

القيامْ‏

قلِقٌ... أجرعُ الكأسَ‏

مترعةً بالسخامْ‏

وأرى الأفقَ‏

أغبرَ‏

مشتعلاً‏

بدمِ اللوزِ... والجوزِ‏

ثمةَ مَنْ يذبح الآن‏

في ذروةِ الذلِ‏

سِربَ الحمامْ‏

قلِقٌ...‏

لغدٍ لا يُرامْ‏

قلِقٌ...‏

للنوارسِ تبحثُ عن شاطئٍ‏

نشفَ البحرُ‏

أينَ تُولي النوارسُ‏

وجهتها إذ تُهاجرُ..؟‏

هل ثَمَّ بحرٌ جديدٌ‏

بعيد الظلامْ..؟!‏

وهل ثَمَّ..‏

شعرٌ.. ونثرٌ‏

ووصلٌ.. وهجرٌ‏

ونخلٌ.. وتمرٌ...؟!‏

وهل ثمَّ‏

أمٌ.. وأختٌ‏

ودربٌ.. وبيتٌ‏

وعيشٌ.. وموتٌ..؟!‏

وهل ثمَّ‏

مّنْ يُرتجى‏

في الأنامْ..؟!‏

كلامٌ‏

كلامْ‏

وماثمَّ‏

إلا الكلامْ

 

خاص بالمثقف

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2137الخميس  31 / 05 / 2012) 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم