صحيفة المثقف

قراءة في كتاب الاستاذ علي جابر الفتلاوي: اوراق خريفية... / سلام كاظم فرج

بل هي اوراق الربيع توشك ان ترتوي من نسغ صاعد في شجرة المقالة السياسية العراقية التي تمتد جذورها عميقا في الفكر الانساني العراقي والذي نثر بذورها الأولى نخبة من رجالات العراق الافذاذ الذين منحوا مهنة الصحافة زهرة شبابهم..اذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر. رفائيل بطي وفهمي المدرس وإبراهيم  صالح شكر.. هذا ما حدثت به نفسي وانا  اتصفح كتاب الاستاذ علي جابر الفتلاوي (اوراق خريفية) والصادر عن دار الفرات للطباعة والنشر.

لقد شهدت المقالة السياسية في العراق انحسارا. وتراجعا محبطا بعد ان تحولت خلال ربع قرن من حكم البعث الفاشي الى مجرد بوق صديء يمجد نظاما فاسدا. .. وبعد التحرر  من نير الدكتاتورية الغاشمة.. شهدت مهنة الصحافة (مهنة المتاعب) فوضى وصخبا وتجاذبات كادت ان تحبطنا ثانية..وعانت لفترة غير محدودة من تراكمات الفترة السابقة وامراضها ورهنت نفسها في مجالات عدة الى قوى لا نستطيع ان نقول عنها سوى انها لا تريد الخير للعراق والعراقيين..

وبقي نمط الانحياز الفج لجهة ما هو السائد وبقيت بنية المقالة السياسية هي نفسها تراوح في دائرة مع او ضد هذه الجهة او تلك دون تغيير نوعي في الانماط او البنيات السردية المقنعة التي تعتمد الجدل العلمي النزيه المنبثق من اطروحات تعتمد المنطق لا الصراخ الاهوج والذي يضر بالجهة المدافع عنها اكثر مما ينفعها.. وشهدنا موجة من المقالات السياسية الركيكة التي تسبح بحمد هذا وتتملق ذاك متجاهلة ان تأثير كتابتها لن يمر على القاريء الذكي الدقيق في تفحصه النبيه المقارن الباحث عن قوة الدفع المنطقي لا مجرد الابتهاج بالانتماء لهذا المكون او تلك الفئة السياسية.. فزبد ذلك يذهب جفاء.. ويمكث ما ينفع الناس كل الناس. ولذلك وجدتني استذكر اهم اعلام المقالة السياسية في تقديمي لكتاب الاستاذ الفتلاوي..

ضم كتاب الاستاذ علي الفتلاوي اكثر من سبعين مقالة سياسية واجتماعية نشرت في الصحف والمواقع خلال الاعوام القليلة الماضية. تناولت الهم العراقي والتغييرات السريعة التي يشهدها المجتمع العراقي والتحديات المتشابكة المعقدة التي تقف حجر عثرة في سبيل الارتقاء في السياسة والاقتصاد والاجتماع والاستقرار والامن والخدمات..

ما يهمني كمتابع.. تقنية تلك المقالات وقدرتها على ايصال رسالتها بشكل امين ومنطقي . اكثر مما يهمني مضمونها. ما يهمني.. هل استطاعت ان ترتقي بهذا الفن الجميل لكي توصل المضامين النبيلة التي انتظمتها؟؟

من بين اهم سمات تطويع السرد  في المقالة الصحفية  لدى الاستاذ علي الفتلاوي ذلك التكثيف والايجاز المنفلت من عقال الاطناب . والتركيز على موضوعة واحدة بعينها في كل مقالة..متوجها نحو امرين مهمين.. (الدولة والمجتمع.).مبتعدا قدر الامكان عن مواقع السلطة ومديحهااو ذمها.. فما يشغله بناء دولة عراقية رصينة مقتدرة. يدرأ عنها ادران الاحتلال والارهاب والتخريب والفساد.

ففي مقالته (انسحبت اميركا وتركت الغامها في العملية السياسية) على سبيل المثال.. يتحدث بما يشبه النبوءة عما ستؤول اليه الامور في الايام اللاحقة من الانسحاب وهو ماحدث فعلا ويحدث من فرض فلول البعث على النظام الديمقراطي الوليد. هذه الفلول التي ارتهنت ارادتها بالاجندات الاقليمية والتي تسعى لنسف العملية السياسية من الداخل.. ومن بين تلك الالغام اصطناع الازمات وعرقلة عمل حكومة المركز. بغض النظر عن طبيعة هذه الحكومة.. فبعد ان ملأوا الدنيا صراخا ضد الاحتلال تراهم يرتضون به حكما وسندا. ويتلقون الدعم من القوى الاقليمية المرتبطة به بوشائج حميمة..

تكثيف الفكرة وتركيزها واستنادها الى معطيات حقيقية . والتحذير من مغبة ما يجري.. كان السمة الاكثر وضوحا في مقالة الاستاذ الفتلاوي هذه. وينطبق هذا التوصيف على مجمل المقالات والتي توزعت مواضيعها في الفكر والسياسة والتأريخ والاقتصاد والخدمات..

منها الحديث عن ازمة الكهرباء.مثلا. والتصيد في المياه العكرة لتأخر انجاز المشاريع من نفس الجهات التي ساهمت بالتخريب وسرقة التخصيصات. ومنهاالحديث عن العشائرية في السياسة والتي جاءت كنتيجة لسياسة المحاصصة التي ركزتها سياسة بريمر.

وفي مقالات شجية عالية تعتبر تطبيقا لموضوعة المقالة الاستذكارية. يعيد الاستاذ الفتلاوي سيرة المفكر الشهيد محمد باقر الصدر . واللحظات الاخيرة التي سبقت استشهاده. كما يستعيد في مقالة ثانية سيرة العلوية المجاهدة بنت الهدى. ومدى الاجرام الذي مارسه البعثيون القتلة بحق المؤمنين والمؤمنات من ابناء الشعب العراقي بكل طوائفه. ويتناول بالتحليل في مقالة مستقلة انطلاق شرارة الانتفاضة الشعبانية باعتبارها الرد على الانظمة الدكتاتورية في المنطقة والتي سبقت كل الثورات اللاحقة.. ويذكر الاستاذ الفتلاوي بانتفاضة شعب البحرين الابي شأنها شأن كل انتفاضات الشعوب .. ولا يميز هنا على اساس الانحياز البحت على اساس طائفي. بل من منطلق علمي رصين.. في البحث عن مقومات العدالة في التعامل مع الشعوب. كل الشعوب..وعدم الكيل بمكاييل مزدوجة في تناول هذه الثورات والانتفاضات

ويتناول الفتاوى السلطانية الانتهازية للقرضاوي والتي حفلت بتناقضات قرضاوية ما انزل الله بها من سلطان..

وفي مقالة بعنوان (اميركا لن تتغير).. تناول بموضوعية ورصانة تأريخ العلاقات الاميركية مع شعوب المنطقة وحكامها والدور السلبي الاميركي في دعم حكام فاسدين. على مر التاريخ..

ويتناول ايضا موضوعة الفساد الاداري وسبل معالجة الاسباب الكامنة والمؤدية له..

ولا تفوته المسلسلات التركية فيتناول تأثيراتها على الشبيبة العراقية .. بل ويذهب الى القول انها لا تمثل حتى الواقع التركي..

ويقدم بعين الفاحص الدقيق موضوعة المواكب الحسينية والدور الذي لعبته في مواجهة كل الحكام الفاسدين على مر التاريخ والاسباب الكامنة في توجيه سهام النقد اللئيم لها ولاتباع اهل البيت دون وازع من ضمير. والفرق بين الحرص على الارتقاء بها وتمجيدها وتعزيزها. وبين من يسعى لوأدها وطمس ذكرها..

هذا غيض من فيض كتاب الاستاذ علي جابر الفتلاوي اوراق خريفية والذي شرفني باهداء نسخة منه. والتي شرفت مكتبتي في ان تكون من بين اهم كتبها ووثائقها ومصادرها... فالف شكر لجنابه الكريم وفي انتظار الجزء الثاني من هذا السفر الجميل الغني..

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2140 الاحد  03 / 06 / 2012)


في المثقف اليوم

في نصوص اليوم