صحيفة المثقف

عراقيون .. ولكن بعد هذا الفاصل: السياسة فن الممكن الوطني، أم طبخ سريّ للمكائد؟ / وديع شامخ

وما حدث في مصر بعد ربيع ثورة " ميدان التحرير"، دعا البعض الى الإستفادة من التجربة المصرية والتي احتفظت بخصوصيتها، فهي الثورة الوحيدة التي تنحى رئيس نظامها بشكل قانوني، وهو الآن تحت حكم القضاء المصري، وهذا خلاف ما حصل لكل ثورات الربيع العربي، إذ مات حكّامها شرّ ميته، أو غادروا السلطة بهرب مهين، أو تقبلوا الإزاحة بحل لا يقل عن التنحي بشيء..

ولكن المشترك العربي في ربيع مصر أن الشباب خسروا المواقع القيادية والمفصلية في تجربة انتخابات مجلس الشعب، لصالح السلفيين الإسلاميين، وهذا متوقع جدا لإن الشباب لا يملكون الخبرة والا المال ولا الدعم اللوجستي من جميع الأطراف الخاسرة آنذاك ومنها السلطة والمعارضة .

لذا كان رهان الإنتخابات الرئاسية إختبارا ثانيا لقدرة الشعب المصري " المتحضر جدا" على تجاوز الخيبة في سرقة الثورة والإلتفات الى انتخاب رئيس مصري يمثل الأمة المصرية بثراء مجتمعها وطنيا وقوميا ودينيا وسياسيا .. الخ ..

وقد رشح كل من أمتلك شروط الترشيح، وكان القضاء المصري حازما في إستبعاد مرشحين لأسباب مهنية جدا تعلقت في عدم توفر شروط الدخول الى الإنتخابات الرئاسية ولم تستثن السيد عمر سليمان رئيس المخابرت السابق ونائب الرئيس مبارك الأخير لاخطاء فنية، ولا السيد الاخواني جدا، لأسباب تتعلق بإزدواج جنسية والدته " امريكية – مصرية :" وغيرها من الأسباب الفنية البحتة والتي تمخضت عن وجود مرشحين قانونيين في السباق ..

وكان عمر موسى والفريق أحمد شفيق هما المرشحان اللذان ينتميان بدرجة أو اخرى الى النظام السابق .. ولم يتم "اجتثاثهما " على الطريقة العراقية !!!.. وكذا ممثلو الاخوان المسلمين والتيار الناصري .. الخ.

فقد عمد عمر موسى للنزول الى الشارع ومعه المطرب الشعبي " شعبان" .. ولكن الطريف في الإمر أن المطرب شعبان وابنه قد كانا على طرفي نقيض في تأييد المرشحيين " شعبان يناصر عمر موسى.. وهو الذي قال فيه اغنية مشهورة" بحب عمرو موسى وبكره اسرائيل " . أما ابن شعبان فكان مع أحمد شفيق، وعندما أُذيعت نتائج الجولة الأولى بفشل عمر موسى بالحصول الى النسبة التأهيلية للمرحلة الثانية .. فقد ذهب شعبان فورا للإعتذار من ولده وقال : سوف يكون صوته في المرحلة القادمة لأحمد شفيق

، وهذا ما فعله عمرو موسى عندما تنحي عن ميدان السباق الرئاسي دون ضجة إعلامية تاركا السباق يجري وفق أصوله ..... ذلك هو درس حصاد الساسة في فن الممكن الوطني وبالطرق القانونية .. وكذا صمتَ باقي المرشحين عند كلمة اللجنة المشرفة .

..................

 

ثانيا: ماذا يحدث في حراك العراق السياسي؟

عندما يتأسس اي عمل بشكل صحيح على المستوى التنظيري والممارساتي، سوف تتم الإجراءات العملية لديمومة المؤسسات بإنسايبة ومرونة وقانونية أيضا ..

ولكن ما حدث في العراق سياسيا، لا يقع ضمن حقل الممارسة في ظل دولة مدنية حضارية ذات أصول وفصول في إدارة الحكم بأبعاده الثلاث " تشريعيا وتنفيذيا وقضائيا".. فهناك أزمة دائمة تترافق مع كلّ انفراج منظم والبدء بتأسيس دولة مؤسسات عراقية .. الغالب في هذه المنغصات والتحديات هي جهات عربية وأقليمية ودولية .. ومما يؤسف له أن يكون اللاعب السياسي العراقي هو حلقة الوصل وضابط الإرتباط لتلك الجهات بصورة مباشرة أو غير مباشرة .

فالأزمة السياسية العراقية المستديمة بين فرقاء العملية السياسية في العراق قد تخطت مفهوم الخلاف والإجتهاد في الرأي ووصلت الى مراحل متقدمة من " كسر العظم" .. ولم يتورع الساسة جميعا في اشهار اسلحتهم المتنوعة والقاء كل أوراقهم على طاولة اللعب من اجل اسقاط الآخر المختلف ! وهذا يمثل برأيي عودة الى عشائرية ضيقة في الحل، وانتقاما لا يليق بمسيرة العراق الجديد، ولا بساسته كأسلوب لتسوية المشكلات .

................

 

ثالثا: في معنى حل الأزمات ..

لا توجد أزمة سياسة دون حلّ، اذا ما توافق أطراف النزاع على وجود أرضية للحوار والمكاشفة والملاسنة معا .. في إطار دستوري و جدل حضاري ..

فبعد حلحلة أزمة رئيس الحكومة " نوري المالكي" الحالية بفعل قوة تجمع المالكي وتصدع جبهة مناوئيه، وفشل كل الاجتماعات المعارضة له،الى حد هذه اللحظة، بقدرتهم العملية على سحب الثقة من المالكي وحكومته .. صار الحديث الآن بشكل خجول عن تراجع الأطراف المتحسمة للنيل من المالكي شخصيا، وهو خطأ أشرنا اليه في مقالاتنا السابقة وتنبأنا بأن الرهان على سقوط المالكي شخصيا هو إهدار للدم والزمن العراقيين .. لأن القادم هو نتيجة أخرى للمحاصصة وإبن التجمع الذي أنجب المالكي وحاز توافقا وطنيا على تنصيبه ..!

فالمشكلة الوطنية لا تتوقف عند تبديل الماكي .. المشكلة في تغيير الإستراتيجية الوطنية عند اللاعب السياسي العراقي، كرديا وشيعيا وسنيا .. الخ . لأن الوقائع أثبتت فشل الجميع في " إدارة المعارضة " في إطارها القانوني السليم .. وثبت أن السياسي العراقي غير ناضج لتشكيل ما يسمى ب" المعارضة البرلمانية" أو تشكيل حكومة ظل، تنتظر المعارضة فيها الى الفوز الشرعي بالإنتخابات لتكون بديلة حكومة لا بديلة دولة ... وهذا هو مقتل من أعظم مقاتل الساسة في العراق، لانهم لا يمتلكون أفقا استراتيجياً لبناء دولة عراقية .

وأكاد أجزم بأن العراق والدولة العراقية الحديثة الديمقراطية الفيدرالية الموحدة هو الضمانة الأكيدة لكلّ الأطراف بما فيهم الأكراد ..لأن الأحلام الإنسانية في تأسيس دول ذات طابع قومي محض .. تبقى أحلاما مشروعة جدا ولكنها عسيرة على التطبيق في المستقبل المنظور تحديدا ,, فلماذا يراهن السياسي على ما هو مجهول بما هو معلوم وملموس، ولماذا ينافق السياسي لإطالة الأزمات ؟؟

.................

 

رابعا : عندما أحرقت ثورات ربيع الحلم الانساني في الدول ذات الاغلبية العربية وهو ما سمي " بالربيع العربي " اعتى الديكتاتوريات حربا أو سلما .. لم يكن بفعل نضوج داخلي لشروط الثورة في تلك البلدان، فقد تناوبت حظوط  النضج داخليا وخارجيا  على انجاز مهمة اقصاء الماضي .. ولكنه ماض ٍ ظل يتشبث بأهداب الحاضر .. لذا صار لزاما على الربيع ان يحرق الفصول ..

لكنها السنة والسنّة العربية لا تريد مغادرة تقويمها .. هناك زمن بطيء يعتاش ويبطل رقاص الساعة الجديدة .. هناك فلول وبقايا ظلام لا يغادر العقول .. هناك أمل ُمقعد لأصحاب الأمس .. ربما يتلمسون رجوعه ظنا أو واقعا في الأجندات .

................

 

خامسا : مام جلال رئيس أم مختار طرف !!؟؟

هناك في العراق رئيس تحول الى " مختار طرف" بدلا من أن يكون رئيسا عراقيا للجميع .. نراه يتسابق مع المتسابقين في السعي للحصول على مكتسابات سياسية فئوية تخص جماعات معينة دون النظر بأفق وطني لقيادة الحوار السياسي العراقي للوصول الى بر الامان ..سيما وان رئيسنا " مام جمال" لا يمتلك الكثير من الصلاحيات في ظل نظام الحكم الوزاري ولكنه يتحرك بقوة خلفيته الحزبية والقومية ,, لذا صار وللاسف، نموذجا غير ناضج في إدارة أزمة الحكومة مع أقليم كردستان وبعض القوائم العراقية .. وهذا مستغرب جدا من الرئيس الذي كان " جنتلمان " في حلول الكثير من القضايا السياسية !!

لانريد ل" مام جلال" أن يكون مختارا " لطرف ما" بل يجب أن يكون رمزا وطنيا، يؤجل عنوانه القومي والحزبي طالما هو على دفة رئاسة العراق .. فليس حريّ بالرئيس أن يكون طباخا أو شاهدا على المكائد السياسية الضيقة ..

فالسياسة يا مام جلال " وانت أعلم بها " هي فن الحصول على الممكن .. والممكن الآن هو العراق وليس القومية والحزب .. فالعراق المعافى الموحد الديمقراطي الفيدرالي هو الصمام الأول لكل العراقيين .. أم لديك رأي آخر !!؟؟؟

..............................

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2141الأثنين  04 / 06 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم