صحيفة المثقف

ثقافة الفن في عالمنا العربي / كاظم شمهود

. لا اريد ان اتكلم عن الفن الاسلامي وانما عن ثقافة المجتمع الفنية ومساحتها والتذوق وعملية التقييم والحكم .

عندما ننظر الى الواقع العربي منذ بدأية ظهور الدين الاسلامي و بواعث حركة الفكر الاسلامي الى اليوم نجد هناك عوامل كثيرة مهدت الطريق الى ظاهرة التخلف الثقافي الفني في عالمنا الاسلامي حيث نستطيع ان نميط اللثام عن بعض تلك الدوافع والوقوف على العناصر الجوهرية التي لعبت دورا هاما في ايجاد ارضية البوار والجفاف ...

 

العصر الاسلامي الاول -

ان ارتباط الفن بالمجتمع يعتمد على نمطية التفكير والايديولوجية التي يسير عليها ذلك المجتمع هل هو متدين زاهد متعبد ؟ ام علماني متحرر ؟ ام بين هذا وذاك ؟ .

الواقع انه كان للعقيدة الاسلامية ملامح اثرت على العلاقة القائمة بين الفن والمجتمع وارست مفهوم وثقافة جديدة اغلقت الكثير من الابواب الدنوية لصالح الحياة الروحية . وكان العصر الاسلامي الاول عصر زهد وتعبد وكان الحماس الديني قد شل حركة الفنون التشكيلية بفعل التحريم الذي ورد في النصوص الدينية . لهذا فقد انتشر الزهد والعزوف عن الدنيا وزينتها وانها لعب ولهو .. وقد جاء في الحديث الشريف –ص- ( ازهد في الدنيا يحبك الله ) .

ثم انتشر التصوف في العالم الاسلامي . وكان الذي بذر هذه الفكرة الحسن البصري احد علماء البصرة الكبار( المتوفى سنة 110 هجرية ) , ومن تلاميذه واصل بن عطا مؤسس الفكر المعتزلي واصحاب العقل المعروف .. وكانت صرخات ابو ذر الغفاري مدوية في بلاد الشام مستنكرة على معاوية ذلك الترف والبذخ والقصور الشامخة . حيث قارن هذه الحياة المترفة مع حياة الرسول – ص- واصحابه من زهد وتقشف. مما اظطر معاوية الى طرده من الشام ... ومن اشعار ذلك الزمن وينسب للامام علي –ع- :

صن النفس واحملها على ما يزينها - تعش سالما والقول فيك جميل

و لا ترين الناس الا تجملا - نبا( خان ) بك دهر او جفاك خليل

و ان ضاق رزق اليوم فاصبرالى غد – عسى نكبات الدهر عنك تزول

فما اكثر الاخوان حين تعدهم - ولكنهم في النائبات قليل

هذه النزعة نحو الزهد والتعبد الشديد والبساطة في العيش انشأت ثقافة اجتماعية جديدة فيها اقصاء وهجر للترف والزينة وفنون التصوير التي هي جزء منها ... فقد كانت المساجد في العصر الاسلامي الاول ابنية عادية الغرض منها الصلاة والوعظ فقط . وكان الاثاث بسيطا غاية البساطة وكان كل تجديد يكون عرضة للنقد . وقد ذكر بان احد الخلفاء الاوائل راعه خبر نصب اول منبر في مصر فأمر بتحطيمه لانه يجعل الخطيب اعلى من الناس الجالسين حيث ذلك لا يليق . كما ان بعض المخطوطات التي كانت مزوقة بالاشكال الآدمية قد قطعت رؤسها

بوضع خط عليها . كما هو ظاهر في قصة الامير حمزة في المخطوطة التي يحتفظ بها الآن متحف فكتوريا والبرت في لندن ...

و بذلك فقد نشأت كراهية كل عمل فني يذكر بالماضي الوثني البعيد . على الرغم من ان القرآن الكريم لم يرد فيه نصا صريحا يمنع فيه ممارسة تصوير الكائنات الحية . فقط وردت بعض الاحاديث النبوية الشريفة في كتاب البخاري ومسلم منها : ( ان اشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون )

العصر الاموي -

و رغم هذا الجو المشحون بالتعبد الشديد يمكن لنا ان نرى هناك نوعين من الفن : الاول – هو فن البلاط او الخلفاء . حيث نرى فيه كل مظاهر الترف والبذخ والتحدي لتعاليم الدين .. ومثال على ذلك - قصير عمرة – الذي بناه الوليد بن عبد الملك بين عام 94 و97 هجرية ويقع شرق الاردن . وهو مثالا واضحا لبداية الترف والتحدي حيث تغطي جدرانه صور لنساء عاريات وصور لمواضيع صيد واخرى اسطورية وغيرها . وكذلك في قصر الجوسق الخاقاني الذي بناه الخليفة العباسي المعتصم 221 هجرية في سامراء حيث يشاهد فيه جدارية تمثل راقصتين . وهكذا في القصور الاخرى . وكانت الطبقة الحاكمة قد سمحت لنفسها ان تعيش على طريقة ترف وابهة الملوك البيزنطينيين والفرس . ويذكر المؤرخ المصري محمد حسن محمد في كتابه –تاريخ العرب السياسي – في باب مجالس الغناء والطرب . كان الخلفاء الاول يستمعون في اوقات فراغهم لقصائد الشعراء , ولم يلبث الغناء ان حل محل قصائد الشعراء , فكان معاوية ومروان والوليد وسليمان وهشام وغيرهم يستمعون الى الغناء ويطربون ...

النوع الثاني من الفن في العصر الاسلامي الاول هو الفنون الفرعية او الحرفية الشعبية وهي الفنون التي يزاولها الصناع الذين كانوا يستدعون لتأثيث الابنية مثل صناعة السجاد والبسط والتحفيات من اواني وعلب وكذلك الاقمشة وغيرها والتي تحيط بها زخارف بسيطة متنوعة ..

من جانب آخر لما كان التحريم بقى عنصرا عائقا في تصوير الكائنات الحية فقد اتجة الفنان المسلم وخاصة في عصور متأخرة الى الزخرفة والخط وفن العمارة و محاولة سلب التجسيم من الاشكال باللجوء الى التجريد لهذا فقد رمى بكل ثقله وطاقاته وابداعاته فيها . كما وجد هناك من الفقهاء المتفتحين والمتساهلين والذين يغضون الطرف عن هكذا توجه ...و هكذا نشأء الفن الاسلامي واصبحت له شخصية مميزه عن فنون الحضارات الاخرى . يقول الدكتور بشير فارس : ( ان خروج التصوير الاسلامي عن اصول الهيئة البشرية انما تستدعيه نية مستقرة بالطبع مبعثها الاستهانة بعظمة الانسان المطلق , كالانسان الذي ركزه في قلب العالم فلاسفة الاغريق , واهل الفن والادب في ايطاليا الناهضة . ... )

ثقافة الغرب –

كان الاغريق يعتقدون ان الجمال هو خير اخلاقي لهذا فقد فهموا الفن على انه عنصرا مهما يساهم في حل جزء من مشاكلنا الروحية والنفسية . كما انهم صوروا الآلهه على شكل انسان باسلوب واقعي . وبالتالي نرى ان الفن اليوناني فنا دنيويا اكثر منه دينيا .. ولما جاءت المسيحية دعت الرسامين الى رسم الانجيل على جدران المعابد وقصص النبي عيسى –ع- والاحبار والقديسين وغيرهم . لان الناس في ذلك الوقت كانت امية تسيطر عليها المعتقدات الوثنية والقصص الخرافية . وان خير وسيلة لتقريب الدين المسيحي الى الناس هو التعامل معهم عن طريق التصوير .. لهذا نرى ان المجتمع المسيحي منذ البداية وطن تعبد وثقافة مرتبطة بالتصوير واحترامه وتقديسه . هذا الدين افرز ثقافة وعلاقة حميمة ووثيقة بين الفن والمجتمع , كما هو ظاهر في اعمال رافائيل ومايكل انجلو ودافنشي وغيرهم .. .. ولا زال المجتمع الغربي يقدس الفن ويحترم الفنان ولديه ثقافة واسعة لتفهم الفن ومدارسه وعباقرته من غويا , دومير , هوغارث , تيرنر , ديلاكروا , بيكاسو , وماتيس وغيرهم ...

هناك ملاحظة مهمة على القارئ الانتباه اليها وهي ان الفكرة اليونانية القائمة على تصوير الآلهة على شكل انسان , قد عبر ت الى المعتقد المسيحي . حيث يعتقدون بان الانسان هو صورة الله على الارض لهذا ترون في رسوم مايكل انجلو في الفاتيكان صورة الله بشكل انسان ضخم جالس على العرش وتحيط به الملائكة ...

مجتمعاتنا اليوم –

نحن اليوم نعيش معضلة كبيرة من الصعب حلها على المدى القريب فكل التجارب الاجتماعية السابقة في مجال الفنون التشكيلية لم تستطع انشاء حركة فكرية اجتماعية عامة تدفع بالناس الى ثقافة الفن والتفاعل مع الفنان وتفهم اعماله .. حيث نرى ان عملية التقييم والحكم للفنون في مجتمعاتنا العربية , تأتي اما عن طريق التذوق الفطري او الارتجالية او المزاجية الشخصية او العلاقات الشخصية او التملق او الانتمائية او المدح والاطراء بغير محله ....   كنت ولازلت اتابع اعمال الفنانين الاجانب والعرب عن طريق المواقع الالكترونية والفيس بوك .. حيث وجدتها فرصة كبيرة لاستطلاع وقراءت آراء و ثقافة الناس حول الفن .. قبل فترة قليلة رأيت لوحة فنية معمولة من قبل احد الفنانين العرب . ثم رأيت تعليقات لا تعد ولاتحصى تنهال على صاحبها مدحا واطراءا وتبريكات من كل حدب وصوب وعدها البعض طفرة تاريخية .. .. ولكن الواقع غير ذلك حيث ان اهل الفن من المثقفين والنقاد (وهم قلة) يرون ان هذه اللوحة مثلا تنتمي الى هذه المدرسة او تلك بحكم الدراية والعلم والاطلاعهم الواسع .. وهكذا اجد يوميا هذه النماذج تتكرر دون رادع عقلي او اخلاقي مما يدعو الى الاسف للتخلف الثقافي الفني الذي يعيشه اليوم عالمنا العربي والاسلامي ..

  

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2147 الأحد  10/ 06 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم