صحيفة المثقف

النصف المليان في كأس الإخوان .. تجربة مصر نموذجا / وديع شامخ

... ولكن التجربة المصرية في فوز الإخوان قد اخذت منحى آخر ... فلقد تسابق كلّ الطامحين ..الى حكم المحروسة مصر، فرقاء وغرماء، أعداء الأمس، أصدقاء اليوم .. وكان للقضاء المصري اليد القوية، " ولا أقول الطولى"، في الإشراف الفعال على لجم السعار الذي كان مستشريا بين المتنافسين والمتنافحين .. ولعل خروج المرشح الاسلامي " حازم أبو أسماعيل " " وخروج " رجل المخابرات " عمر سليمان " لإسباب قانونية محضة، يشكلان أبرز الصدمات القوية للسائرين بقوة نحو حلم قيادة الجمهورية المصرية الثانية ..

كما كان لعدم حصول السيد عمرو موسى الأمين العام السابق للجامعة العربية، الاصوات الكافية لخوض الجولة النهائية أمر مهم ومؤشر على أن المصريين " ومن ورائهم" ووفقا لمراكز القوى قد حسموا المنافسة بين التيار الإسلامي " بما يتكيء على منجزات ثورة شباب الميدان" ومرشحهم الدكتور محمد مرسي، والفريق احمد شفيق لما يمثله من " إنقاذ ما يمكن انقاذه " لعودة السلطة وعجلة الزمن المصري الى لحظة " مائعة" تماما.. الفريق شفيق يعبر عن أصوات المنتمين الى النظام السابق، وملايين اخرى لها حق الريبة والشك في التوجه الاسلامي في حكم مصر العلمانية تماما و " أم الدنيا" وصانعة الملوك، والفنانيين، ومنشأ المسرح والطرب . مصر السياحة... الخ.

........................

بعد سجال إنتخابي، أحسَنَ –الإخوان- إدارة حملتهم بكل الوسائل السياسية وغيرها .. للفوز بمنصب الرئاسة المصرية وبفارق ضئيل جدا، وهذا ايضا انتصار للديمقراطية والتسليم بمضارها أيضا، وكما يقول تشرشل " الديمقراطية سيئة، ولكنها ليس أسوأ من بقية الانظمة" .

بهكذا " أضعف إيمان " توجت التجربة المصرية سجالها الإنتخابي بفوز الدكتور السلفي محمد مرسي رئيسا لمصر .. والأجمل أن غريمه قد سلّم تماما في النتيجة رغم دفوعه السابق عن أحقيته في الرئاسة .. الفريق شفيق أول من هنأ الرئيس المصري، وهذه خصوصية مهمة لتجربة الإنتخابات وربما هي رسالة خفية الى أن، فوزك في الانتخابات هو فخ نصبناه لك، نحن العسكر ومن خلفنا .. فانت رئيس " منزوع الدسم " وربما ستشكل المعارضة نفسها وتكون في موقع القرار في البرلمان بعد حل الاغلبية الإسلامية . وهذا ما سيقوم به الفريق أحمد شفيق بعد رجوعه من أداء فريضة العمرة " للملكة العربية السعودية، مرورا بدولة الامارات" .. إذ سيشكل حزبا سياسيا يسكون له الثقل النوعي في الحياة السياسية المصرية . لاسيما وأن الرئاسة المصرية قد إتختار الفريق طنطاوي لوزراة الدفاع مع بقاء العسكر واجهزة المخابرات السابقة في مواقعهم لحين إعادة إنتخاب مجلس الشعب المصري وذلك إشارة تطمين الى الدول الإجنبية بعدم الخوف من النموذج الإسلامي المصري .. أو الشراكة الديمقراطية ما بين "الجندي والدولة" عل حد تعبير صاموئيل هانتنغتون .

...................

المعارضة المُنظمة ..

رغم ميل نتائج الإنتخابات الى كفة الإسلام السلفي، ولكنها تمثل خيار الشعب المصري وعلينا إحترامه تماما .. وكان من مزايا هذا الخيار أن المعارضة المصرية لم يعلو صراخها، ولم ينساقوا الى سفك الدم والتهديد والوعيد، بل اكتفوا بالتهنئة للمنتصر وهذا سياق حضاري آخر تقدمه التجربة المصرية .

والأهم أن اللاعبين في المشهد السياسي إرتضوا للواقع الديمقراطي أن يأخذ مداه .. فلن يطلب الفريق أحمد شفيق منصبا في الحكومة ولم تشير الدلائل الى حد الآن الى وجود نيّة لتشكيل حكمومة شراكة وطنية أو محاصصية . لقد شكلوا اغلبية سياسية حاكمة ومعارضة سياسية خارج الحكم . اليس هذا هو النضج الأولي .. والذي تجلي في أول ظهور لرئيس مصر في لقائه مع قادة العسكر.. فالرئيس السلفي الذي سيحل وثاقه من حزبه ويكون مشاعا للمصريين قد دعا الى تكليف نائبين له، احدهما من الاقباط والاخرى أمرأة، كما أن القسم الرئاسي سيقدمه : محمد مرسي " أمام هيئة قضائية وليس أمام أيّة جهة دينية أو مدنية أخرى.

لم يعد الرئيس المصري قويا بما فيه الكفاية، وهذا إقرار مهم للحد من سلطة الأسلاميين السياسيين ومن خلفهم، الذين يجيدون تماما سرقة نتائج الثورات وتجييرها الى مصالحهم، كما أنهم تمرسوا في إستخدام الديمقراطية كسلّما للوصول الى السلطة وأحكام السيطرة عليها بكل الوسائل المشروعة وغيرها لضمان بقائهم الأبدي في السلطة وعلى مختلف المستويات .. وقد يعتبر البعض أن سلسلة الاجراءات الدستورية التكميلية التي أصدرها العسكر المصري بخصوص تحجيم صلاحيات الرئيس في موضوعات غاية في الاستراتيجية، انما جاءت ربما بتوافق أو تناغم خفي بين العسكر والإخوان، وهي رسالة مشتركة لتطمين الآخرين .. لأسباب عديدة منها :

1-   فشل الإخوان في حصد نسبة مرتفعة، كما كانوا ُيلّوحون، اجبرهم مؤقتا على التنازل والرضوخ " تكتيكيا" للوصول الى الحكم بأي ثمن .

2-   فشل العسكر في الإستيلاء العلني على السطة والإكتفاء بوجود مرشح لهم ينافس بقوة ويقلق الآخرين " كالفريق شفيق"..

3-   لقد فهم جميع الفرقاء رسالة المجتمع المصري والمجتمع الدولي .. فَقبل المرشح الأخواني مساعدين له من الاقباط والنساء بعد ان كانت خطبته بعد الفوز اسلامية صرفة " لقد وليت عليكم ولست بخيركم "

4-       اثبت المصريون انهم شعب قابل للتعامل مع كافة الممكنات بإيجابية وسلمية معا .

5-   أغلب الظن ان العسكر المصري قد تلقى رسائل خفية تفيد بأن فوز الإخوان هو أقل الخسائر على المجتمع المصري بشروط قد قبلها المعسكر السلفي .

6-   أغلب الظن ان صناع القرار قد اكتفوا بهذه المنازلة الرئاسية ممّنين النفس بالفوز بمقاعد السلطة التشريعية لاحقا وتحجيم الدور الإسلامي تشريعيا ورقابيا ..

7-       لابد للرئيس المصري ان يقطع رسميا انتمائه للاخوان وهذا عامل مهم سيقلّل من صلاحيته الحزبية.

8-   الجميع في العملية السياسية قدم التهنئة والاعتراف بالنتائج رغم تلويح الفريق مرسي " بملايين البطاقات المزورة "سابقا .

9-       الثقة بالقضاء المصري ورضوخ الجميع الى القرارات الختامية الصادرة عنه دون ايّ إعتراض .

 

..............

سياسو العراق والتجربة الإخوانية

 بعد هذه التجربة المصرية الفتية في عصر "جمهورية مصر الثانية" .. وهي التجربة الإسلامية القلقة في حصاد خريف الديكتاتوريات العربية بعد تجارب تونس وليبيا،نلاحظ بروز ممكنات إجتماعية وسياسية تثبت عدم وجود توافق بين الدين وقيادة الدولة، وهو المفهوم العلماني الذي ارساه النموذج التركي في الشرق الأوسط، منذعهد القائد أتاتورك عام 1919 عندما أزاح العسكر آخر خلفاء الدولة الإسلامية العثمانية .. وحتى آخر رئاسة تركية إسلامية بقيادة حزب إسلامي، تنازل عن إصوله الشرعية . فقد إحتفظت التجربة التركية بطابعها العلماني وميلها الى النصف الأوربي " الكافر" وهذا يتمثل في سعيها الحثيث في الانضمام الى أحلاف عسكرية للكفار" مثل حلف الناتو عسكريا، والانضمام إقتصاديا الى قوة أوربا ممثلة بالاتحاد الأوربي .. الخ

من هاتين التجربتين ..أين نجد العقلية الإسلامية والقومية والوطنية العراقية في قيادة البلاد الى بر الأمان ؟؟

بعد أول ثورة حقيقية بسقوط دكتاتور العصر، صدام حسين عام 2003 سنجد ان غرماء العملية السياسية لم يجدوا طريقا صحيحا لتثبيت أسس المقارعة والمنازلة السياسية .. فلم يتوافقوا على حكم هيئة الإنتخابات في إستحقاق الفائز الانتخابي، ولم يستطيعوا عبر نماذج الالتواء على قرارات هيئة الانتخابات بتشكيل الكتلة البرلمانية الغالبة وحقها في الإستئثار بتشكيل الحكومة .. فلا القوة الغالبة بكل مكوناتها " الشيعية والكردية وبعض القوى المتناثرة" ولا القوة المنهزمة أن يشكلا طريقا لحل وجود تباشير التجربة الديمقراطية في التداول السلمي للسلطة ..

فشلوا جميعا، وفشل المشروع العراقي الوطني السياسي .. ووصل الامر بأصدقاء وحلفاء الأمس الى التنابز والإستقواء بتحالفات محلية مريبة وأخرى أقليمية أكثر شراسة في النظر الى المشكل العراقي ..

إن طرح موضوع الديمقراطية على الشعب العراقي وتحميل الساسة والقوى الخارجية هذا المآل هو تجني على النصف المهم والفاعل في العملية السياسية عموما، وهو الشعب " جمهور المنتخبين ".. هذا الجمهور الذي أثبت سلبيته ومخادمته وخنوعه لمشاريع الساسة وعلى اختلاف مشاربهم الدينية والقومية ..

لكن الأكيد أن يتحمل السياسي بوصفه العامل النخبوي في طرح وتمثيل وإنتاج رغبة الجمهور في شكل الحكم الذي يريدونه .. وما يحصل في العراق الآن من تخبط في المفاهيم بين بناء الدولة الدستورية وادارة الحكومة التنفيذية وصل بالغرماء الى حد مهين جدا ..

فبدأت المؤامرات تحلّ محل الحوار، والتصفيات السياسية تحلّ محل الالتفات الى الدستور وسبل إصلاح ما هو معطوب منه ..

المشكل العراقي معقد وشائك ولكنه ليس محال .. إذا ما توافرت لدى الاطراف المتنازعة رغبة وقوة في رؤية عراق ديمقراطي تعددي فيدرالي حر .. رؤية عراق دستوري يحترم العدالة وفقا لمفهوم " مونتسيكو: بوصفها الفصل بين السلطات .

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2167 السبت 30/ 06 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم