صحيفة المثقف

الادراكات المعرفية في الفن / كاظم شمهود

ولكن دعونا ان نسأل اهل العلم عن معنى الادراك:  الفعل هو، دري الشئ ودراية، علمه . ويقال: اتى الامر من غير دراية، اي من غير علم، وفي التنزيل: ولا ادراكم به: يريد ادريته وادراه . وفي قوله تعالى:  (و ما ادراك ما الحطمة) تأويل، اي شئ اعلمك بالحطمة .  وجاء في تفسير الميزان (القارعة ماالقارعة وما ادراك ما القارعة) . وهنا جاءت ادراك بمعنى تعظيم وتفخيم للامر . مثلا يقال: زيد وما ادراك ما زيد، يراد به عظمة زيد وعلو شأنه العلمي او الاجتماعي . اما القارعة فمعناها الضرب وهي من اسماء القيامة بالقرآن لانها تقرع القلوب بالقرع وتقرع اعداء الله .

مصادر المعرفة والابداع:

النظرية العقلية: ترى ان الابداع عملية ترجع الى العقل الواعي  وان الفنان يجنح الى الخيال والالهام والاحلام ولكن بشكل تبصر ووعي العقل الظاهري . ومن الذين نظروا لهذه الفكرة الفنان الايطالي دافنشي حيث بين ان العمل الفني يأتي من الدراسة المستفيضة والتقصي والتأني . وكذلك ايدوا هذه الفكرة كانط وهيجل وشبنهور وغيرهم . والتعقل هي ضرورة جمالية للابداع والتلقي من خلال العملية الابداعية والتذوق الفني .. ويرجع الفضل الى النظرية العقلية لتخليص الذهن من  من الافكار الاسطورية والخرافات والاوهام وطبعه بطابع العلمية ..                                    ولكن مع كل هذا التطور العلمي والتحضر  الذي يشهده العالم نجد اليوم هناك عقول متحجرة عليها اقفالها كالانعام بل هم اضل سبيلا، لاتفهم التعيش مع الآخر على الاطلاق . وما نراه اليوم من منظمات اسلامية متطرفة في عالمنا العربي الا نموذج للعقول المقفلة والمصحرة ، حتى الجدل منع، والله تعالى يقول (و جادلهم بالتي هي احسن)...  ويذكر الدكتور مصطفى عبدة، بان العقل الابداعي يأتي كنتيجة حتمية بعد العقل الظاهري والعقل الباطني بمعنى ان عملية الابداع ثمرة  ثلاثة مراحل يتم من خلالها اولا جمع الصور ثم تخزينها بعد ذلك اخراجها بشكل ابداعي ...                           (خاطبوا الناس على قدر عقولها) بمعنى ان يكون هناك وعي وابداع  في التخاطب مع عامة الناس . كما نذكر قول لاحد أئمتنا (.. اتمنى ان تكون رقبتي بطول رقبة البعير ..) اي ان الكلمة التي تخرج من الفم يجب مراقبتها بتأني حتى لا تثير المشاكل وان تكون جميلة . ...

ويعتقد ديكارت صاحب النظرية العقلية، بان الادراك وما يترتب عليه بعد ذلك من ابداع، له منبعين، الاول الاحساس، والثاني هو الفطرة، فالحس على اساس هذه النظرية مصدر فهم للتصورات والافكار البسيطة كما ان الفطرة منبع أخر يبعث في الذهن طائفة من التصورات .

 

 

النظرية الالهامية: تقول هذه النظرية بان الابداع هو ضرب من الالهام الذي يأتي من قوة غيبية . وهي نظرية قديمة ظهرت عند اليونان حيث اعتبروا الفنان انه رجل ملهم يستمد فنه من ربات (الفنون التسعة) ويذكر ان بيكاسو احيانا يبقى جالسا صافنا فترة . فقيل له بماذا تفكر ؟ فيرد عليهم . انتظر ربات الفنون .. وجائت المدرسة الرومانتيكية في القرن التاسع عشر فاحيت هذه الافكار واعطت اهمية كبيرة للعاطفة كما اعتمدوا على الخيال والاحلام وماهو رومانسي بعيدا عن الواقع ... وتجمع آراء العقلاء بان الالهام فعلا موجودا وهي فطرة في الانسان . والالهام عملية تأتي فجاة نتيجة لعمليات مضنية تنتج باستدعاء المعاني والصور التي اختزنها الفنان في عقله كرصيد فني مختمر . وليس يأتي من ربات الفنون، كما تقوله الاسطورة اليونانية القديمة ...

النظرية السيكولوجية: تعتبر هذه النظرية بان الفنان يعود في ابداعاته الفنية الى اللاشعور او العقل الباطني . وقد ظهرت على هذه الافكار المدرسة السريالية واستمدت افكارها من عالم النفس فرويد ونظر لها الشاعر الفرنسي اندرية بريتون الذي اصدر بيانه الخاص بالسريالية سنة 1924

.. وقد حاول السرياليون سوى كانوا في الادب او الفن من التحرر من سيطرة العقل وكانوا ايضا يبيحون استخدام المخدرات للهروب من رقابة العقل وفتح المجال للاحلام والخيالات واستنباط افكارهم وصورهم من عالم اللاشعور .. وتزعم المدرسة السريالية في الفن، الفنان الاسباني سلبادور دالي وبول كلي ومارك شاجال ودوشامب وبيكابيا وجاكوميتي وآرب وغيرهم .

ويذكرالعقلاء بان اصحاب هذه المدرسة قد خرجوا عن الواقع المعاش وعن الواقع الفني ذاته واعتمدوا على الاحلام التي  لا ترتبط  بزمان ولا مكان،  وانهم احيانا قد اصطنعوا اللاوعي عن طريق المخدرات .. مع ذلك تعتبر المدرسة السريالية من الحركات المهمة في تاريخ الفن وكانت لها جذور قديمة ظهرت في زمن الحضارتين  الرافدية والمصرية متمثلة في المنحوتات والرسوم الاسطورية  . كما ان الفنان  بوش قد مارس هذا النوع من الفن  El Bosco في اواخر القرن الخامس عشر  وما زالت اليوم تعتبر من مدارس الجذب والخيال .. حيث استطاع انصارها اليوم من الجمع بين الوعي واللاوعي في عملية الابداع الفني ..

ويذكر الدكتور حسن محمد حسن، بأن اللاوعي هي حالة من  الادراك للصور الابتكارية اللاشعورية والتي يطلق عليها احيانا (الحدس) ويعتبرها البعض من المصادر المهمة للابداع .. ويستطيع العلم اليوم عن طريق هذه الصور اللاشعورية من معرفة الامراض العصبية ومنشئها منذ الطفولة .. كما يذكر بان الكبت يمكن التنفيس عنه وتسريبه في حالات الاحلام والرؤيا .

و هناك نظريات  اخرى في مسألة المعرفة والابداع منها ـ النظرية الحسية ـ التي بشر بها الفيلسوف الانكليزي جون لوك . وقد تبنت بعض المذاهب المادية هذه النظرية في تعليل الادراك الحسي البشري وانه انعكاس للواقع الموضوعي . كما توجد نظرية اخرى تسمى ـ نظرية الانتزاع ـ التي تبناها بعض الفلاسفة الاسلاميين حيث تعتمد على مصدرين هما  التصورات الاولية ثم التصورات الثانوية  ومن الاخيرة يبدا الابتكار والانشاء والابداع ...

  

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2174 السبت 07/ 07 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم