صحيفة المثقف

كوفي عنان والمأزق السوري / جمعة عبد الله

واعلى لغة السلاح والقوة على الحل السياسي وفقدان الرؤية التي تعني بمصالح الوطن . والبحث عن انتصارات في مهرجانات الدم .. يتطلب العمل الدبلوماسي استعجال الحاسم والسريع واتخاذ القرارات العاجلة في اطفاء الحرائق، وتفهم المشكلة برمتها ومن زواياها المتعددة، ومعرفة شعابها وخفياها وجذورها والاسس التي فجرتها بهذه العنفوان الحاد لكي تساهم في اصدار قرارات الزامية تجبر طرفي النزاع على الالتزام والتقيد بها دون تهاون او تقاعس، ومن اجل تحقيق اتفاق من خلال طاولة المباحثات وبشكل سريع، لان ترك النيران تشتعل بلغة السلاح ستعمق المشكلة اكثر فاكثر وتعرقل المساعي الحل والتوصل الى تفاهم لانهاء النزاع .. وخلال عمل (كوفي عنان) الطويل في الحقل الدبلوماسي وترئسه اعلى هيئة دولية، وهي منصب الامين العام لهيئة الامم المتحدة من عام (1997 - 2007) تمثلت بالبرود الدبلوماسي والسياسي والخطوات البطيئة والجولات المكوكية المنفردة بين طرفي النزاع دون ان يفلح الى اتفاق اولي يساهم ويساعد في وضع حلول الحل وتخفيف حدة الصراع .. ان النظرية التي يعتمدها المبعوث الدولي (كوفي عنان) لم ترقى الى مستوى الاحداث والصراعات الدموية ولم تستطع نظريته الدبلوماسية ان تحقق النجاحات في المهام التي ترئسها والتي تكفل بالقيام بها، او الجهود التي سعى من اجلها في تحقيق السلام ووضع حد للنزاعات، اذ اغلب الجهود التي قام بها فشلت في تحقيق المرام المطلوب، فمنذ ترئسه لشؤون عمليات حفظ السلام في الحروب الاهلية في يوغسلافيا عام (1996) وحتى بعد توليه منصب الامين العام لهيئة الامم المتحدة (1997) في وقف العنف المسلح وانقسام يوغسلافيا الى (6) دول لا يجمعها سوى العداء والكراهية فيما بينهم. وكذلك لم يفلح في وقف حمامات الدم والمجازر والحروب الاهلية في بعض الدول الافريقية ومنها رواندا . وهو افريقي من غانا  . . وكذلك فشل في مهمته في العراق في تجنب حرب الخليج الثانية، وفي عهده سمح بان يفتح الباب امام التدخل الامريكي في شؤون العراق عبر بوابة الملف النووي العراق .. وكذلك اخفق اخفاقا ذريعا في حل المشكلة القبرصية . اذ بعد سنوات من المفاوضات والمباحثات بين الطائفتين اليونانية والتركية) فقد توصلوا الى اتفاق نهائي لحل المشكلة المستعصية والتي تقف طريق مسدود امام دخول تركيا الى الاتحاد الاوربي (لانه من الشروط الاوربية حل القضية القبرصية اولا وثانيا الاعتراف بالحقوق القومية للشعب الكردي في تركيا). الكل توقع بان تركيا على خطوات قليلة وتدخل الباب الاوربي، من خلال التوصل النهائي الى صيغة الاتفاق في تقسيم السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية وان يكون رئيس الجمهورية من القبارصة اليونانين ونائبه من القبارصة الاتراك في انتخابات عامة . وظلت بعض الاشكاليات الجزئية التي تخص الفترة الزمنية لرجوع الاراضي المحتلة لدى الطرفين واتفق على ادراجها ضمن الاتفاق النهائي، لكن اصرار (كوفي عنان) بعدم ادراج اية ملاحظة ضمن الوثيقة حتى لو كانت بسيطة . وبهذا فشل الاجتماع التاريخي عام (2004) في التوصل الى اتفاق نهائي، وظلت المشكلة القبرصية معلقة لحد الان، وظلت تركيا خارج البيت الاوربي ... اما الملف السوري الذي تكفل (كوفي عنان) في وضع خطة ستراتيجية لانهاء لازمة الدموية وايقاف مسلسل العنف والقتل اليومي، وتضمنت خطته ست نقاط وافق عليها النظام السوري، ولكن لم يبدأ بتطبيقها على ارض الواقع، بل زاد العنف والتدمير واستخدام السلاح الثقيل والمروحيات الحربية في ارتكاب المجازر الوحشية كل يوم، ودخلت سورية الى مرحلة التدمير الشامل تحت سمع وبصر السيد (كوفي عنان) وهو يتحرك ببطئ قاتل ويقوم بجولات خجولة لم تفلح لحد الان ان توقف الدمار، وتجمع الطرفي النزاع الى طاولة المباحثات . ولم يدين العنف الدموي من قبل النظام السوري وهو يخرق مهمته وخطته الدولية يوميا وحتى ادخلها الى الفشل الكامل . لكن عقلية واسلوب تفكير السيد (عنان) لم تثمر ولم تنجح في اقرار السلام وحل الازمة بالطرق السياسية . والطريقة التي يتبعها  فشلت بعد ثلاثة شهور من حمامات الدم المستمرة هو عنوان اليومي للمشهد السوري . والان يطلب تجديدها ثلاثة اشهر اخرى،  كي يفسح المجال الى النظام السوري لارتكاب المزيد من الجرائم الابادة بحق الشعب السوري بهدف خنق الثورة الشعبية، ويتعامل مع الزمن، لانه يعتقد بان اطالة الوقت كفيل في اخماد الثورة وقتلها،  ومستخدم كل انواع المراوغة والكذب والخداع والنفاق وهي صناعة بعثية بامتياز كامل . ومستغل الصمت الدولي وتواطئ وتداخل المصالح الاقتصادية في العلاقات الدولية في الدفاع عن نظام يعيش فوق جماجم شعبه المنكوب . وكذلك الموقف الروسي المشين، لان روسيا تنظر الى المصالح الاقتصادية اولا ولا يهمها المصالح الانسانية وانتهاك حقوق  الانسان . وان مصالحها خسرت في الربيع العربي، وظلت سورية المحطة الاخيرة لها، وهي تدرك تماما بان سقوط النظام في سورية يعني خروج الروس من الشرق الاوسط بخفي حنين . ولهذا عمل النظام على اشباع رغبة الروس في منحه دون مقابل قاعدة عسكرية بحرية في (ميناء اللاذيقية) . وكذلك النظام يستفيد من التحرك البطيء جدا للمبعوث الدولي بعدم جديته الحاسمة في اجبار النظام على الالتزام بتعهداته بالموافقة على خطته الدولية والتي لم يطبق نقطتها الاولى التي تنص على سحب الاسلحة اللثقيلة والمروحيات الحربية من المدن . لانه يدرك ويعتقد بان اي تنازل حتى بشكله البسيط، يعني دق المسمار في نعشه المرتقب

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2183 الاثنين 16/ 07 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم