صحيفة المثقف

لن تُضيع.. (نص هائم) / سلام كاظم فرج

لعلك مررت.. بل من المؤكد انك قد مررت بالفتى الذي جاور الامام أبي حنيفة..في زمن النهوض العراقي..حيث كانت بغداد.. صبية تحبو بجدائل شقر. بين يدي ابيها المنصور الدوانيقي..كان النعمان(ر) قد اعتاد ان يوقت ذهابه الى النوم.. على صوت فتى شجي يعود مترنحا آخر الليل. مرددا (أضاعوني وأي فتى أضاعوا..)...

كان الفتى الملعون يشرب الخمر. والخمر في الشريعة من الكبائر..لكن صوته الشجي أوحى للإمام ان بين جوانحه حزنا مبررا.. فالسياسة قد أفرزت انحطاطا في الاخلاق. وما يراه البعض ازدهارا.. قد يراه البعض الاخر إنحطاطا بامتياز.. فسكر الولد لم يأت من فراغ.. وعودته في أخريات الليل لم تجد لها حلا عند خليفة او فقيه. . وكما يقول الشاعر الضجر(ولي في التجريد منجاة). كان التجريد يقضي وفق الفقيه والسلطان..( الجلد... عشرين.. جلدة..او أكثر بقليل.. لافرق).. لكن وفق العبقرية الكامنة في وجدان الامام...إن وراء الاكمة ما ورائها فالفتى.. ربما انتظر طويلا مجيء المخلص في زمن الامويين..ربما هو شاعر. ربما هو سياسي.. ربما هو فيلسوف. ربما نزاهته تدعوه ( فلنفكر معا ). ربما هو عبقري مضيع..

ولكن الذي يعرفه النعمان ثابت. إن مجيء المخلص كان على خلفية كارثة أخلاقية فظيعة.. تنوء من حملها الجبال... (والنعمان لو تدري كان من بين من انحازوا لثورة زيد بن علي.. والنعمان كان قلبه ولسانه مع محمد ذي النفس الزكية..)

فالقادمون.. قتلوا الامويين.. بمذبحة تشبه الكرنفالات. وأبو العباس كان لا يستطيب طعاما إلا على جثة أموي والانتهازي مروان بن ابي حفصة صار شاعر البلاط..( أرى تحت الرماد وميض نار). (ولا تبق على ظهرها أمويا..!!.. )

( اوكي!!!.).. حسنا.. هذا مفهوم. فالأمويون لم يتركوا شيئا لنترحم عليهم. والقتل شيمتهم كان..!!!

لكن والد بغداد غير المحنطة...( المنصور)..فتك اول ما فتك برئيس الوزراء ابي سلمة الخلال..وما أدراك من هو الخلال؟؟ التاجر الذي وظف جهده وماله وراحته.. وقوت عياله في سبيل انتصار الهاشميين(( علويين ــ عباسين). وهو الخلال ابن الخلال.. العراقي الكوفي التاجر البروف في إدارة الثورات.. ومن المؤكد ان الفتى السكير كان يتابع حراك ابي سلمة من بداياته الواعدة.. حتى نهايته الكارثة. وإن لم يدر هذا بخلده. فقد كان يدور بخلد ابي حنيفة ويسقطه من وجدانه على وجدان الفتى المفترض..

حسنا. والمنصور فتك.. بعمه. عبد الله. العباسي ابن العباسي.. كل ذلك بأداة لا تخطيء الهدف. عسكرية صبورة محترفة..براغماتية بحس اسلامي مكتوم..وثورية بحس طموح كامن. وفدائية. في انتظار منصب او زوجة كريمة من بنات بني العباس.. . ابو مسلم. وما ادراك من ابو مسلم؟

ذلك الفتى الذي لم يقرأ رسائل مروان الحمار آخر ملوك بني امية وكانت لكثرتها تحمل على ظهور النوق والجمال..تلك الرسائل التي دبجتها أنامل عبد الحميد الكاتب( بدأ النثر بعبد الحميد. وانتهى بابن العميد..). لقد أحرق الرسائل قبل قراءتها. ولو تريث قليلا فقرأها ربما لتغير وجه تأريخك الاسلامي يا ايها الشاعر السئوم وكان عبد الحميد يصبو لمفعول رسائله. كذلك مروان.

لكن العسكري الشجاع ابا مسلم الخراساني. لحق بمروان وكاتبه عبد الحميد حيث ذرى كردستان. وعبر الى الخابور فقتلهما وسقطت دولة بني امية.. وبزغت شمس دولة بني العباس..

حوار

ابو مسلم. لقد فعلت لكم كذا وكذا ياسيدي المنصور

الخليفة ابو جعفر ويحك او كنت تستطيع ذلك لولا ريحنا..؟؟؟

صفق ثلاثا.. انقض الحراس.. وفتكوا بالعسكري الحريف,, بعملية خاطفة.. ( عصية على التبرير والتنظير)..

لكن مؤرخي تأريخك وتأريخي. غبروها علينا!!..

ومن الاخبار اللطيفة ان بعض مسلمي بلاد فارس كانوا ينتظرون ظهور ابي مسلم لأكثر من مائتي سنة؟؟

اوكي..

من الشعراء صعد.. الانتهازي الفذ ابو العتاهية بقصائد الزهد... يقابله ابو دلامة.. الفطير بنكاته السمجة.. لكن بشارا كان بشارا.. اليس كذلك؟؟(والطين لايسمو سمو النار!!) هذا العجزمن بيت شعري له قتل بشار الاعمى ايضا. المجوسي ابن المجوسي( اين الديمقراطية؟؟). وصعدت الخيزران جارية المنصور... وكانت تدير امور الرعية من وراء الكواليس.. الخ.,, الخ.

سكر الفتى الشاعر مبرر.   فالوضع لايتحمله شاعر مثله. والانحطاط لا يطاق..( لكن البنى التحتية كانت تنمو وتنمو والخراج تجاوز الالف الف الف دينارا ذهبيا في العام.. والغيمة اينما امطرت تمطر على ارض عباسية..) ربما كتب الشاعر الضجر.. مقالة او قصيدة لكن جندرمة المنصور حجبوها... فلم يجد غير الرجوع ليلا. مترنحا مرددا . اضاعوني واي فتى أضاعوا.. ليوم كريهة وسداد ثغر..

حين سجن الفتى.. لم يسأل عنه سوى ابو حنيفة. وتوسط . وأطلق سراحه.. وسأله معتذرا. لعلنا ما ضيعناك. يافتى؟؟

والحكاية معروفة. لمن يقرأ كتب التراث.. المفارقة ان ابا حنيفة نفسه رحمه الهك لم ينج من فتك ابي بغداد اقصد الخليفة المنصور.. وأظن وبعض الظن إثم. ان الفتى بعد ان تاب على يد الامام.. قد رجع للسكر بعد الفتك بالإمام ذلك تخريج مني قد يصلح لقصيدة....(ولن أحدثك عما فعله بأولاد العم من العلويين. لكي لا اتهم في رصانتي العلمية. وخوفا من إحالة الى طائفية مقيتة. فيتهمني بعض الاخوة بالصفوية.. او الزرادشتية. او المجوسية( فما أسهل تكوير التهمة..شنقة عجين فتخبز). لكن ما جرى للإمام جعفر بن محمد.( عليه السلام) معروف تجده عند الطبري. وقصة ذي النفس الزكية وشقيقه ابراهيم. معروفة ايضا.....

لقد وجدت في روح قصائدك يا صديقي ايها الشاعر الملول. ما وجدته في روح كتابات هادي العلوي. . حداثة.. مفرطة في حداثتها. والتصاق بالتراث الاسلامي.

اقتراب من عرفان الجنيد .. وهروب الى احضان سبينوزا..الغوص في مستنقع الكراهية بقلب ابيض..قلب على العراق...لكنه قلب ملغوم بتأريخ مكتوب لم يقرأ بعد قراءة بنيوية..

جمع ما لايمكن جمعه. وإن اجتمع فكهرباء.. كهرباء قاحلة. قاتلة.

ولهذا اطلب منك ان تعذر من لايفهمك.

فكل ما ذكرته عن عراق اليوم. ينبع من تقعر النظارة... والخطب كبير..

فلا تأمن لماض..فتبيضه.. وهو اسود. ولا تطلب من الحاضر مالا يملكه.. والمستقبل عروس لم يجد عروسه بعد. يمكنك ان تنتظر كما انتظر الفتى جار ابي حنيفة.. وقربك من الجنيد البغدادي مجلب للفرح. منتج للشعر. وإذا جعلنا الشعر قبلتنا.. نستطيع ان نصلي براحة.. غير مغشوشة. فننام. كما اليمام.. .مع الاعتذار لرداءة الخط. ....!.

تابع موضوعك على الفيس بوك وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2192 الاربعاء 25/ 07 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم