صحيفة المثقف

رقش الكائنات الحية / كاظم شمهود

و شاع استخدام الاشكال الخرافية كالطيور ذات الوجوه الآدمية والفرس ذات الوجه الادمي (البراق) وهي من تقاليد فن بلاد الرافدين . واستخدمت في جميع الخامات ويغلب ان توضع داخل اشكال ومناطق هندسية  وتوزيعها على شكل التدابر والتقابل بينهما زخرفة ترمز الى شجرة الحياة التي هي من تقاليد الآشوريين . وغالبا ما تنتهي اطراف الطيور باشكال نباتية او هندسية .. وانتشرت مناظر الصيد والطرب وزوقت المخطوطات بالمنمنمات التي تحتوي على انواع الاشكال الكائنات الحية . كما انتشرت في قصور الخلفاء الامويين والعباسيين . ويمكن مشاهدت ذلك في قصير عمرة في الاردن الذي يعود الى الوليد بن عبد الملك في نهاية القرن الاول الاسلامي .

 

رقش الخط العرب   

كان الخط العربي في بداية استخدامه وسيلة للعلم ثم اصبح بعد ذلك مظهرا من مظاهر الجمال . وقد حرك الفنان المسلم الخطوط الجافة اليابسة واضاف اليها الزخارف الجميلة حتى غدت لوحة فنية لا تقل روعتها وبهجتها عن لوحات عظماء الفن الحديث ..... وقد استخدمت الكتابة داخل قوالب او اطارات زخرفية حلت محل الصور وعكست نوع من التعبير والقيم الجمالية . وقد عبر الخط العربي الى الغرب  واستخدمه بعض الفنانين امثال الفنان الايطالي جيوتو في زخرفة لوحاته في القرن الثالث عشر . كما اقبل على استخدامه عدد من الفنانين الحديثين امثال ماتيس وبول كلي وبيكاسو وكاندنسكي وغيرهم ....و كثير ما كان يستخدم استخداما زخرفيا دون الاهتمام بالمضمون، كما هو عند بعض الفنانين العرب المعاصرين الذين استخدموه كعنصر تشكيلي ليس الا ...

ويذكر ان انه كان للخط العربي تجارة رائجة في ذلك الزمان، كما يحدث اليوم للوحات الفنية المصورة للفنانين العالميين المعاصرين ..

 

العمارة

تعتبر العمارة بمثابة كتاب مفتوح تسجل به الامم تاريخها وتقاليدها وحضارتها فهي الكاشف عن حقائق التاريخ وتطور الشعوب وخفاياها المنزوية . والعمارة ابداع خص به الله الانسان دون غيره من سائر المخلوقات حيث نرى ان الانسان له ذاكرة انسيابية تسير متطورة مع الزمن . والعمارة سكن وجمال تحاول تجميل الفراغين الداخل والخارج ليصلح للحياة الحضارية . اذن هي ابداع وجمال . وقد قدم الفنان المسلم نموذجا حيا للابداع تمثل في تجريد المآذنة التي هي في حقيقتها تمثل الشكل  الانساني . فالشكل البيضوي في الاعلى يمثل الرأس  مع العنق، ثم اسفله الشكل المستدير يمثل الاكتاف والجذع، اما الشكل الدائري الذي كان المؤذن يطوف فيه فهو يمثل الحوض، بينما يتجلى اسفل هذه القاعدة ذلك المستدير الذي يمثل الاطراف السفلى . ويقول الكتور حسن محمد حسن يعتبر هذا الابداع في التجريد من اجمل الابتكارات العبقرية للفنان المسلم .... وانتقلت العناصر المعمارية الاسلامية الى الغرب وزينت قصورهم ومعابدهم وقلاعهم واثاثهم وملابسهم وحليهم .... ويمكن مراجعة كتاب ـ شمس العرب تسطع على الغرب ـ لزغريد هينكة .

 

الرقش الاسلامي والصوفية

يذكر بان هناك تقارب بين مظاهر حركة الصوفية والرقش الاسلامي فهناك مثلا تكرار في الوحدات الزخرفية وفي الوميض، وهناك الذكر الذي يكرره المؤمن الصوفي مئات المرات (الله هو) حتى يغمى عليه ويسقط ، فيتجرد من غلافه المادي ويغيب في الروحانيات ... وفي التجريد الزخرفي الهندسي نرى انها تمتد وتسعى بدون نهاية او حدود وراء الخالد الجوهر او الحق . وهو سعي في صورتين احدهما تكرار واستنساخ  يتمثل في الرقش اللين (النباتي) والآخر يبدو على شكل وميض متناوب ذات تخطيطات هندسية مستقيمة ..... كما ان الرقش  النباتي حسب البهنسي يعبر عن الجنة والهندسي يعبر عن الكون ..   ويقول التوحيدي في هذا السياق (ان الاسلوبين يقوم على فكرة الوجد والتعالي ففي الصورة الاشعاعية نرى الكون وبما فيه يدور فلك واحد منشأه الله الاجل ومنتهاه الواحد الاحد ...)

 

الرقش العربي والفن التجريدي الحديث

لقد كتب المحللون والنقاد عن تأثيرات الفن الاسلامي على الفنون الاوربية المعاصرة واطالوا في ذلك خاصة عن المدرسة  الوحشية التي تزعمها ماتيس بل ان البعض ذهب الى اكثر من ذلك حيث ذكر ان بعض المدارس الفنية الاوربية الحديثة يمكن ان نطلق عليها ـ بالمدرسة العربية ـ ... وعلى اية حال فان بعض المحللين يضعون عدد من المشتركات بين الاثنين منها :

1 ـ عدم اعتبار الطبيعة والانسان مقياسا للجمال الفني كما كان  عند الاغريق.

2 ـ الاعتماد على الانفعال الذاتي الداخلي  في عملية الابداع الفني دون الاعتماد فقط على الحس المادي للاشياء الخارجية .

3 ـ التعبير عن المطلق . بمعنى البحث عن الماهيات او المضامين او روح الاشياء .

4 ـ البحث عن الجمال المحض . ويمكن ان يكون جمالا روحيا معنويا كقولنا ـ الصبر جميل ـ او ماديا  متمثلا في انسجام العنصر الفنية في الوانها واشكالها بايقاع واحد جميل ..  (انما الحياة الدنيا زينة ..) .

فن الشرق   ـ

يقول احد النقاد الغربيين "(عندما ننظر الى الاعمال الشرقية علينا ان نحصل على اعين جديدة وطريقة جديدة في النظر الى العالم لان الفنان الشرقي لا ينظر الى العالم بنفس الطريقة التي نحن ننظر فيها .)

 ويعتبر الفن الاسلامي هو امتداد للفنون الشرقية وليس الغربية من حيث التقنية ومن حيث الجانب الميتافيزيقي، فالجانب التقنوي يرتبط بمضمون على قدر كبير من التجريد .. فالفنان الصيني يحاول يعبر في عمله عن تناغم الكون واتساقه ويشترك معاه في ذلك الفنان المسلم في الرقش الزخرفي بقدر كبير  اكثر من الهدف المعتاد عند الغرب .. كما ان الفنان الصيني يتصور الطبيعة من خلال تاريخه كله، والفنان المسلم في عملة يتبع التقاليد الموروثة في التقنية  والمضمون ..

و الرقش الاسلامي ليس هو مجرد زخرفة كما يشير الى ذلك كثير من المحللين والنقاد، انما  له وظيفة رمزية في جميع اشكاله وانواعه سواء كان في الرقش الهندسي او النباتي . ومن النقاد من يقول ان الابداع في الرقش  يعتمد كليلا على فلسفة وعقيدة في آن واحد وهو مايجعله من خصائص المسلمين ...

ولهذا نرى ان المذاهب والمدارس الحديثة في الفن سعت بكل قوة الى ساحة فنون الشرق في  التجريد والذي لا يعني شئ ويعني كل شئ ...

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2193 الخميس 26/ 07 / 2012)


في المثقف اليوم

في نصوص اليوم