صحيفة المثقف

"رحلات مع شارلي" .. الوداع الأخير لجون شتاينبك / ترجمة: أحمد فاضل

 الصادر عن دار نشر فايكنغ عام 1962 كواحد من الكتب التي لا تزال تثير جدلا واسعا بين الأوساط الثقافية المهتمة بآثار هذا الكاتب، حيث ركزت الصحيفة على سؤالين هما : لماذا كتب شتاينبك هذا الكتاب؟ وهل الرحلة الطويلة التي قام بها حقيقية مع أنه كان يحتضر ويعد اللحظات لملاقاة الموت ؟ الايكونومست اشارت الى أن الروائي الأشهر أمضى في الواقع ليلة واحدة في شاحنته الصغيرة التي راح يجول فيها الأراضي الأمريكية، أما بقية لياليه فقد امضاها متنقلا بين الفنادق صحبة زوجته بعد أن أشيع أنه كان مسافرا مع كلبه شارلي فقط كما صرح بذلك بعض أفراد أسرته، ولأهمية هذا الكتاب ومؤلفه الحائز على جائزة نوبل للأدب جون شتاينبك الذي لا يزال يشكل محورا للعديد من الدراسات النقدية في أمريكا والعالم نظرا لما يتمتع به من إسلوب فريد في الكتابة، وتناوله العميق للشخصية الأمريكية وتحليلها خاصة عندما يتناول الزنوج الأمريكان الذين دافع عنهم دفاعا مستميتا ظهر في عديد رواياته وكتاباته الأخرى، فهو يسوق في كتابه مشاهداته لهذا الحقد اليومي الذي يتعرض له الجنوب العنصري من البلاد خاصة الأطفال منهم الذين يدرسون في مدارس البيض وقد استمع شخصيا ذات مرة لأحد الأشخاص وهو يشير على كلبه شارلي الذي رافقه رحلته تلك قائلا :

- كنت أعتقد أن لديك زنجيا في الحافلة !

وواجه شخصا آخر يقول له :

- ساضع حدا لحياتي إذا أصر ولدي الذهاب الى المدرسة مع الزنوج !

عندها يقول شتاينبك أنه عرف الفرق بين أمريكا والأمريكيين، ولأهمية تسليط الضوء على هذا الكتاب فقد حاول الكاتب والناقد الأمريكي المعروف جارلس ماكغراث الذي يكتب في النيويورك تايمز البحث في ملابسات هذه الرحلة في مقال له نشره في 3 ابريل / نيسان 2011 فاتحا الطريق أمام غيره من الكتاب لإماطة اللثام عن صفحة مبهمة من صفحات هذا الكاتب الكبير .

في خريف عام 1960 قرر الروائي الكبير جون شتاينبك الذي أحس بدنو أجله القاء نظرة الوداع على أمريكا التي أحبها بجنون فجهز شاحنته الصغيرة بثلاثة أرباع الطن من المواد التموينية والحاجات الأساسية الأخرى منطلقا من منزله الكائن في نيويورك مع كلبه الفرنسي شارلي للسياحة عبر البلاد، وكانت الفكرة أنه سيتوجه وحده في هذه الرحلة والتخييم في المناطق التي سيتوقف عندها والتحدث الى السكان المحليين الذين سيلتقيهم هناك، ومع أنه قطع أكثر من 300 كيلومتر الى الغرب الأمريكي فالبقاء في العربة أمر غير مقبول بالنسبة اليه لذلك فقد تردد على الموتيلات بكثرة لانعدام الفنادق الفاخرة في تلك الأماكن وكثيرا ما أعجبه أن يقيم خيمته في المزارع الواقعة بالقرب من مانشستر أو نيوهمبشايروعندما توقف أمام فندق سبالدينغ وهو من الفنادق الفخمة جدا اضطر لاقتراض بدلة وربطة عنق لتناول الطعام في احدى صالاته، جولاته تلك رافقته فيها زوجته ايلين وقضى بعض لياليها معها في العربة التي يقول عنها انها تشعره بالراحة حتى وهما نائمان فيها أو بعض ممن كان يلتقيهم داخلها وهو يسوح أنحاء أمريكا .

كان من الصعب متابعة خط سير رحلة شتاينبك كما يقول جارلس ماكغراث والذين حاولوا ممن تناولوا الكتابة عنه وضع جدول زمني لها اعتمدوا على سيره الذاتية وخطاباته ورسائله لتحديد الأمكنة التي زارها مع أنها جاءت متناقضة مع مخطوطته الأصلية " رحلات مع شارلي " الموجودة حاليا في المكتبة الوطنية ويمكن لأساليب البحث أن تظهر ما إذا كانت هناك شكوك حولها فبعد خمسين سنة على حدوثها يحاول الكثير ممن شغلتهم أحداثها إعادة النظر فيها وكأنها اسطورة لقصة يعاد قرائتها في كل مرة، الباحثة والمقيمة في المركز الوطني في ساليناس بكاليفورنيا سوزان شللنجلو قالت في مقابلة هاتفية معها : ( أي كاتب لديه الحق في تشكيل ما يراه مناسبا حول هذه القصة، مع أن شتاينبك حين جعلها مبهمة في تفاصيلها لم يجعل منها كذبة كما يتصور البعض، هو يتحدث عن بعض الشخصيات التي التقاها في رحلته حتى النادلة كانت لها حكايات معه )، أما جاي بارني مؤلف سيرة حياة شتاينبك الصادرة عام 1995 عن دار نشر بنجوين يقول : ( لقد شعرت بالدهشة أن إلين قد رافقته في الكثير من هذه الرحلات، لقد أمضيت عدة ساعات في لقاء معها لم تذكر لي أنها رافقته )، اما ما يتعلق بدقة الكتاب وما جاء فيه يعود بارني ليقول : ( افترض دائما أن هذا الكتاب عمل من وحي الخيال، شتاينبك كان كاتب خيال ورحلاته قد تكون مجرد تشكيل لأحداث لم يعشها حقيقة وفيها الكثير من التلفيق )، وقد اجمع بعض من اصدقاء شتاينبك وبعد أن لمسوا مدى تردي حالته الصحية على تشجيعه بالقيام بهذه الرحلات الترويحية من أجل استعادة حيويته ونشاطه، هذا ما صرح به بيل باريش الذي نشر الكثير من اللقاءات مع المقربين من دائرة الكاتب، لكنه يعتريه الشك في مقدرته على اجراء مقابلات مع الناس العاديين الذين وكما ورد بكتابه أنه التقاهم بسبب عناده حتى مع المشاهير الذين يتمنى الناس الاقتراب منهم والتحدث اليهم، لكن الكثيرمما كتبه عن بلاده لا يزال يؤخذ على محمل الجد لأنه نافذ البصيرة وكان يتمنى كتابته قبل مرضه بفترة طويلة، ومع أنه بدا أكثر قتامة وهو يلقي نظرته الأخيرة عليه إلا أنه كان وداعا حميميا لرحلة استغرقت منه قطع مسافة ما يقرب من 10000 ميل وفقا لما قاله نجله الأكبر قبل أن يودع الحياة بعد عودته بأيام .

تابع موضوعك على الفيس بوك وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2197 الاربعاء 1/ 08 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم