صحيفة المثقف

مهارة اللغة وتباعد العلاقات في مطولة (قبل ان نصنع السفينة) لميثم العتابي / عادل الصويري

على صعيد الدلالات والمضامين التي تبدو غريبة على (نص مطول)اجتهد شاعره في أن ياخذ القاريء في سياحة متعددة الجوانب بمهارة اللغة التي تفتح للتأويل ابوابه المتعددة.

وتتجلى مهارة الشاعر اللغوية في فرضيته التي استهل بها نصه فكانت ملتقى لمناخات شعرية / فلسفية / تاريخية :

(انزلقت قطرة دمع على خد ملاك، هوت في بئر الابدية

فاضت البئر عصافير، طار جناح البسمة منها

هب الريش لبدء التكوين)

 

ثم يقول:

(مازلنا وبابل نطفو ، مازلنا على ذاك اللوح

نرتق ثقوب الناي بأحجار الدمع ونغني)

 

فالشاعر ميثم العتابي لايستغني عن الغناء الذي اجتاح ويجتاح الذائقة منذ الاف السنين ولكن غناؤه هو الذي يفضي الى رؤيا لايجيد عزفها سواه

(كان القول سفينة

جبهتي شراع

فمك وجهتي ويداك انتزاع)

وهذا الغناء المكثف لايمنعه من ممارسة هوايته المحببة في الخروج على المالوف ضاربا بعرض الجدار ما يؤكد الآخرون عليه (وحدة الموضوع) حتى وان كان يكتب نصا واحدا مطولا ويبدو انه استبق هجوما (كلاسيكيا) على هذا الخروج فيصرخ :

(اضرب بوجهك ملح بصيرتهم

نصك هذا يلقف مايدعون)

 

ثم نراه يستعين بـ (الشكل) وهذا مانسجله عليه حيث عمد الى تقطيع النص ليبدو للقاريء وكأنه تجميع لنصوص متشظية هنا وهناك مراهنا على مساحة واسعة يخلقها في ذهنية قارئه ولانعتقد بانه كان محتاجا لهذا التقطيع لكونه محافظا على دوائره الاهم اللغة /الغناء/ الرؤيا.

واتخذ الشاعر ميثم العتابي من رمز (السفينة)لازمة لمطولته لكنه اجتهد كثيرا ليلبس هذا الرمز دلالات متعددة فبين كل جولة قرائية في مقاطعه تطالعنا سفينة بمدلول متغير:

(في الوقت الذي استعد فيه والاطفال لركوب سفينة النوم

كنت هناك، تصنعين النعاس والمراجيح)

 

وعمد الشاعر الى ان يكون النص دسما بالرموز والاساطير مستثمرا مابجعبته المعرفية من خزين يوظفه لصالح مطولته ليهرب من الخطابية التي قد تلقي بظلالها في غفلة من اللغة فهو حذر من هذه الناحية ولكن هل اضافت هذه الرموز عمقا للنص؟

نعتقد ان بعضها كان مقحما ليتلائم مع العنوان الرئيس (قبل ان نصنع السفينة) كما نجد ان هناك تباعدا علاقاتيا بينها وبين النسق العام:

(اوتونابشتم في صالة الانتظار

يلتقط المارة من بئر المذياع)

 

وعلى العكس من ذلك نجده يرتفع ببعضها ملمحا الى موروث اجاد في عملية اسطرته بكثافة غاية في الشاعرية:

(انا يانبي الماء ازرعني بدمعتي

وأنمو في شهقة الوقت)

 

وليس لنا اغفال البعد (الحسي) في هذه المطولة حيث الحب والمرأة ،هذا البعد الذي كان بمثابة فاكهة النص وقد استثمره الشاعر ايما استثمار في تعميق رؤيته بجمل لاتخلو من تهكم:

(اصغي وحدي، مفتون بصبايا

يمشطن حياء الصيف بوجه النهر)

او:

(نحن المحاطين بمتعة الاحتراق

لانابه لاسعار النفط

طالما فمك شعلتنا الابدية)

 

وحسنا فعل الشاعر ميثم العتابي حين اصدر مطولته هذه في صيفنا القائظ لان (القيظ يحتمل التأويل) كما يقول.

 

تابع موضوعك على الفيس بوك وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2199 الاثنين 6/ 08 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم