صحيفة المثقف

هل امريكا عدوة لمنظمة القاعدة ؟! (2 ) / علي جابر الفتلاوي

في تأسيس هذه المنظمة الارهابية ودعمها ايام الغزو السوفيتي لافغانستان ، يقول وزير خارجية بريطانيا الاسبق ( روبن كوك ، 1997 2001 م) :

( ان تنظيم القاعدة وانصار بن لادن هم (( انتاج سوء هائل في التقدير من جانب الاجهزة الامنية الغربية )) وقال : ان القاعدة والتي جاء اسمها من قاعدة البيانات ، كانت في الاصل ملف كمبيوتر يحتوي على معلومات عن آلاف المجاهدين الذين تم تجنيدهم وتدريبهم بمساعدةٍ من وكالة المخابرات المركزية الامريكية لهزيمة الروس ).

 

بعد ذلك تطورت العلاقة بحيث اخذت امريكا تشعر باهمية هذه المنظمة ، وضرورة دعمها ولو بطريقة سرية ، لدورها الكبير في تمزيق وحدة المسلمين ، وعملياتها الارهابية التي تركز على المحيط الاسلامي ، اكثر من تركيزها على خارج حدود المجتمع الاسلامي ، فتحولت المنظمة الى معول هدم داخل هذا المجتمع .

 

يرتبط تأريخ العلاقة الامريكية بمنظمة القاعدة ، بتأريخ العلاقة السعودية الامريكية ، لقد وجدت امريكا في الفكر السلفي المتطرف والمتحجر الذي يحكم السعودية ، حليفا قويا لها ، اذ يحقق هذا الحلف اهدافا كبيرة ربما تعجز امريكا عن تحقيقها بواسطة الدبابات والطائرات ، وما يتحقق من نتائج هذه العلاقة يصب في النهاية في مصلحة الكيان المغتصب للقدس، وهذا ما تريده امريكا ، وما يريده اللوبي الصهيوني المسيطر على اتجاهات السياسة الامريكية والدول الغربية .

 

تأسست منظمة القاعدة تحت لافتة الجهاد الاسلامي ، وهذا هو الاستغلال السئ للدين الذي بدأ منذ سيطرة الامويين على الحكم ، ولا زال هذا الاستغلال مستمرا ومتوارثا لدى الحكام العرب الذين يحكمون بأسم الاسلام ، المدعومين بفتاوى وعاظ السلاطين التي تأتي فتاواهم جاهزة حسب الطلب .

 

أنطلقت منظمة القاعدة في عملياتها تحت رعاية الحكومة السعودية ، ودعم واسناد الحكومة الامريكية ، واستمرت المنظمة في عملياتها الارهابية حتى بعد انسحاب الروس من افغانستان ، واستطاعت امريكا والسعودية تحويل جهاد المنظمة لقتل المسلمين الاخرين ضمن الرقعة الجغرافية الاسلامية ، وبذلك تحول الصراع من عربي اسرائيلي الى صراع عربي عربي او اسلامي اسلامي ، بفضل المرجعية الفكرية المنحرفة والجامدة لهذه المنظمة ، وبفضل دولارات النفط العربي الخليجي ، وبهذه النتيجة تكون امريكا والسعودية قد قدمتا خدمة كبيرة لاسرائيل .

 

في رأينا ان هذه الخدمة لم تكن مجانية بل ثمنها دعم امريكا والغرب مع اسرائيل الى السلفية الاسلامية في السعودية خاصة والى بقية البلدان العربية والاسلامية السلفية الاخرى ، والمحافظة على هيكلية الحكومات المحسوبة على الاسلام ، لأن هذه الحكومات لها الدور الكبير في دعم القاعدة ، ولها الدور الاكبر في تغيير مسارات جهاد هذه المنظمة الارهابية ، اذ تحول جهادها لقتل المسلمين الاخرين المختلفين عن الفكر السلفي التكفيري الذي تؤمن به القاعدة .

 

القاعدة في الواقع العملي هي معول هدم وتخريب للعالم الاسلامي ، وفكرها المتخلف صورة مشوهة للاسلام الاصيل ، تحويل القاعدة لتعمل ضمن محور الهدم للمجتمع الاسلامي لم يأتِ من فراغ ، فمراكزالدراسات الغربية ، واليهودية الصهيونية خاصة ، تبحث عن أي فكر او حزب او نشاط يساهم في تفتيت وحدة المسلمين ، فتقدم له الدعم السري والعلني ، وتصبغ عليه صفة الموضوعية او العلمية ، وتسلط عليه الضوء والاعلام لغرض تبريزه وتطويره ، ليأخذ دوره في التخريب ، لهذا السبب احتضنت امريكا الفكر السلفي الاسلامي وشجعت على انتشاره على مستوى العالم الاسلامي ، ووجدت في الفكر السلفي الوهابي التكفيري في السعودية خير ممثل للاسلام ، وفي هذه الخطوة تضرب امريكا ليس عصفورين بحجر بل عدة عصافير بحجر .

 

اصبح الفكر السلفي التكفيري الذي انتج القاعدة والمنظمات الارهابية الاخرى ، يقدم خدمة كبيرة لامريكا وحليفاتها الدول الغربية ولاسرائيل على وجه الخصوص ، لذا نرى امريكا تتعامل بأزدواجية مع منظمة القاعدة ، فهي من جهة تعلن عن عداوتها للقاعدة ، ومن جهة اخرى تدعمها وتقدم لها العون والمساعدة ، كما تدعم الفكر والاسلام الذي تتبناه القاعدة ، بل تساعد وتشجع على انتشاره بين المسلمين ،لأن هذا الفكر عدواني تجاه المسلمين الاخرين ، فهو يعتاش على خيرات المسلمين من جهة، ويتوجه لقتلهم من جهة اخرى ، وهل توجد خدمة لامريكا واسرائيل اكبر وافضل من هذه الخدمة ، التي هي في الواقع ليست خدمة مجانية ، بل ثمنها المحافظة على الانظمة السلفية العربية ، بل تشجيع قيام نظم حكم سلفية في البلدان العربية التي تحسب على العلمانية ، وهذا ماحصل في مصر وتريد حصوله في بقية البلدان العربية التي تشهد ربيع الثورات السلفية المدعوم من السعودية وقطر .

 

فكر القاعدة السلفي اليوم منتشر في جميع البلدان الاسلامية تقريبا ، والخلايا المسلحة لهذا الفكر متواجدة في اغلب هذه البلدان ، تحولت بعض خلايا القاعدة الى مخلب بيد المخابرات الامريكية ، تستطيع تحريكه في الوقت الذي تشاء ، كذلك السعودية ، وقطر التي دخلت على الخط في السنين الاخيرة ، تستطيعان تحريك خلايا القاعدة الارهابية في الوقت والمكان المطلوبين ، لتكون هذه الخلايا اداة ضغط او تهديد وانتقام من هذا البلد او ذاك وهذا مايحصل الان في سوريا .

 

هذه المنظمة الارهابية توسعت واصبحت ذات فروع عديدة وتحت مسميات متنوعة ، بناء على تنوع اجتهادات شيوخها وولاءاتهم لهذا الطرف او ذاك ، والامر لا يتطلب اكثر من فتوى من هذا الشيخ او ذاك من وعاظ السلاطين الذين يتحركون بالدولارات الامريكية ، فتصدر فتوى يستطيع صاحبها ان يحدد طريق الدخول الى الجنة او النار لمجموعتة المسلحة التي تتبع فتاواه ، حينئذ ستكون هذه الفتوى بمثابة   (ماوس) لهذه المجموعة تحدد طريقة موتها كي تدخل الى جنة الشيخ صاحب الفتوى ، فقد تكون الطريقة بالانتحار بحزام ناسف ، او بواسطة سيارة مفخخة ، او أية طريقة اخرى يحددها قادة هذه المجموعة المسلحة لقطيعهم الذي يقودونه ، هذا التنوع في الفتاوى ادى الى تنوع في ولاءات هذه المجموعات الارهابية المسلحة ، وكذلك الى تنوع آليات عملها ( الجهادي ) ، وادى ايضا الى تحديد المناطق التي تنفذ فيها عملياتها الارهابية ، ومن نتائج هذا التنوع ايضا ، انه قد يقود الى تقاطع عمل منظمة ما من فروع القاعدة في بلد من البلدان مع المصلحة الامريكية ، او مع المصلحة السعودية راعية الفكر السلفي الذي تؤمن به منظمة القاعدة بكافة فروعها ، لكن هذا لا يعني تقاطع المصلحة الامريكية مع فروع القاعدة عموما ، وارى ان ظاهرة التنوع هذه طبيعية في كل تنظيم او حركة او فكر يسير في طريق التوسع والامتداد ، والخروج عن حدود المنطقة التي ولد فيها .

 

العراق مثلا من المناطق التي تواجدت فيها منظمة القاعدة الارهابية ، دخلت هذه المنظمة العراق مع قوات الاحتلال ، اذ دخلت تحت المظلة الامريكية ، واخذت تقترف جرائمها الارهابية بحق الشعب العراقي تحت حماية القوات المحتلة ، وتبغي امريكا من وراء ذلك خلق نزاع وصراع طائفي بين ابناء الدين والشعب الواحد من السنة والشيعة ، وقد لقي هذا الهدف ترحيبا من دول المنطقة الطائفية خاصة السعودية وقطر وتركيا ، وترحيبا من السياسيين العراقيين المرتبطين بالاجندة الطائفية في المنطقة ، ومن خلال خلفيات هؤلاء السياسيين العراقيين ، توفرت حواضن للقاعدة داخل الاراضي العراقية ، بدعم واسناد من هؤلاء السياسيين العراقيين المدعومين اقليميا من الدول الطائفية ، ومما زاد في تعقيد الامور اكثر اشتراك هؤلاء السياسيين في الحكومة العراقية ، فأخذوا يمارسون دورهم التخريبي بشكل اقوى، من خلال اسنادهم للارهاب ، وتأخير بناء مؤسسات الدولة ، وهذه اللعبة من تصميم وتنفيذ قوات الاحتلال اذ زرعتها في جسد العملية السياسية الجديدة ، فكانت نتائجها هذا الارباك والمشاكل في العملية السياسيىة التي لا زال الشعب يجني نتائجها السلبية ، من ارهاب وفوضى في عمل الدولة ، وتخلف في الخدمات ، اذ اصبح تأخير تقديم الخدمات جزءا من مهام هؤلاء السياسيين المشاركين في الحكومة ، المرتبطين بأجهزة مخابرات الدول المجاورة للعراق والتي تحمل نفسا طائفيا مقيتا .

 

وبسبب تواجد القاعدة على الارض العراقية ، دفع الشعب المئات من ابنائه ضحايا بين شهيد وجريح او معوق بسبب الارهاب من النساء والرجال والاطفال ، اضافة الى تدمير الممتلكات ، لكن بعد انسحاب قوات الاحتلال انحسرت عمليات القاعدة كثيرا ، واصبح افرادها والجهات التي تدعمهم مكشوفين للشعب العراقي ،والقي القبض على الكثير من قياداتهم ، وقتل البعض الاخر ، واثناء تواجد القوات المحتلة كانت القاعدة تدعي انها تستهدف قوات الاحتلال ، لكن الشعب العراقي يعرف جيدا ان القاعدة لا شأن لها بقوات المحتل ، بل كان هدفها ابناء الشعب العراقي بكافة طوائفه ، وقد ظهر هذا الزيف بشكل مكشوف بعد الانسحاب ، اذ استمرت القاعدة في استهداف الشعب العراقي ، ولم تتوقف عملياتها الاجرامية ، واذا صادف انْ قتل بعض الامريكيين من قبل القاعدة انما قتلهم جاء عرضيا وغير مقصود ، لان القاعدة في العراق هي لخدمة القوات المحتلة ، وذلك من خلال الواقع الذي عشناه ، ومن خلال مؤشرات كثيرة ، منها ان شهود عيان يروون ان القوات المحتلة تقوم بنقل مقاتلين من القاعدة الى اهداف معينة تريد القوات الامريكية تحقيق اغراض من هذه الاهداف التي تنفذ فيها القاعدة عملياتها الاجرامية .

 

والجدير بالذكر ان بعض القتلى الامريكان كانوا هدفا لبعض الفصائل المسلحة التي تسمي نفسها بالمقاومة من غير القاعدة ، فليس كل امريكي قتل تكون القاعدة قد قتلته ، بل ربما فصائل مسلحة اخرى من خارج تنظيم القاعدة هي من قام بعملية القتل ، وكان هؤلاء يدعون ان هدفهم القوات الامريكية فقط ، لذا القت هذه الفصائل السلاح بعد الانسحاب الامريكي ، وبعضها الان يريد الانخراط في العملية السياسية الجديدة .

 

وصلت درجة التعاون بين القاعدة والامريكان من خلال السياسيين الذين يمثلون هذه المنظمة الارهابية ، وعلاقتهم القوية بقوات الاحتلال ، ان تقوم القوات المحتلة بتأمين الطرق لبعض افراد القاعدة لتنفيذ عمليات ارهابية في منطقة من المناطق او مدينة من المدن ، لتحقيق اغراض سياسية لصالحها ، او لصالح السياسيين المدعومين من دول الاقليم الطائفية ، والمرتبطين مع الامريكان بعلاقات ودية وعلاقات تعاون وتنسيق .

 

هذا ما جرى في العراق واكده الكثير من المراقبين ، وما يجري اليوم في العالم العربي والاسلامي مؤشر اخر على ان امريكا ليست عدوة للقاعدة كما تدعي امريكا ، كذلك ان القاعدة ليست عدوة لامريكا كما تدعي القاعدة ، بل هي خادمة للاهداف الامريكية والصهيونية ، سواء رضيت بذلك ام لم ترضَ ، وخير مثال على ذلك ما يجري اليوم في سوريا ، حيث تشرف السعودية وقطر وتركيا ، بالتعاون مع امريكا على ادخال مقاتلي القاعدة من مختلف الجنسيات الى الاراضي السورية ، مع افتعال ضجة اعلامية من الدوائر التابعة لهم حول هؤلاء المسلحين الارهابيين ، اذ مرة يصفوهم ( جيش سوريا الحر ) واخرى ( المعارضة المسلحة ) ، في حين ان شهود العيان يؤكدون ان هؤلاء عصابات مسلحة ومدربة من جنسيات مختلفة ، تنتمي الى منظمة القاعدة الارهابية ، او الى حركات سلفية متطرفة اخرى ، تقوم بقتل ابناء الشعب السوري من مدنيين وعسكريين من دون تمييز ، وتقوم بتدمير البنى التحتية للشعب السوري .

 

والملفت للنظر ان امريكا والدول الغربية الاخرى وحتى الامم المتحدة لا يذكرون جرائم هؤلاء المسلحين في القتل والتدمير، ويلقون مسؤولية ذلك على الحكومة السورية فقط، نذكر هذه الحقيقة مع اننا ندين عمليات القتل العشوائي من أي طرف كان ، واننا مع الشعب السوري في الحرية والديمقراطية، والتداول السلمي للسلطة، هذه الحقائق المرّة هي التي اجبرت كوفي عنان رئيس هيئة المراقبة الدولية ، بعدم تجديد تكليفه مرة اخرى لان الانحياز والازدواجية واضحة كالشمس في التعامل مع القضية السورية من قبل امريكا وحلفائها، تماما مثل الازدواجية التي تتعامل بها امريكا وحلفاؤها مع قضية شعب البحرين، فالمسلحون في سوريا المدعومون من امريكا والسعودية وقطر وتركيا هم من عصابات القاعدة ولا احد يشك في ذلك .

 

هذه امثلة ، ويوجد غيرها كثير كلها تؤشر على ان امريكا ليست عدوة للقاعدة، فالقاعدة بكل فروعها في العالم الاسلامي، هي خادمة للاهداف الامريكية والصهيونية ، كما ان الفكر السلفي الذي تؤمن به القاعدة، وتتبناه السعودية وقطر هو تحت الرعاية والحماية الامريكية والصهيونية، والعلاقات السعودية والقطرية مع الكيان الصهيوني مكشوفة لكل ذي بصر وبصيرة .

 

بعد كل هذه المؤشرات هل يصدق احد ان امريكا عدوة للقاعدة ؟ او ان القاعدة عدوة لامريكا ؟

 

تابع موضوعك على الفيس بوك وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2199 الاثنين 6/ 08 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم