صحيفة المثقف

مذهب أوجوست كونت في السياسة والعلم الواقعي / قاسم خضير عباس

وتعصبها قادها إلى جعل العلم كمعتقد جديد له قدسية كقدسية (آلهة اليونان). وقد أشار إلى ذلك (سان سيمون)، الذي يعد من أهم منظري (إيديولوجية الصناعيين) في فرنسا، حيث قال: (إن الآراء العلمية التي تقررها المدرسة سيتعين أن ترتدي لاحقاً الأشكال التي تجعلها مقدسة). ويعلّق المفكر الفرنسي المرحوم روجيه غارودي على الموضوع نفسه في كتابه الاصوليه معتبراً أن (القدسية الوهمية) قد لاحقت (مؤلفات أوجوست كونت بكاملها)، وهيمنت على (تصوره للعلم والسياسة)

بلحاظ أن (أوجوست كونت) قد اهتم بالعلوم الاجتماعية ، التي أسماها (واقعية)، بعد أن انتابته موجة جنون حادة، على إثر موت عشيقته، التي اتخذها إلهاً استوحى منه كتابه (مذهب في السياسة الواقعية)!!

ويذهب بعض النقّاد إلى عدم واقعية (المذهب السياسي لكونت)، وعدم منطقية مبادئه التي وضعها في أربع مجلدات ليؤسس بها (علماً للاجتماع) يتناول القضايا الحساسة ومنها الدين، خصوصاً وأن (كونت) قد كتب عام 1852م كتاباً أسماه (التعليم الديني الواقعي)، كبديل عن (التعليم الديني المسيحي).

هذه النفسية المعقدة التي طغت على شخصية (كونت) تراها أيضاً في شخصية بعض (المفكرين الغربيين)، ومنهم (سارتر) الذي ترجع شهرته إلى رواياته الجنسية البذيئة.

والغريب أن هؤلاء (المفكرين) وضعوا (فرضياتهم الظنية كقوانين حتمية). وأعتقد أن (حتمية التفكير) في (العقل الأوروبي) ـ حتى عند أصحاب مذهب الشك وعند (ديكارت) ـ هي التي قادت إلى نتائج خاطئة وغير علمية في التحليل، علماً أن (قوانين الحتمية) امتدت إلى الدراسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، حيث ظهرت مذاهب واتجاهات (عقلية، وحسية، ومادية) لها قوانينها التي تعتبرها (حقيقة مطلقة)!! لابد من تطبيقها في كل زمان ومكان.

وقد أثبتت النظريات الحديثة للذرة، وعلوم الفيزياء، وعلوم الأحياء، والكيمياء خطأ نظريات كانت إلى زمن قريب بمثابة (حقائق علمية) لا غبار عليها.

وعلى الاتجاه نفسه واجهت (الفلسفة المثالية)، التي اعتبرت العقل أساس الوجود وألغت المادة من حقيقة الوجود، مأزقاً حرجاً بسبب تبنيها لمبادئ فلسفية خاطئة، تمتد إلى الفلسفة اليونانية القديمة، التي اهتمت بالعقل بعيداً عن الجسد ومتطلباته الضرورية. وكذلك واجهت (الفلسفة المادية) المأزق نفسه، لأنها اعتبرت المادة هي الوجود وألغت العقل من أساس الوجود، وبذلك لم تتمكن حتى (المدرسة الفلسفية التوفيقية) من تصحيح الخطأ الفكري الذي وقع فيه كثير من (المفكرين الغربيين)، لأنها لم تلتفت إلى أهمية الأخلاق والروح في حياة الأمم والمجتمعات، فوقفت عاجزة عن تفسير أبسط الأشياء، كاندهاش الإنسان عند وقوفه أمام ظواهر جمالية أو عمل إبداعي. في حين أن الفلاسفة المسلمين الأوائل أدركوا حقيقة الاندهاش الإنساني بعد تأملهم في عبارة (سبحان الله)، المنطلقة من شفاه المؤمنين الموحدين، المفكرين في خلق السماوات والأرض، والقائلين: ربنا ما خلقت ذلك باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار.

 

تابع موضوعك على الفيس بوك وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2199 الاثنين 6/ 08 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم