صحيفة المثقف

سلاطينهم.. وخلفاؤنا / قاسم حسين صالح

وحين تكون في بغداد فكأنك بمدينة لا تاريخ لها مع أنها كانت عاصمة الدولة الاسلامية لخمسمائة سنة،واكبر مدن العالم وأجملها؟!.

 

فلماذا هم يحافظون على تاريخهم ويقدسونه فيما نحن نهمله ونلعنه؟!.ولماذا هم حافظوا على مقتنيات سلاطينهم ووضعوها بمتاحف فيما نحن نهبنا ودمرنا مقتنيات خلفائنا ورؤسائنا؟.

 

لماذا هم يتباهون بسلاطينهم العثمانيين فيما نحن نلعن معظم خلفائنا العباسيين؟

 

ولماذا هم يغلّبون فضائل سلاطينهم فيما نحن ننبش في قبائح خلفائنا،وننسب لمعظمهم ارتكاب الموبقات،مع ان الحضارة العباسية هي التي عرّفت العالم بفكر سقراط وآرسطو وأفلاطون،ونقلت الآداب السريانية والفارسية،وطورت الفيزياء

 

الفلكية والتقنية..والطب،وأسست اكبر جامعات عصرها..بيت الحكمة،فيما الحضارة العثمانية ليست بأصالة الحضارة العباسية أصلا؟!

 

فلماذا لا يوجد في بغداد من قصور خلفائنا الفخمة ومساجدهم الكبيرة،ولا توجد لملوكنا ورؤسائنا سوى تمثال الملك فيصل الأول،الذي جاء بطلب من الملك حسين،وتمثال لرأس أبي جعفر المنصور"وأظن انه رجم!"،فيما هم حافظوا على قصور سلاطينهم وجوامع كل واحد منها تحفة فنية،ومقتنيات لا تقدر بثمن؟.هل أن سلاطينهم كانوا عادلين وخلفائنا كانوا ظالمين،أم لأنهم غافرون ونحن لعّانون؟!

 

وأنت حين تكون بميدان هيبودروم بمنطقة سلطان أحمد ترى نصبا عموديا رباعيا بطول 32م يعود تاريخه لما قبل الميلاد،نقشت عليه رسوم راقصات ومسابقات الخيل..ولا ترى في بغداد نصبا من حضارات سومر وبابل وآشور..بل أننا سرقناها وبعناها بأبخس الأثمان؟!.

 

هل أننا شعب مجبول على سرقة تاريخه ونهب وطنه،أم أن كرهه للسلطة دفعه الى التجاوز على ملكية الوطن بدافع الشعور بالحيف،أم أن روح الانتقام البدوية تشفّرت في جيناتنا الوراثية؟!.

 

وحين تكون بميدان (التقسيم)بوسط اسطنبول ترى نصبا تذكاريا بطول 12م يرمز الى تأسيس الجمهورية،وقريب منه متحف عسكري يعود الى عام 1595م يضم الأسلحة والألبسة الرسمية للضباط والدروع،فيما لا ترى في بغداد نصبا يخلّد مؤسس جمهورية العراق محاطا برموز للضباط الأحرار والجنود والشعب،وأننا دمرنا متاحفنا العسكرية ونهبنا ما فيها وصرنا بلا تاريخ مرئي؟

 

حتى سيارة الملك فيصل الثاني..سرقت واختفت،وحين عثر عليها استقرت بالمتحف الملكي المدهش للسيارات في عمان بالأردن!.

 

لاشيء يذكّرنا بخلفائنا..بملوكنا..برؤسائنا..بل لا معلم اسلامي بهي يذكّر الناس بأن بغداد كانت عاصمة الدولة الاسلامية مئات السنين،وأنها كانت حاضرة العلوم والفنون ؟

 

هل لأننا مجبولون على افناء الآخر وممتلئون حقدا على أن نمحو من التاريخ كلّ من نكرهه،أم ان سيكولوجيا من يستلم السلطة تدفعه الى ان يمحو من الوجود تاريخ من سبقه؟.

 

ان سلاطينهم ليسوا افضل من خلفائنا العباسيين.فمع انهم منحوا انفسهم لقب (خليفة المسلمين) وأن الاسلام يعد من يكنز الذهب والفضة بعذاب أليم..فان زمزمية السلطان وأبريقه..من ذهب..و"كاروك"ابنه من ذهب..وحقيبة الخاتون زوجته من ذهب مرصع بالجواهر..وأن في اثمان هذا الذهب الموجود الآن في متاحفهم حصة من الضرائب التي فرضها ولاتهم على العراقيين،وتفننوا في انواعها حتى سخر منها فقراء العراقيين وقالوا:لم يبق لهم سوى ان يفرضوا "ودي خصوة"يدفعها كل رجل لديه خصيتان!.

 

ومع ذلك فان سلاطينهم ورّثوا لتركيا مصدر ثروة دائم حيث يزور قصورهم ما يزيد على اربعة ملايين سائح سنويا يبلغ ثمن التذكرة الواحدة اربعين ليرة(23دولارا)،فيما نحن لم نحرص حتى على بناية "المدرسة المستنصرية"التي كان يقصدها الدارسون من انحاء العالم.

 

ليست المشكلة في ان بغداد تعرضت لغزو اجنبي وتدمير مغولي،فاسطنبول حاصرها العرب اربع مرات واستولى عليها الفرس ودمرتها اربع حملات صليبية،بل لأننا نتاج ثقافات التدمير والافناء ومحو الآخر من الوجود والتاريخ.والكارثة أن هذه النزعات تتحكم بنا في الزمن الديمقراطي ايضا!..وستظل كذلك ما دام لا يجمعنا مبدأ المواطنة!!.

 

تابع موضوعك على الفيس بوك وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2199 الاثنين 6/ 08 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم